زعم تناقض القرآن مع نفسه


س187- يقول القرآن إن الذى يدخل الجنة لا يخرج منها أبداً, مع أنه قال إن آدم خرج منها, فماذا نصدق إذن؟

ج187- إن الجنة التى دخلها سيدنا آدم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ليست جنة المأوى التى يُجازى بها المؤمنون فى الآخرة, ولكنها جنة على الأرض على ربوة عالية, ومعنى كلمة (جنة) هى الشجر الكثير الملتف, الذى لا يُرَى ما بداخله, ونحن نسميها بلهجتنا (جنينة) ومنها كلمة (جِنّ) لأنه يَخفى علينا فلا نراه, والقرآن حين تحدث عن قصة خلق آدم قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] أى أن الله سبحانه وتعالى سيستخلفه فى الأرض, وليس فى جنة المأوى. إن جنة الخلد ليست دار ابتلاء, ولكنها دار جزاء, وحينما دخل آدم وزوجته الجنة, حذرهما الله جل وعلا من مطاوعة إبليس لعنه الله {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] ولكن إبليس احتال عليهما, وأظهر أنه ناصح لهما بأنهما إذا أكلا من الشجرة فسيخلدان فيها أبداً {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} [طه:120] وأقسم لهما على ذلك {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] فصدقه آدم, لأنه لم يكن يتخيل أن يقسم أحد بالله كاذباً, ولكنه حين أطاعه هو وزوجته انكشفت سوءاتهما, وأُخْرِجا من الجنة {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] فندما وتابا إلى الله {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] وقَبِلَ الله عز وجل توبتهما {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122]

وقد ورد فى الكتاب المقدس تناقض بين مصير سيدنا آدم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – إذا أكل من الشجرة التى نهاه الله عنها, وهاكُم التناقض:

فقالت المرأة للحيَّة من ثمر شجر الجنة نأكل. وأما ثمر الشجرة التى فى وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمسّاه لئلا تموتا. (تكوين3: 2-3) فى هذا النَّص تقول السيدة حواء (رضى الله عنها) للحيَّة إن الله أمرها وزوجها ألا يأكلا من الشجرة حتى لا يموتا, ثم يأتى النَّص التالى فيقول إن آدم لو أكل من الشجرة فسيحيا إلى الأبد, وكأن الله سبحانه وتعالى كذب على آدم حتى لا يأكل من الشجرة فيحيا مثله إلى الأبد (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً):

والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. (تكوين3: 22) وقد أكل آدم من الشجرة ولم يَمُتْ فى حينها, ولكنه مات بعد سنوات عديدة, ولكنه لم يخلد أبداً, أى أن كِلا القَولَيْن لم يتحققا, والله أعلم.

س188- يقول القرآن: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [البقرة:30] أليس هذا تطاولاً من الملائكة على الله, فى حين أن القرآن يثبت لهم السمع والطاعة, فيقول: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء:27]؟

ج188- إن تساؤل الملائكة ليس تطاولاً على الله عز وجل, ولكنه خوف ورجاء, خوف من أن يكونوا قصروا فى عبادته سبحانه وتعالى, ورجاء ألا يفضِّل عليهم أحداً. ولتقريب فهم هذا المعنى, نقول وبالله التوفيق: – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – لو أن عندك خادماًً, وقلت له إنك ستأتى بخادم آخر, فقال لك: لِمَ تأتى بخادم آخر يا سيدى؟ هل أنا قصرت فى خدمتك؟ أيكون قد تطاول عليك, أم أنه تذلل بين يديك؟ وربنا سبحانه وتعالى ليس بحاجة لخدم {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:74] ولكن كما قالوا: (بالمثال يتضح المقال) فالملائكة كما قال الله عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] والدليل على تنزيههم لربهم, وتعظيمهم له, هو قولهم فى الآية نفسها: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} وهنا يُطرَح سؤال: ما الذى علَّم الملائكة أن الإنس سوف يفسدون فى الأرض, ويسفكون الدماء؟ قال العلماء إنهم توقعوا أن يفعلوا كمن كان قبلهم من الجن, فقد أفسدوا فى الأرض وسفكوا الدماء, فأرسل الله عليهم الملائكة, فحاربتهم, وطردتهم إلى أعالى الجبال والقِفار والبحار, أو أن هذا عِلم علَّمهم الله إياه.

ونريد أن نسألكم.. أتعتبرون هذا تطاولاً من الملائكة, وتنسون ما جاء فى كتابكم المقدس من تطاول أنبيائكم (بزعمكم) على ربكم؟ واقرأوا إن شئتم:

إليك أصرخ فما تستجيب لى. أقوم فما تنتبه إلىَّ. تحوَّلت إلى جاف من نحوى. بقدرة يدك تضطهدنى. (أيوب30: 20-21)

حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تُخَلِّص. (حبقوق1: 2)

وصرخ إلى الرب وقال أيها الرب إلهى أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأتَ بإماتتك ابنها. (الملوك الأول17: 20)

يا رب لماذا تقف بعيداً. لماذا تختفى فى أزمنة الضيق. (مزمور10: 1)

يا إلهى لا تُبطئ (مزمور40: 17)

لأجل هذا تتجلَّد يا رب. أتسكُت وتذلنا كل الذُّل (إشعياء64: 12)

حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء. حتى متى يتَّقد كالنار غضبك. أذكر كيف أنا زائل. إلى أى باطل خلقتَ جميع بنى آدم. (مزمور89: 46-47)

لماذا تنسانا إلى الأبد وتتركنا طول الأيام. (مراثى إرمياء5: 20)

يا رب إلى متى تنظر… لا يشمت بى الذين هم أعدائى باطلاً ولا يتغامز بالعين الذين يبغضوننى بلا سبب… قد رأيتَ يا رب. لا تسكت يا سيد لا تبتعد عنى. اِستيقظ وانتبه إلى حُكمى (مزمور35: 17-23), والله أعلم.

س189- يقول القرآن: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} [البقرة:49] ويقول: {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ} [الأعراف:141] فلماذا قال مرة {يُذَبِّحُونَ} ومرة {يُقَتِّلُونَ}؟ وما فائدة زيادة (الواو) فى سورة (إبراهيم) {وَيُذَبِّحُونَ}؟ فهل محمد يلعب بالألفاظ؟

ج189- قال الشيخ الشعراوى – رحمه الله – ما معناه: إن المتكلم فى سورة (البقرة) هو الله جل وعلا, فلذلك قال: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أما المتكلم فى سورة (إبراهيم) فهو سيدنا موسى (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) فلذلك قال: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} بزيادة (الواو) لأن الله عز وجل حينما يَمُنُّ على عباده, فإنه يَمُنُّ عليهم بعظائم النعم دون صغارها, فذكر أنه نجاهم من تذبيح أبنائهم واستحياء نسائهم, وهو أشد ما تعرضوا له من العذاب, أما سيدنا موسى حين مَنَّ عليهم بنعم الله, مَنَّ عليهم بكبيرها وصغيرها, فلذلك زادت (الواو) وكأنه أراد أن يقول لهم إنهم ذاقوا من آل فرعون عذاباً آخر غير ذبح أبنائهم واستحياء نسائهم, وأن الله نجاهم من هذا كله, فمثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – إذا مَنَّ الأب على ابنه, فإنه يَمُنُّ عليه بعظائم إنعامه عليه, فيقول له: أنا ربيتك وصرفت عليك حتى تخرجت من الكلية, أما أمه حين تذكِّره بفضل أبيه عليه, فإنها تقول له: أبوك الذى اشترى لك الملابس, والكتب, والحلوى, وكذا وكذا, وفعل لك كذا وكذا, فتعدد له أشياء كثيرة لم يذكرها والده. أما لماذا قال مرة: {يُقَتِّلُونَ} ومرة {يُذَبِّحُونَ} فإن فرعون أمر بقتل الذكور, ثم أمر بتذبيحهم.. لماذا؟ لأن القتل ليس يقينياً فى القضاء عليهم.. كيف؟ لأن القتل يمكن أن يتم – مثلاً – بضربهم على رؤوسهم حتى يغيبوا عن الوعى, ويُظَن أنهم ماتوا, ثم بعد ذلك يفيقون من غيبوبتهم, ويمكن أن يتم بخنقهم حتى يُظَن أيضاً أنهم قد ماتوا, ثم يفيقوا بعد ذلك, أما الذبح فهو يقينِىّ فى القضاء على حياتهم. كما أن تشديد حرف الباء فى كلمة {يُذَبِّحُونَ} يعنى إمعاناً فى الذبح, حتى يتحقق موت الضحايا, بعد إيلامهم وتقطيع رقابهم, ويقول أهل اللغة العربية: إن زيادة الْمَبْنَى تدُل على زيادة المعنى, والله أعلم.

س190- يقول القرآن: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286] معنى هذا أن أعمال الخير تأتى بلفظ {ôMt6|¡x.} وأعمال الشر تأتى بلفظ {اكْتَسَبَتْ} ثم يناقض القرآن نفسه, فيقول: {سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [التوبة:95] وكان المفروض أن يقول (جزاءً بما كانوا يكتسبون)

ج190- ما هو الاكتساب؟ هو الافتعال والتكلف والتصنع, فمثلاً: إذا نظر رجل إلى امرأة لا تحل له, تراه متكلفاً متصنعاً, يختلس النظر إليها, وهو ينظر يميناً وشمالاً, هل يراه أحد؟ على عكس الذى ينظر إلى زوجته, أو إحدى محارمه. وكذلك التى تمشى مع رجل لا يحل لها, تراها مرتبكة, تخشى أن يراها أحد, وإذا شعرت بأن أحداً سيراها تبتعد عنه, أو تأمره بالبعد عنها, وهو أيضاً يفعل الشىء نفسه, على عكس من يمشى مع زوجته أو أمه أو أخته. ولو اختلى رجل بامرأة لا تحل له, ثم طرق الباب طارق, لأصابهما الفزع, ولم يفتحا الباب, أو لاختبأ أحدهما, أما الذى يكون مع زوجته وطرق الباب طارق, فإنه يفتح بكل جرأة, وهى كذلك. وهذه الأمثلة تنطبق على من يشعر أنه عاصٍ, ويستحيى أن يجاهر بمعصيته, أما العاتى الطاغى فى معصيته, الذى لا يخشى الله, ولا يستحيى من خلقه, فإنه يحترف معصيته, ويفعلها وهو متبجح, وكأنها حلال. فمثلاً لو نظر إلى امرأة أو شاغلها, ثم لامه أحد, لقال له: انا حر أعمل ما أريد, وليس لأحد عندى شىء, فهذا معصيته أصبحت سهلة بدون تكلف, كالذى يشرب الخمر أمام الناس, أو يفطر فى رمضان جهاراً, ولا يبالى هل يراه أحد أو لا يراه, فالكلام فى الآية الكريمة عن المنافقين, وهؤلاء قد احترفوا وأدمنوا المعصية, وأصبحت مألوفة بالنسبة لهم كمن يفعل الحلال, ولذلك جاءت بلفظ {يَكْسِبُونَ} وتحتمل كلمة {يَكْسِبُونَ} تهكُّماً, فيكون توبيخاً وتحقيراً للمنافقين, الذين يظنون أن رجسهم مكسب لهم, مع أنه فى الحقيقة وَبال وخسارة, مثل تاجر يبيع تجارته بالغش والتطفيف, ونقص المكيال والميزان, ظنّاً منه أن فى ذلك مكسباً, لكنه فى الحقيقة خسارة يوم الدين {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6], والله أعلم.

س191- يقول القرآن: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55] فهنا ذكر الوفاة, مع أنه فى عقيدتكم لا يزال حياً ولم يُتَوَفَّ! أليس هذا تناقضاً؟ وفى الآية نفسها يقول: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أليس الذين اتبعوه هم النصارى؟ والذين كفروا به هم اليهود والمسلمون؟

ج191- الوفاة فى اللغة لها أكثر من معنى, فهى تأتى بمعنى الموت, كما جاء فى الآية الكريمة: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11] وتأتى بمعنى النوم {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر:42] كما نقول عن النوم إنه الموتة الصغرى, ويُشتَق من الوفاة معنى تأدية كل الأوامر على أكمل وجه, كما جاء عن سيدنا إبراهيم, على نبينا وعليه الصلاة والسلام {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37] ومنها استيفاء الأجر {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} [الزمر:70] فمعنى {مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} أى رافعك إلىَّ بكامِلِك, جسداً وروحاً, وهذا يزيل الشك فى رفع جسده.

أما قول الله عز وجل: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فالذين اتبعوه هم الذين اتبعوه على الحق الذى أُرسِلَ به. وما هو الحق الذى أُرسِلَ به؟ لقد أُرسِلَ بالتوحيد الخالص لله رب العالمين, كبقية الأنبياء والمرسلين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – وأنه عبد الله ورسوله, فبذلك يكون الذين اتبعوه هم أتباعه الأولون, الذين لم يشركوا بالله رب العالمين, ونحن المسلمين أتباعه, وأتباع جميع الأنبياء والمرسلين, لأننا آمنا بهم أجمعين, وعلى رأسهم خاتمهم سيدنا محمد r ونحن بذلك ممتثلون لأمر ربنا تبارك وتعالى, حيث قال: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136] أما النصارى الذين جاءوا من بعدهم فليسوا أتباعه, لأنهم عبدوه وأمه من دون الله, ولم يؤمنوا برسول الله r رغم أن صفاته كانت فى كتبهم التى بأيديهم, ولكنهم جحدوها وبدَّلوها, ورغم ذلك فقد بقى بعضها, كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم (169) وبالله التوفيق.

قد يقول قائل: إن الآية تقول: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ونحن نرى المسلمين متخلفين عن بعض اليهود والنصارى, فكيف يكون المسلمون فوقهم؟ فنقول وبالله التوفيق: إن الفوقية ليست فوقية قوة مادِّية, ولكنها فوقية حُجَّة ومنهج وتشريع, أى أن المسلمين لهم الْحُجَّة على اليهود والنصارى إلى يوم القيامة, فاليهود كفروا به, ووصفوه وأمه بأبشع الصفات المرذولة, والنصارى غالَوْا فيه, واعتبروه إلهاً, والمسلمون توسطوا, فآمنوا به عبداً لله بشراً رسولاً {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:59], والله أعلم.

س192- يقول القرآن: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3] ويقول فى السورة نفسها: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [129] أليس هذا تناقضاً؟

ج192- إن هذا ليس تناقضاً, ولكنه لرفع الحرج عن المسلمين, لأنهم أُمِرُوا بالعدل بين النساء, فربما ظنوا أن العدل فى كل شىء حتى الحب, ولكن هذه الآية توضح أن الزوج لا يمكنه العدل فيما لا يملك, فلا يحمله هذا أن يميل كل الميل لواحدة, ويترك الأخرى كالمعلقة, فلا هى حرة فتتزوج, ولا هى ذات زوج يلبى احتياجاتها, ولكن عليه العدل فى المبيت والنفقة, من مسكن وطعام وشراب وكسوة, وغير ذلك من معاملة حسنة وملاطفة… إلخ, قال رسول الله r: ((من كانت له امرأتان فمالَ إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وشِقّه مائل)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:6515] أمّا ما لا يملكه من الميل القلبى, فلا يؤاخذه الله عليه.

وقد جاء فى الكتاب المقدس تناقض فى حكم الزواج من الأرملة بين الحِل والْحُرمة, فقال: يأخذ امرأة عذراء. أما الأرملة والمطلقة والمدنسة والزانية فمن هؤلاء لا يأخذ. بل يتخذ عذراء من قومه (لاويين21: 13-14) ثم يقول: ولا يأخذون أرملة ولا مطلقة زوجة بل يتخذون عذارى من نسل بيت إسرائيل أو أرملة التى كانت أرملة كاهن (حزقيال44: 22) فالنَّص الأول يحرم الزواج من الأرامل مطلقاً, والثانى يحلل أرملة الكاهن, والله أعلم.

س193- يتضارب القرآن فى علم المواريث, فمرة يقول إن للذى يرث الكلالة السُّدُس, ومرة يقول الثلث, ومرة يقول النصف, ومرة الثلثان, ومرة للذكر مثل حظ الأنثيين.

ج193- قال الشيخ الشعراوى رحمه الله: لابد أن نفرق بين كلالة وكلالة, حين يجعل الله للمنفردة النصف, والاثنتين الثلثين, وبين الكلالة التى يجعل الله فيها للمنفرد السدس, ويجعل للأكثر من فرد الاشتراك فى الثلث, دون التمييز للذكر على الأنثى, فهما.. أى الآية: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] والآية: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] متَّحِدتان فى أنه لا أصل ولا فرع للمتوفى, والمسألة هنا تتعلق بالأخوَّة, ونقول: إن الأخوَّة لها مصادر متعددة, هذه الأخوَّة إمّا من أبٍ وأمّ, وإما أخوَّة لأب فقط, وإما أخوَّة لأمّ فقط, فإذا كان أخٌ شقيق, أو لأب, فهو من العَصَبَة الأصيلة, وهما المعْنِيّان فى الآية 176 من السورة نفسها, وبذلك تكون آية السدس والثلث التى فى الآية رقم 12 متعلقة بالأخوة لأمّ, إذن فالكلالة إما أن يكون الوارث أخاً لأمّ فقط, وإما أن يكون أخاً لأب فقط, أو أخاً لأب وأمّ, فالحكمان لذلك مختلفان, لأن موضع كل منهما مختلف عن الآخر, والله أعلم. 

س194- يقول القرآن: {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام:61] ويقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:11] ويقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] فمن الذى يميت؟ الله أم الملائكة أم ملك الموت؟

ج194- كما قلنا فى الرد على الشبهة رقم (6) إن الله سبحانه وتعالى يتكلم عن نفسه مرة بصيغة المفرد, ومرة بصيغة الجمع للتعظيم, أو لوجود وسائط يُكلِّفهم من خَلْقِه سبحانه وتعالى, فكذلك هنا, ففى سورة (الأنعام) {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} وهم الملائكة المساعدون لملك الموت فى قبض الروح, فإن هؤلاء الملائكة يسحبون الروح من جميع الجسد, من أسفله إلى أعلاه, حتى إذا بلغت الحلقوم, جذبها ملك الموت, وفى سورة (السجدة) {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} لأنه هو الذى يقوم بجذبها النهائى, وفى سورة (الزمر) {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} فهو سبحانه الذى يتم بأمره كل شىء, وهو الذى يأمر الملائكة وملك الموت عليهم السلام, والله أعلم. 

س195- يقول القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ثم يقول: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:13] أليس هذا تناقضاً؟

ج195- هناك ضال ومُضِل, وفاسد ومُفسِد, فأما الضال (وهو الكافر) فعليه وزره وحده, أما المضِل فعليه وزره ووزر من تسبب فى ضلالهم, مع أنه لن ينقص من أوزارهم شيئاً, وكذلك الفاسد, كشارب الخمر – مثلاً – فعليه وزره وحده, أما إذا جعل غيره يشربها فإنه يتحمل وزره, من غير أن ينقص من وزره شيئاً, وهذا الأمر يتضح فى قول الله عز وجل: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} [النحل:25] ومن رحمة الله جل وعلا أنه لم يقل (وأوزار الذين يضلونهم) ولكن قال: {وَمِنْ أَوْزَارِ} أى بعض أوزارهم وليس كلها, فهو يتحمل ما تسبب فيه فقط, ولا يتحمل بقية الأوزار التى لم يكن له دخل فيها, كمثل من علَّم غيره شرب البانجو, ولكن هذا الإنسان لم يشرب البانجو فقط, ولكنه قتل أو زنى أو سرق, ففى هذه الحالة لا يتحمل الأول إلا وزر شرب البانجو فقط, وليس له دخل ببقية الذنوب, قال رسول الله r: ((من سَنَّ سُنَّة حسنة, عُمِلَ بها بعده, كان له أجره, ومثل أجورهم, من غير أن ينقص من أجورهم شىء, ومن سن سنة سيئة, فعمل بها بعده, كان عليه وزرها, ومثل أوزارهم, من غير أن ينقص من أوزارهم شىء)) [صحيح الجامع:6306]

ثم إن التناقض عندكم, فقد جاء فى كتابكم المقدس أن الأبناء لا يُقتلون عن الآباء, ولا الآباء عن الأبناء, فقال:

لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء. كل إنسان بخطيِّته يُقتل (تثنية24: 16)

ثم ناقضتم أنفسكم وزعمتم أن خطيئة سيدنا آدم (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) قد توارثها أولاده جيلاً بعد جيل, ولا منقذ لأحد منها إلا أن يؤمن بالمسيح إلهاً أو ابن إله, لأنه قد جاء (بزعمكم) ليكفِّر عن خطيئة آدم, وليخلِّص البشرية منها. ونحن نتساءل: ما ذنب المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فى خطيئة آدم؟ وما ذنب الأجيال المتعاقبة فى هذه الخطيئة؟ وما حكم من لم يؤمن بالمسيح ممن ماتوا قبله, ومنهم أنبياء الله ورسله, صلوات الله وسلامه عليهم؟ أتلحقهم الخطيئة لأنهم جاءوا قبل أن يُكَفِّر عنها؟ ولماذا لم يبعثه الله قبل جميع الأنبياء حتى يطهرهم من هذه الخطيئة؟ ولماذا لم ينزل من السماء مباشرة ليكون أشْبَه  بسيدنا آدم الذى لم يكن له أَبَاً ولا أُمّاً, وليكون أوقع فى قلوب الناس وأشد تأثيراً؟ وهل كان الله سبحانه وتعالى يحتاج لهذه التمثيلية حتى يغفر لآدم؟ وهل كان أحد يستطيع منعه من المغفرة؟ وهل المعاصى الشنيعة التى نسبتموها لأنبيائكم – زوراً وبهتاناً – من قتل وزنى وشرب خمر… إلى غير ذلك, لا تساوى خطيئة أكْل آدمُ من الشجرة؟ وهل يحتاجون لنزول الإله مرة أخرى ليكفرها عنهم؟ وهل من عدل الإله أن ينزل لتراه فئة قليلة من البشر, ثم يُلْزِم جميع الأمم بعدهم بالتصديق, وهم لم يعاينوا نزوله؟ وهل وهل… إلخ؟ {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:68]

ثم إن المسيح لم يقل إنه جاء لتقديم نفسه فداءً لهذه الخطيئة, ولم يذكر آدم ولا خطيئته قط, بل إنه كان يهرب من اليهود الذين أرادوا قتله (كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم 123) وكان يتضرع إلى الله أن ينجيه منهم, ويأمر تلاميذه أيضاً أن يتضرعوا لله لينقذه, فهل الإله يدعو نفسه لينقذ نفسه مما كتبه على نفسه؟ وهل يُعقَل أن تكون هذه مُهِمَّته التى جاء من أجلها ولا يذكرها, بل ويهرب منها؟ وها هى النصوص التى تدل على ذلك:

أنا مجَّدتُك على الأرض. العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملتُه. (يوحنا17: 4) إن هذا معناه أنه أكمل مهمَّته التى كلَّفه الله بها, فأين هى الفِدية المزعومة؟

إله آبائنا أقام يسوع الذى أنتم قتلتموه مُعلِّقين إيّاه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلِّصاً ليعطى إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. (أعمال الرسل5: 30-31) هذه شهادة من بطرس والرُّسُل أنه جاء لغفران خطايا بنى إسرائيل وحدهم, فأين زعمكم أنه طهَّر الناس كلهم من خطاياهم؟

وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون. وتبعه أيضاً تلاميذه. ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكى لا تدخلوا فى تجربة. وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلاً يا أبتاه إن شئتَ أن تجيز عنى هذه الكاس. ولكن لتكن لا إرادتى بل إرادتك. وظهر له ملاك من السماء يقوِّيه. وإذ كان فى جهاد كان يصلى بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن. فقال لهم لماذا أنتم نيام. قوموا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة (لوقا22: 39-46)

وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيمانى فقال لتلاميذه اجلسوا هاهنا حتى أصلى. ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يَدهَش ويكتئب. فقال لهم نفسى حزينة جداً حتى الموت. امكثوا هنا واسهروا. ثم تقدم قليلاً وخرَّ على الأرض وكان يصلى لكى تعبُرَ عنه الساعة إن أمكن. وقال يا أبا الآب كل شىء مُستطاع لك. فأجِز عنى هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت. ثم جاء ووجدهم نياماً فقال لبطرس يا سمعان أنت نائم. أما قدرتَ أن تسهر ساعة واحدة. اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف. ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه. ثم رجع ووجدهم أيضاً نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم جاء ثالثة وقال لهم ناموا الآن واستريحوا. يكفى. قد أتت الساعة. هُوَذا ابن الإنسان يُسَلَّم إلى أيدى الْخُطاة. (مرقس14: 32-41) (ابن الإنسان: يعنى نفسه)

وحين صُلِبَ (بزعمهم) سأل الله لماذا تركه ولم ينجِّه؟ وفى الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً الوى الوى لِمَا شبقتنى. الذى تفسيره إلهى إلهى لماذا تركتنى. (مرقس15: 34) ألا يعنى هذا تناقضاً مع قولكم إنه جاء ليفتدى البشر من خطيئة أبيهم؟ ولو كان إلهاً فهل يحتاج للمَلَك أن يقويه؟ (وظهر له ملاك من السماء يقويه) ولو كان هو الله.. أكان يعاتب نفسه أنه لم ينقذ نفسه؟ ثم ما كل هذا العذاب؟ إن الإنسان لا يستطيع أن يرى ابنه يتعذب بهذه الطريقة, وهو قادر على أن ينقذه, ولو تركه – فرضاً – لاتهمه الناس بالقسوة, والجفوة, وقِلَّة الرحمة, أيُنكَر هذا على العبد الضعيف الفقير؟ ويُنسَب لمن هو على كل شىء قدير؟

عجباً للمسيح بين النصارى       وإلى الله ولداً نسبوه

وأسلموه إلى اليهود وقالوا          حين قَتْله صلبوه

فإن كان ما يقولون حقاً        فَسَلُوهم أين كان أبوه

فإن كان راضياً بأذاهم     فاشكروهم لأجل ما صنعوه

وإن كان ساخطاً غير راضٍ       فاعبدوهم لأنهم غلبوه

فاعتبروا يا أُولى الألباب, واعبدوا رب الأرباب, ولا تشركوا به مَن أصله من تراب {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:59], والله أعلم.

س196- يقول القرآن فى سورة (الأعراف) عن ثمود ومدين.. قومَىْ صالح وشعيب: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} بينما يقول فى آيات أخرى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} فهل هى رجفة أم صيحة؟ أم أن محمداً نسى وهو يؤلِّف القرآن؟

ج196- لنعرف أولاً ما هى الصيحة؟ وما هى الرجفة؟ الصيحة هى الصوت الشديد العالى, وهى كما نقول بلهجتنا العامِّية (الشخطة) صاح فيه أى (شخط فيه) والصيحة الشديدة تأتى بالرجفة (الرعشة) من شدة الرعب, حتى إنهم يقولون: (فلان بيرجف) أى أن به رعشة, فالرجفة هى ما ترتب على الصيحة. وقد ثبت علمياً أن الصوت الشديد (كصوت الانفجارات) يحدث فى الجسد تغيرات مهلكة, تصل إلى الموت, بسبب انفجار الرئتين, وغير ذلك, فمرة يتكلم الله سبحانه وتعالى عن المقدمة, ومرة يتكلم عن النتيجة, فمثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – لو أن أحداً أطلق على أحدٍ رصاصة, جعلته ينزف حتى الموت, ففى هذه الحالة.. إن قلت إنه مات بالرصاص, فأنت صادق, لأنها السبب فى النزيف, وإن قلت إنه مات بالنزيف, فأنت صادق أيضاً, لأنه كان النتيجة. ومثال آخر: لو أن أحداً ضعيف القلب (كما يقولون) سمع صوتاً رهيباً, كصوت انفجار قنبلة, فإنه ربما يموت بالسكتة القلبية, رغم عدم إصابة أى شىء من أعضائه (مع ملاحظة أنه لابد أن يرتجف ولو لمدة ثانية قبل موته) فلو قلنا إنه مات بصوت القنبلة, لكان هذا صحيحاً, ولو قلنا إنه مات بالسكتة القلبية, لكان هذا صحيحاً أيضاً, وبالطبع فإننا حين نمثِّل الصيحة التى أهلكتهم بالشخطة أو القنبلة, فهذا قياس مع الفارق الكبير, ولكنه لتقريب المعنى, والله أعلم.

س197- يصف القرآن الجنة مرة بأنها {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:72] ومرة {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100] فهل الأنهار تجرى {تَحْتَهَا} أم {مِن تَحْتِهَا}؟

ج197- إن {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} تصف جريان الأنهار تحت الجنة, فى حين أن منابعها بعيدة عنها, أمّا {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فتصف تفجُّر منابع الأنهار من تحت الجنة, فالحالة الأولى كمن يبنى قصراً فوق مجرى النيل, أى أن قصره يطل على النيل من جميع النواحى, والحالة الثانية كمن يبنى قصراً فوق منبع النيل, فالحالة الأولى أعظم من الثانية, والحالتان موجودتان فى الجنة, مع الفارق العظيم, والله أعلم.

س198- يُعَبِّر القرآن عن غضب الله مرة بكلمة {خَتَمَ} فيقول: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [البقرة:7] ومرة بكلمة {طَبَعَ} فيقول: {وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة:93] ولم يوضح لنا أحد من المسلمين ما الفرق بينهما؟

ج198- الختم مثل الخِتم الذى نستعمله فى حاضرنا, كما يختم على بعض الأبواب بالشمع الأحمر, فيقال: إنه مختوم عليه, وفى هذه الحالة فإنه لا يُسَمح لأحد أن يدخل أو يخرج من هذا المكان, أو كما يُختم على قارورة زجاجية مثلاً, فلو ألقيتها فى البحر لا يدخلها شىء, ولا يخرج منها شىء, فالآية الكريمة: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} تعنى أن قلوبهم قد أُغلِقَت, فلا يخرج منها الكفر, ولا يدخلها الإيمان. أمّا {طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فالطبع هو تطبيع قلوبهم على المعصية فيعشقونها, فكأن قلوبهم قد أُشرِبَت الكفر والنفاق والمعصية, كما قال الله عز وجل عن الذين عبدوا العجل من دونه: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة:93]

وقد عبَّر الكتاب المقدس عن لفظ (إلهى) مرة بلفظ (إيلى) ومرة بلفظ (الوى) فقال: صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلى إيلى لِمَا شبقتنى أى إلهى إلهى لماذا تركتنى. (متى27: 46) ثم قال: وفى الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً الوى الوى لِمَا شبقتنى. الذى تفسيره إلهى إلهى لماذا تركتنى. (مرقس15: 34), والله أعلم.

س199- ينفى القرآن الْخُلَّة عن الناس يوم القيامة, فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} [البقرة:254] ويقول: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} [إبراهيم:31] ثم يناقض نفسه فيقول: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]

ج199- ليس هناك أى تناقض كما تزعمون, إن الْخُلَّة التى نفاها الله سبحانه وتعالى فى الآيتين الأُولَيَيَن, هى الْخُلَّة التى تَدْرَأ عن صاحبها العذاب الذى يستحقه يوم القيامة, أى أن الأخلاء الذين يستنصرون ببعضهم فى الدنيا, لا يستطيعون أن يستنصروا ببعضهم فى الآخرة, ولا يستطيعون دفع الضر عن أصدقائهم كما كانوا يفعلون فى الدنيا بمشية الله جل وعلا. أما الآية الثالثة فهى بمعنى أن الأخلاء الذين كانوا فى الدنيا ستنقلب خُلَّتهم إلى عداوة يوم القيامة, ما لم تكن هذه الْخُلَّة منضبطة بتقوى الله عز وجل, فالأخلاء المتحابِّين فى الدنيا, الذين يجتمعون على معصية الله ورسوله r ويتعاونون على الإثم والعدوان, مثل الذين يقضون السهرات الحمراء, والذين يذهبون لرؤية الأفلام والمسرحيات, ويسهرون على شرب المحرَّمات, ستنقلب خُلَّتهم يوم القيامة إلى عداوة, ويلقون على أنفسهم اللوم بإضلال بعضهم البعض, أما المتقون الذين كانت صداقتهم وخُلَّتهم على طاعة الله ورسوله r وكانوا يتعاونون على البر والتقوى, ويتواصون بالحق والصبر, فستكون خُلَّتهم نافعة لهم بأمر الله يوم القيامة, وسيزيدهم الله حُبّاً وقُرْباً, قال رسول الله r: ((قال الله تعالى: حَقَّت محبتى للمتحابين فىَّ, وحَقَّت محبتى للمتواصلين فىَّ, وحقت محبتى للمتناصحين فىَّ, وحقت محبتى للمتزاورين فىَّ, وحقت محبتى للمتباذلين فىَّ, المتحابون فىَّ على منابر من نور, يغبطهم بمكانهم النبيون والصدِّيقون والشهداء)) [صحيح الجامع:4321], والله أعلم.  

س200- يقول القرآن: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:97] فى هذه الآية نفى الرؤية والكلام والسمع عن الكفار, ثم أثبت لهم هذه الأشياء فى الآيات التالية: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} [الكهف:53] {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس:52] {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} [سبأ:31] فما كل هذا التخبط؟

ج200- الخروج من القبور, غير الحشر, غير الوقوف على النار, فحين يخرجون من القبور يبصرون ويتكلمون ويسمعون, بدليل قوله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} [الصافات:19] وقوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:1-3] وقوله: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32] وهذا قبل أن يُسَاقوا إلى أرض المحشر, ثم يحشرون فى أهوال القيامة عمياً وبكماً وصماً, وهذا أبلغ فى عذابهم, كما لو تخيَّلنا أن حريقاً, أو أمراً خطيراً (كالزلزال مثلاً) وقع فى مكان ما, وتَسَارَع الناس للهروب منه, وبينهم إنسان أعمى أصم أبكم, فإن هذا الأمر سيكون أشد عليه منهم, لأنه يتخبط فلا يدرى ماذا يفعل, أو إلى أين يتَّجه, وربما جرى فى اتجاه النار, أو فى اتجاه مصدر الخطر, أو إلى هاوية أو… إلخ. كما أنه لو تكلم لكان أهون عليه – مع كونه أعمى أصَم – كما نجد من يُساق إلى العذاب يستغيث بمن ساقه, كأن يقول له: أين تذهب بى, ارحمنى, أرجوك لا تعذبنى… إلخ. أما حين يعرضون على جهنم, فإنهم يبصرون ويتكلمون ويسمعون, وهذا انتقال من هول إلى هول أشد منه, لأن رؤيتهم للنار عذاب يسبق عذاب دخولهم فيها, كالذين يعذبون الناس فى السجون وغيرها, فإنهم يأتون بالسياط ويضربونها فى الحائط, قبل ضربهم بها, ليكون أشد تعذيباً لهم, فقبل أن يُعَذَّبوا تعذيباً جسدياً, فإنهم يُعذَّبون تعذيباً نفسياً, وبذلك يُجمَع عليهم العذابان. وكذلك فإن سماعهم عند وقوع العذاب زيادة فى تعذيبهم, لأنهم يصطرخون ويستغيثون, ولكن لا مجيب لدعائهم {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ{106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ{107} قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:106-108] {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر:37] {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف:77] كما أنهم يسمعون تلاعنهم وسَبّهم لبعضهم, فيزيد فى عذابهم النفسى مع عذابهم البدنى, كما قال تعالى عنهم: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً} [العنكبوت:25] وقال: {هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ{59} قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ} [ص:59-60] وغير ذلك من الآيات التى تحكى تلاعنهم, وسبّهم لبعضهم, والله أعلم.

س201- يتناقض القرآن مع نفسه فيقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] ثم يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فهل الله يحب الفرح أم لا يحبه؟

ج201- إن الآية الأولى جاءت فى معرِض الكلام عن قارون الكافر, الذى زاده ماله طغياناً وكِبراً {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [القصص:76] ولذلك قال له قومه: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:76-77] فرد عليهم بقوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} فكان جزاؤه أن خسف الله به الأرض {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص:81] أما الآية الثانية فقد جاءت بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} فهو ليس فرحاً بمتاع الدنيا الفانى, ولكنه فرح بآيات الله وطاعته ورضاه, وهو شعور بحلاوة الإيمان, كما قال رسول الله r: ((ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يُلقَى فى النار)) [صحيح البخارى] وقد قالت الملائكة لأهل النار: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر:75] أى أن الكفار كانوا يفرحون فى الدنيا بغير الحق, إذن فهناك فرح بحق, وهو ما جاء فى قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}, والله أعلم.  ‌

س202- يقول القرآن عن عصا موسى: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:20] ثم يقول: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء:32] وهذا دليل على أن نبيكم هو الذى ألف القرآن, فمرة يقول {حَيَّةٌ}  ثم ينسى ويقول {ثُعْبَانٌ}!

ج202- معلوم أن الحية أخطر وأشد فتكاً من الثعبان, فكان لابد لسيدنا موسى (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) أن يتدرب قبل لقاء فرعون, حتى لا يُفاجَأ بالثعبان, فلا يثبت, ويجرى خوفاً منه أمام فرعون, فالله سبحانه وتعالى درَّبه على ما هو أشد من الثعبان, حتى يلقى فرعون ثابتاً, غير مضطرب ولا خائف, فمثلاً: هل يخاف مدرب الأسود من القطط؟ أم هل يخاف جندى الصاعقة من الكلاب؟ وهل نأتى برجال ليس عندهم خبرة بالأسلحة ولا بالحرب, ثم ندفع بهم إلى الصفوف الأمامية للقاء العدو؟ إنهم لابد أن يتدربوا على حمل السلاح, وعلى فنون القتال, ويُعَرَّضوا لظروف غاية فى القسوة, حتى إذا لقوا العدو يثبتون ولا يفرُّون. وقد ورد أن الثعبان ذهب تجاه فرعون فاغراً فاهُ, ففزع منه فرعون فزعاً شديداً, وقفز على سرير مُلكه, وبالَ على نفسه. كما أن كلمة {حَيَّةٌ} بمعنى ضد (ميّتة) إذ جعل الله الحياة تدبّ فى العصا بعد الجماد والموت واليَبَس. كما وإن الناس يطلقون على هذه الدابة عدة أسماء, مثل: ثعبان, حَنَش, أفعى, الرقطاء… إلخ, وبهذه المعانى والمترادفات يزول الشك إن شاء الله.

وبمناسبة الحيَّة نذكر بعض ما جاء بشأنها فى الكتاب المقدس:

فقال آدم المرأة التى جعلتَها معى هى أعطتنى من الشجرة فأكلتُ. فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذى فعلتِ. فقالت المرأة الحيَّة غرَّتنى فأكلتُ. فقال الرب الإله للحَيَّة لأنكِ فعلتِ هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البريَّة. على بطنك تَسْعَيْن وتراباً تأكلين كل أيام حياتكِ. (تكوين3: 12-14) يتضح من هذا النَّص أن الله سبحانه وتعالى عاقب الحيَّة (بزعمهم) لأنها أغوَت السيدة حوّاء, بأن جعل التراب طعامها, فهل الحيَّة تأكل التراب؟ وحتى لا تظنوا أن هذا خاصٌّ بالحيَّة التى قالوا إنها أغوت السيدة حوّاء, يأتى النَّص التالى فيقول:

أما الحيَّة فالتراب طعامها. (إشعياء65: 25), والله أعلم. 

س203- يقول القرآن: {تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه:22] ثم يقول: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء:33] إن محمداً يتلاعب بالألفاظ, فمرة يقول: {تَخْرُجْ} ومرة يقول: {نَزَعَ} ويقول: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل:12] ثم يقول: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [القصص:32] فمرة يقول: {أَدْخِلْ} ومرة يقول: {اسْلُكْ}

 ج203- الجيب فى اللغة هو الفتحة فى الثوب, مثل ما ورد فى قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] فكان سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – يضع يده من فتحة ثوبه, ويدخلها تحت إبطه ثم يخرجها, فتخرج ناصعة البياض من غير سوء, أى من غير مرض, كالبرص أو غيره, وعندما ذهب إلى فرعون ومَلَئِه, أدخلها ثم أخرجها, فقالوا ربما يكون قد وضع دهاناً تحت إبطه يدهنها به, أو أنه يستخدم الجن, ويتمتم له بكلمات, حتى يبيِّضها له, فنريد أن تدخلها ثم تخرجها بسرعة, فنزعها, لأن النزع أسرع من الخروج. فكلمة {أَدْخِلْ} تناسب كلمة {نَزَعَ يَدَهُ} لأن الاثنتين تعبِّران عن حركة سريعة, وتناسب أيضاً دخول اليد بسرعة, عندما يكون مرتدياً ملابس قليلة فى الحر, وأما كلمة {اسْلُكْ} فتناسب كلمة {تَخْرُجْ} لأن الاثنتين تدلان على الحركة فى بُطء, ويناسب أيضاً دخول اليد ببطء, عندما يكون مرتدياً ملابس كثيرة فى البرد, والله أعلم.

س204- يقول القرآن: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى{38} أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} [طه:38-39] ويقول: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] إن هذا تكرار لا فائدة فيه.

ج204- إن المتدبر لهاتين الآيتين, يدرك أنه ليس فيهما تكرار, فالآية التى فى سورة (القصص) تمهيدية, والتى فى سورة (طه) ختامية, كيف ذلك؟ الآية التى فى سورة (القصص) تذكر بداية الأمر لأم سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – أن تضعه فى التابوت, ثم تلقى التابوت فى البحر, لأن فرعون كان قد أمر بذبح الذكور من مواليد بنى إسرائيل, بسبب الرؤيا التى رآها, وأوَّلَها له أحد جلسائه بأن نهاية ملكه ستكون على يد واحد من بنى إسرائيل, ثم بعد فترة أشارت عليه بطانته أن يذبح مواليد عام ويترك ذلك عاماً, لأنه سيأتى عليهم وقت لا يجدون من يخدمهم, وكان أن وُلِدَ سيدنا هارون – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فى عام العفو عن الذبح, أما سيدنا موسى فقد ولد فى عام الذبح, والله عز وجل لا يحتاج أن يحتال على فرعون فيجعل ولادة سيدنا موسى فى عام الأمان, فإنه العزيز الذى لا يُغلب, القهار الذى لا يُقهَر, فقد قدَّر سبحانه وتعالى – ليس فقط – أن يولد سيدنا موسى فى عام الذبح, بل وأن يُرَبَّى فى بيت فرعون نفسه {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] وعندما وُلِدَ أحبته أمه حباً جَمّاً, وخافت عليه خوفاً شديداً, فوفقها الله عز وجل لفكرة أن ترضعه, ثم تضعه فى صندوق صغير, وتربطه بحبل, وتثبت طرفه بوتد, ثم تلقيه فى البحر إذا شعرت بقرب مجىء جنود فرعون, فإذا انصرفوا وشعرت بالأمان, شدت الحبل المربوط فى الصندوق, وأعادت ولدها إليها, ولكنها فى يوم من الأيام نسيت (بقَدَر الله) أن تثبت الحبل فى الوتد, ربما لشدة خوفها من مباغتة الجنود لها, فجرفته المياه, إلى أن وصل بالقرب من بيت فرعون… إلى نهاية القصة المعروفة, فهذا المعنى هو الذى ذُكِرَ فى سورة (طه) ولذلك قلنا إنها ختامية. وقد قال العلماء: إن الآية التى فى سورة (القصص) بها أمران, ونهيان, وبشارتان, فأما الأمران فهما {أَرْضِعِيهِ} و{فَأَلْقِيهِ} وأما النهيان فهما {لَا تَخَافِي} و{لَا تَحْزَنِي} وأما البشارتان فهما {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} و{جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}, والله أعلم.

س205- يقول القرآن: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] وأنتم تقولون إن الذِّكر هو القرآن, بدليل قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] معنى هذا أن محمداً نسى أن الذكر نزل بعد الزبور.

ج205- من قال إن {الذِّكْرَ} خاص بالقرآن؟ إن كل ما أُنزِل من عند الله ذِكْر, فعلى سبيل المثال {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48] {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] فمعنى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ} أى من بعد التوراة, وليس من بعد القرآن. وهنا ربما يتساءل أحد ويقول: طالما أنكم تقولون إن كلمة {الذِّكْرَ} ليست خاصة بالقرآن, بل هى لكل ما أنزله الله, فمعنى هذا أن قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ليست خاصة بالقرآن, ولكنها تعنى جميع الكتب المنزلة من عند الله, وبناءً على ذلك تكون التوراة والإنجيل غير محرفتين كما تزعمون. فنقول وبالله التوفيق: إن الآية الكريمة التى ذكرتموها هى للقرآن خاصة دون غيره من الكتب, وهذا له أكثر من دليل, أولاً: إن الآية ذُكِرَت فى سياق الكلام عن القرآن, فقد وردت بعد ذكر الآيات التى تحكى قول الكفار لسيدنا محمد r: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ{6} لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر:6-7] ثانياً: إن الله عز وجل ذكر أن الكتب السابقة تم تحريفها, لأنه لم يتكفل بحفظها, ولكنه وكَّلها لأهلها {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ} [المائدة:44]

وقد جاء فى الكتاب المقدس أن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – قال:

إن كنتُ أشهدُ لنفسى فشهادتى ليست حقاً. (يوحنا5: 31) ثم ناقض نفسه فقال:

أجاب يسوع وقال لهم وإن كنتُ أشهدُ لنفسى فشهادتى حق لأنى أعلم من أين أتيتُ وإلى أين أذهب. وأما أنتم فلا تعلمون من أين آتى ولا إلى أين أذهب. (يوحنا8: 14) فكيف يقول إن شهادته لنفسه حق, ثم يقول إنها ليست حقاً؟, والله أعلم.

س206- يقول القرآن: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] ويقول: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:5] بينما يقول: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] فما هذه الاختلافات الزمنية؟

ج206- الآية التى فى سورة (الحج) تتوافق مع الآية التى فى سورة (السجدة) فى كلمتَىْ {مِّمَّا تَعُدُّونَ} أما الآية التى فى سورة (المعارج) فلم يُذكَر فيها {مِّمَّا تَعُدُّونَ} فربما كان التقدير بشىء آخر يعلمه الله, وخصوصاً أنها تتكلم عن يوم القيامة, بخلاف الآيتين الأخريين, وذلك مفهوم من سياق الآيات قبلها وبعدها, فمن المعلوم أن الزمن عند الناس يقاس إما بدوران القمر حول الأرض, وهذا هو التقويم الهجرى القمرى, وإما بدوران الأرض حول الشمس, وهو التقويم الميلادى الشمسى, ونحن نعلم أن هناك فرقاً بينهما بمقدار سنة كل ثلاثة وثلاثين سنة, بمعنى أن كل ثلاثة وثلاثين سنة شمسية, يقابلها أربعة وثلاثون سنة قمرية, وهذا الاختلاف بينهما بسبب الاختلاف فى حسابهما, والكواكب الأخرى تختلف فى سرعاتها, وفى زمن دورانها حول نفسها وحول الشمس, وهذا يترتب عليه اختلاف فى مقدار أيامها, فمثلاً: اليوم على كوكب المشترى بمقدار30 يوماً من أيامنا, بينما على الأرض 24 ساعة, وعلى القمر 18 ساعة, لأنه كلما قلَّ حجم الكوكب زادت سرعته, فليس شرطاً أن يكون قياس اليوم الذى ذكر فى سورة (المعارج) هو قياس اليومين الآخرين نفسه, وخاصة أنه – كما قلنا – لم يذكر فيها {مِّمَّا تَعُدُّونَ}

وهناك شىء آخر: وهو أن آية سورة (السجدة) تتحدث عن تدبير أمر الله من السماء إلى الأرض, ثم عروجه إليه, أما آية سورة (المعارج) فتتحدث عن عروج الملائكة والروح, فهناك إذن فرق بين الآيتين, والله أعلم.

س207- يقول القرآن: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} [المؤمنون:101] ويقول: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الصافات:27] إن هذا هو التناقض بعينه.

ج207- قال ابن عباس – رضى الله عنهما – إن الآية الأولى خاصة بنفخة الفزع, وهى النفخة الأولى, فهناك ثلاث نفخات: الأولى هى نفخة الفزع التى تأتى على الأحياء فى حينها, ففى هذه النفخة يفزع الناس فزعاً شديداً فلا يتساءلون, ثم تليها النفخة الثانية وهى نفخة الصعق التى يموت فيها كل الأحياء, ثم تليها نفخة القيام من القبور للبعث والنشور, وبعد هذه النفخة يتساءلون, ولكن عن ماذا يتساءلون؟ يتساءلون عن من يشفع لهم عند ربهم, مثل ما جاء فى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف:53] ويتساءلون لإلقاء اللوم على بعضهم, كالآية المذكورة فى سورة (الصافات) وغيرها. قد يقول قائل: كيف تقولون إن الآية التى فى سورة (المؤمنون) خاصة بنفخة الفزع, فى حين أن الآية التى تليها تقول: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{102} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} وهل يكون هذا إلا بعد القيام من القبور؟ فنقول وبالله التوفيق: هذا ترتيب لوقوع الأحداث, ولا يشترط أن يكون توالى الأحداث فى الزمن نفسه, والشاهد على ذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [الأعراف:37] فهذا واضح أنه عند خروج أرواحهم, أى عند موتهم, ثم تأتى الآية التى تليها فتقول: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} فهل هذا فى الدنيا عند قبض أرواحهم؟ أم أنه يوم القيامة؟ إنه يوم القيامة, ولكنه ترتيب لوقوع الأحداث, والله أعلم.

س208- يقول القرآن لموسى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل:10] أى أنه جرى خوفاً منها, ثم يقول له فى الآية نفسها: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} كيف ينفى الخوف عن المرسلين, فى حين أنه قال عن موسى إنه خاف؟

ج208- الآية التى بعدها توضحها, وهى: {إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أى أن الذى ظلم هو الذى يخاف, إلا الذى بدَّل حسناً بعد سوء. وهنا يُطرَح سؤال: وهل موسى ظلم؟ فنقول: نعم.. إنه ظلم عندما قتل المصرى, رغم أنه لم يقتله عمداً, بل ضربه فقط, ولكن قدَّر الله أن تكون هذه الضربة سبباً لموته, وهو ما نسميه القتل الخطأ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:15] ثم تاب إلى ربه واستغفر {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}, والله أعلم.

س209- كيف يقول القرآن: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]ثم يقول: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] فكيف ينفى عن نبيكم الهداية, ثم يثبتها له؟

ج209- لقد ذكرنا فى الرد على الشبهة رقم (285) أن الهداية نوعان: هداية دلالة, وهداية معونة, فإن الله عز وجل أثبت للرسول r هداية الدلالة, لأنه دعا الناس إلى الإيمان بالله, وبين لهم الرُّشد من الغَىّ, أما هداية القلوب التى نسميها (هداية المعونة) فلا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى.

وقد جاء فى الكتاب المقدس تناقض بين كون التوراة كتبها الله جل وعلا على الألواح, وأن سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – هو الذى كتبها:

ثم قال الرب لموسى انحتْ لك لوحين من حجر مثل الأوَّلَين. فأكتبُ أنا على اللوحين الكلمات التى كانت على اللوحين الأوَّلَين اللذَين كسرتَهما. (خروج34: 1)

فى ذلك الوقت قال لى الرب انحتْ لك لوحين من حجر مثل الأوَّلَين واصعد إلىَّ إلى الجبل واصنع لك تابوتاً من خشب. فأكتبُ على اللوحين الكلمات التى كانت على اللوحين الأوَّلَين اللذَين كسرتَهما وتضعهما فى التابوت. فصنعتُ تابوتاً من خشب السنط ونحتُّ لوحين من حجر مثل الأوَّلَين وصعدت إلى الجبل واللوحان فى يدى. فكتبَ على اللوحين مثل الكتابة الأولى الكلمات العشر التى كلمكم بها الرب فى الجبل من وسط النار فى يوم الاجتماع وأعطانى الرب إياها. (تثنية10: 1-4)

واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين. (خروج32: 16)

 إن معنى ما جاء فى هذه النصوص, أن الله سبحانه وتعالى هو الذى كتب التوراة على الألواح بنفسه, ثم تأتى الفقرة التالية فتقرر أن سيدنا موسى هو الذى كتبها:

وقال الرب لموسى اكتب لنفسك هذه الكلمات. لأننى بحسب هذه الكلمات قطعتُ عهداً معك ومع إسرائيل. (خروج34: 27) فكيف نفهم هذا التناقض؟, والله أعلم.

س210- يقول القرآن: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت:12] ثم يناقض نفسه فى الآية التى بعدها ويقول: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ}

ج210- إن الآية الأولى التى وردت فى السؤال, تكذب الكافرين فى دعواهم بأنهم سيحملون أوزار المؤمنين إذا أطاعوهم وكفروا, فهى تكذيب لهم, وتحذير للمؤمنين من أنهم لو أطاعوهم وكفروا فسوف يعذبون, ولن يغنى الكفار عنهم شيئاً من عذاب الله, بل لهم عذابهم كامل, بمعنى أن الكفار لن يعذبوا بدلاً منهم. أما الآية الثانية فهى تثبت أن الكافرين سيتحملون وزر إضلالهم لغيرهم, أى أنهم لن يتحملوه عنهم, بل سيتحملوا مثله, من غير أن ينقص من أوزار الذين اتبعوهم شيئاً, قال رسول الله r: ((أيما داعٍ دعا إلى ضلالة فاتُّبِعَ فإن عليه مثل أوزار من اتبعه, ولا ينقص من أوزارهم شيئاً, وأيما داع دعا إلى هدى فاتُّبِعَ فإن له مثل أجور من اتبعه, ولا ينقص من أجورهم شيئاً)) [صحيح الجامع:2712]‌

وقد جاء فى كتابكم المقدس أن الجيل الثالث والرابع والعاشر يتحملون خطايا آبائهم, وفى مواضع أخرى لا يتحملونها, وإليكم هذه النصوص المتناقضة:

لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأنى أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء فى الجيل الثالث والرابع من مُبغِضى. (خروج20: 5) لا يدخل ابن زنى فى جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحد فى جماعة الرب. (تثنية23: 2)

وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب. أما الابن فقد فعل حقاً وعدلاً حفظ جميع فرائضى وعمل بها فحياة يحيا. النفس التى تخطئ هى تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. بِر البارّ عليه يكون وشَرّ الشرّير عليه يكون. (حزقيال18: 19-20), والله أعلم.

س211- يقول القرآن: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} [الصافات:24] ثم يقول: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن:39] أليس هذا هو التناقض بعينه؟

ج211- هناك سؤال توبيخى وسؤال استعلامى, فأما السؤال الاستعلامى فلا يعرف السائل إجابته, كسؤال التلميذ لمدرِّسِهِ, وهذا مُحال على الله سبحانه وتعالى, أما السؤال التوبيخى, فمثل سؤال الأب لابنه إذا رسب فى الامتحان: ألم أُلَبِّ كل رغباتك؟ ألم أشترِ لك كل ما طلبته من كتب وكراسات وغيره؟ ألم أحضر لك المدرسين؟ ألم أهيئ لك الجو المناسب للمذاكرة؟… إلخ, فهل الأب حين يسأل ابنه يريد إجابة, أم أنه يوبخه؟ فالسؤال الذى فى سورة (الصافات) سؤال توبيخى كالذى فى سور كثيرة, مثل: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا} [الأنعام:130] {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] وذلك حين يرى الكفار نار جهنم وقد كانوا بها  كافرين, ولكن هل قال لهم: لِمَ كفرتم أو لِمَ أشركتم؟ لا- لأنهم لن يُسمَح لهم بالاعتذار. قد يقول قائل: إن القرآن أثبت للكافرين الاعتذار فى أكثر من موضع, مثل: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ{106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106-107] فنقول له: متى حدث هذا الاعتذار؟ لقد حدث عند وقوع العذاب بهم, وهذا لا ينجيهم, كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ{10} فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10-11] أما الاعتذار الذى حُرموا منه, فهو الاعتذار الذى يُرجَى قبوله, فمثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – إذا سأل القاضى مجرماً عن شىء فعله, فإنه يدافع عن نفسه, ويُبدى أعذاره فى ارتكاب التهمة الموجَّهة إليه, وربما أحضر من يشهد له ويدافع عنه, ثم ينظر القاضى فى هذه الأعذار الدافعة لتلك الجريمة, وربما خفف عنه الحكم بسبب هذه الأعذار, ولكن هذا فى حق البشر, لأنهم لا يعلمون ما خفى عنهم, أما الله عز وجل, الذى يعلم ما فى السماوات والأرض, ويعلم السر وأخفى, فلا يحتاج لسؤالهم ليعلم عذرهم {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس:61] ولذلك فلن يسمح لهم بالاعتذار {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات:36], والله أعلم.

س212- يقول محمد عن أهل النار: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر:11] ثم نسى وقال عن أهل الجنة: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان:56] فهل هى موتة واحدة, أم اثنتان؟ وكيف يذوق أهل الجنة وأهل النار الموت, مع أن نبيكم قال إنهم لا يموتون؟

ج212- الذوْق لا يكون إلا للحىّ, فلو وضعنا – مثلاً – ملعقة عسل فى فم ميت.. هل يذوقها؟ فالموتة التى نعرفها, يذوقها المؤمن والكافر مرة واحدة فى الدنيا, أما كونهما موتتين, فقد رد القرآن على ذلك بقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] فهذا باعتبار أن العدم قبل مجيئنا كان موتاً, فإننا كنا مُقدَّرين فى علم الله جل وعلا, ولكن لم يكن أُذِنَ لنا بَعْدُ بالمجىء إلى الدنيا, ولكن هذا الموت ليس فيه ذوْق, فلم يذكر الله عز وجل أننا ذقنا موتتين, ولكن خص الذوق بالموتة الثانية. أمّا قول الله جل وعلا عن أهل الجنة: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} فنقول وبالله التوفيق: إن المؤمن يُبَشَّر عند موته برضا الله سبحانه وتعالى, ويرى مقعده من الجنة, فكأنه قد مات فيها, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] أمّا الجنة والنار فليس فيهما موت, قال رسول الله r: ((يؤتى بالموت كأنه كبش أملح, حتى يوقف على السور بين الجنة والنار, فيقال: يا أهل الجنة! فيَشرَئبُّون, ويقال: يا أهل النار! فيشرئبون, فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت, فيُضجع ويُذبح, فلولا أن الله قضى لأهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحاً, ولولا أن الله قضى لأهل النار الحياة فيها لماتوا تَرَحاً)) [صحيح الجامع:7998], والله أعلم.

س213- إن جميع الآيات التى تعرضت لخلق السموات والأرض, ذكرت أنهم خُلِقوا فى ستة أيام, ثم نفاجأ أن سورة (فصلت) خالفت القرآن كله, فقالت إنهم ثمانية أيام.

ج213- ليس هناك أى تناقض على الإطلاق, فالثمانية هم الستة.. كيف؟! لنذكر معاً تلك الآيات الكريمات: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ{10} ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{11} فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:9-12] إن اليومين الأولين من خلق الأرض داخلان فى الأربعة التى تليها, أى أن الأرض خُلِقَت فى يومين, وجُعِلت فيها الرواسى, وبورِك فيها فى أربعة أيام شاملة لخلقها فى يومين, فيكون المجموع أربعة, ولنذكر مثلاً ضَرَبَهُ الشيخ الشعراوى رحمه الله – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – لو أنك سافرت إلى الإسكندرية ومررت بطنطا, فقلت: لقد سافرت إلى طنطا فى ساعتين وإلى الإسكندرية فى أربع ساعات, فهل الساعتان اللتان وصلت فيهما إلى طنطا منفصلتان عن الأربع ساعات التى وصلت فيها إلى الإسكندرية, أم أنهما داخلتان فيها؟

ونود أن نسألكم: كم عدد الأيام التى قضاها المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فى قبره حسب زعمكم؟ فها هو كتابكم المقدس يقول:

حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلِّم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلا آية يونان النبى. لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. (متى12: 38-40) إن هذا الكلام لا يلتبس فهمه على أحد, وهو أنه سيبقى فى قبره ثلاثة أيام بلياليها, وقد تكرر هذا كثيراً فى الأناجيل, مثل (مرقس8: 31) (مرقس9: 31) (مرقس10: 34) ثم تأتى نصوص أخرى تناقض هذا, فتقول:

ولما كان المساء إذ كان الاستعداد. أى ما قبل السبت. جاء يوسف الذى من الرّامة مُشيرٌ شريفٌ وكان هو أيضاً منتظراً ملكوت الله فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات. ولما عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف. فاشترى كتاناً فأنزله وكفنه بالكتان ووضعه فى قبر كان منحوتاً فى صخرة ودحرج حجراً على باب القبر. (مرقس15: 42-46) يتضح من هذا النَّص أنه دُفِن ليلة السبت, وهو معنى (ولما كان المساء.. أى ما قبل السبت) ثم اكتشف تلاميذه أن قبره كان خالياً فى الساعات الأولى من يوم الأحد:

وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما. فإنى أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلمَّا انظرا الموضع الذى كان الرب مضطجعاً فيه. (متى28: 1-6)

مما سبق يتضح – وبحساب بسيط – أنه لم يمكث فى قبره ثلاثة أيام وثلاث ليال كما قال, بل مكث – على أحسن الفروض – يوماً واحداً.. وهو يوم السبت, وليلتين.. وهما ليلة السبت وليلة الأحد, والله أعلم.

س214- يصف القرآن الجبال تارة بأنها أوتاد, وتارة بأنها رواسى, وتارة أخرى بأن بها الأقوات, على تفسير بعض علمائكم للآية: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت:10]

ج214- إن المعانى كلها صحيحة.. كيف ذلك؟ قال الشيخ الشعراوى (رحمه الله) ما معناه: إن الوتد هو شىء يُدَق فى الأرض ليثبِّت شيئاً, كخيمة – مثلاً – بحيث يكون الجزء الأسفل المختفى فى الأرض أكبر من الظاهر, وهذا ما أثبته العلم الحديث, أن الجبال لها جذور فى الأرض, طولها أضعاف الجزء الظاهر منها, وهذا معنى الوتد, وقد خلقها الله عز وجل بهذه الصورة لتثبت الأرض, كما تُثبَّت الألواح الخشبية مع بعضها بالمسامير, فلولاها لحدثت انزلاقات رهيبة للقشرة الأرضية, ولمادَت الأرض بمن عليها, لأن القشرة الأرضية مكونة من صفائح, يسمونها (الصفائح التكتونية) وهنا سؤال: لماذا تميد الأرض وتضطرب بغير الجبال؟ والجواب أن هذا يدل على دوران الأرض, فلو كانت ثابتة فى مكانها لَمَا اضطربت, ولكن الاضطراب والانزلاقات تنتج عن سيرها بسرعة رهيبة ليل نهار فى دورانها حول نفسها وحول الشمس, فسبحان الله العلى العظيم. أما الرواسى فما معناها؟ الراسى يقال عادة على الشىء الراسى على سطح مائع كالماء, فيقال رست السفينة, ويقال على (مَرسَى) أى المكان الذى ترسو فيه السفن, كمرسى مطروح. فما علاقة هذا بما نقول؟ معلوم أن فى باطن الأرض أسفل القشرة الأرضية معادن منصهرة فى حالة من السيولة, والجبال – كما ذكرنا – جذورها ممتدة لمئات الكيلومترات, فكأنها ترسو على سائل, وهو المعادن المنصهرة فى باطن الأرض.

والضمير فى قوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} عائد على الأرض (كما قال علماء السلف رحمهم الله) أو على الجبال (كما قال الشيخ الشعراوى رحمه الله) ولا تناقض فى ذلك, فالجبال من الأرض. ولكن كيف تكون الأقوات فى الجبال؟ قال رحمه الله: معلوم أن الجبال لها قاعدة وقمة, وقاعدتها أكبر من قمتها, وعلى العكس من ذلك, تجد الوديان قاعدتها أصغر من قمتها. ماذا نستفيد من هذا؟ نقول وبالله التوفيق: إن الجبال معرضة لعوامل التعرية, من رياح ومطر وغيرها, فتتآكل من قمتها, ويحدث بها تشققات, فأين يذهب ما تآكل منها؟ يذهب إلى الوادى فيوسعه. فما فائدة ذلك؟ فائدته أن الذى ينزل مع المطر من قمم الجبال, ومن داخل التشققات, يتفتت أثناء نزوله لاحتكاكه بالجبل, فينزل على الأرض على هيئة (غِرْيَن) أى طمى, وهو أعلى وأرقى أنواع السماد للتربة الأرضية, فلا يضاهيه أى سِماد, وكلما حدث هذا التفتُّت من الجبال, ونزل إلى الوديان والسهول, كلما اتسعت الرقعة الزراعية فى الوادى, لتتناسب مع تزايد البشر, فسبحان من {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ربما يقول قائل: لو أن الجبال تتآكل بعوامل التعرية لفنيت هذه الجبال. فيجيب الشعراوى (رحمه الله) بقوله: إن الجبل كلما تآكل خفَّ وزنه, وقد ذكرنا أن أسفل الجبال صُهَارة سائلة, فهى تدفع الجبل لأعلى, فتعوض ما نقص منه, والله أعلم.

س215- يقول القرآن عن ناقة صالح: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] ثم يقول: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس:14] فمرة يقول إن القاتل واحد, ومرة يقول إنهم جماعة, فمن القاتل؟

ج215- إن السكوت على الظلم مشاركة فيه, فمثلاً: عندما يقوم بعض الرجال بتقييد رجل ليذبحه أحدهم, أليسوا كلهم مشاركين فى قتله؟ فإن قلت إن القاتل فلان, وأنت تقصد الذى ذبحه, لكنت صادقاً, وإن قلت إنهم قتلوه, وأنت تقصد الذى ذبحه والذين أعانوه, لكنت صادقاً أيضاً, فالذى عقر ناقة سيدنا صالح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – رجل واحد, وعندما ذهب ليعقرها, كان معه ثمانية يشجعونه, فلما رأوه خائفاً منها (لأنها كانت ضخمة) قالوا له: اشرب خمراً حتى تتجرأ على قتلها, فشربها {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} وجميع القرية كانت تعلم أن هؤلاء التسعة نفر ذاهبون لقتلها, فلم يُبَلِّغوا سيدنا صالحاً, بل رضوا بفعلهم, فكان تواطؤهم على ذبحها كأنهم شاركوا الذى ذبحها, وهو (قدّار بن سالف) لعنة الله عليه.

ثم إنه من الغريب أن تتعجبوا من الاختلاف الظاهر – فى ظنكم – فى عدد مَن قتل الناقة, ولا تتعجبوا من الاختلاف البَيِّن فى أسماء تلاميذ معبودكم؟ فهذا إنجيل (متى) يقول:

ثم دعا تلاميذه الاثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. أما أسماء الاثنى عشر رسولاً فهى هذه. الأول سمعان الذى يقال له بطرس وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه. فيلبس وبرثولماوس. توما ومتَّى العشار. يعقوب بن حلفى ولبّاوس الملقَّب تدّاوس. سمعان القانوى ويهوذا الإسخريوطى الذى أسلمه (متى10: 1-4)

ثم يأتى إنجيل (لوقا) فيقول: ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثنى عشر الذين سماهم أيضاً رسلاً. سمعان الذى سماه أيضاً بطرس واندراوس أخاه. يعقوب ويوحنا. فيلبس وبرثولماوس. متَّى وتوما. يعقوب بن حلفى وسمعان الذى يُدعَى الغيور. يهوذا أخا يعقوب ويهوذا الإسخريوطى الذى صار مُسَلِّماً أيضاً (لوقا6: 13-16)

 نلاحظ أنه ذكر فى النَّص الأول (لبّاوُس الملقَّب تدّاوُس) ولم يذكره فى النَّص الثانى, فى حين أنه ذكر (يهوذا أخا يعقوب) فى النَّص الثانى ولم يذكره فى الأول, فهل أسماء الرسل تُنسَى؟ إن أسماء الصحابة y وأنسابهم معروفة, وهم حوالى مائة ألف أو يزيدون, فكيف بأسماء اثنى عشر رسولاً؟ وكيف يَعُدُّ (يهوذا الإسخريوطى) منهم, وقد خانه وسلَّمه لليهود بزعمكم؟, والله أعلم.

س216- يذكر القرآن الجنة مرة بصيغة المفرد, مثل: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس:55] ومرة بصيغة المثنى, مثل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ومرة بصيغة الجمع, مثل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] فهل هى جنة, أم جنتان, أم أكثر؟

ج216- الجنة حين تأتى بصيغة المفرد, فهى تعبِّر عن مجموع الجنات, فمثلاً: لو أن هناك بلداً, أو قرية سياحية, غنية بالأنهار والحدائق والبساتين (جنات) وأراد أحد أن يصفها فماذا يقول؟ لو قال إنها جنة, لكان صادقاً, لأنه يصف القرية كلها وصفاً مجملاً, ولو قال إنها جنات, لكان صادقاً أيضاً, لأنها تحتوى على بساتين مختلفة عن بعضها البعض, ولو أراد وصف حال ناس معيَّنين, عن يمينهم بستان, وعن شمالهم بستان, فقال إنهم يسكنون فى جنتين, لكان صادقاً أيضاً, فكذلك المؤمن الذى يدخل الجنة, عندما ينظر عن يمينه يجد جنة, وعن شماله يجد جنة, وإذا تجول فى الجنة وجد جنات, فهى جنة وجنتان وجنات, كما أن المؤمن يرث مقعد الكافر فى الجنة, فيكون له بذلك جنتان. وهناك قضية مشابهة وردت فى القرآن الكريم على لسان فرعون, وهى قوله: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي} [الزخرف:51] مُشيراً إلى فروع وترع وقنوات من نهر النيل, وسماها أنهاراً, مع أنها تتفرع من نهر واحد, والله أعلم.

س217- يقول القرآن: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] ثم يقول: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فى الآية الأولى ينهى عن مودَّة الكفار, ولو كانوا الآباء, وفى الثانية يأمر بمصاحبة الوالدين المشركين بالمعروف, أليس هذا تناقضاً؟

ج217- المودَّة غير المعروف, المودة معناها الحب, والمعروف هو ما تعارف عليه الناس أنه خير, بشرط ألا يصطدم مع الشرع, والمسلم مأمور بالإحسان لوالديه, ولو كانا غير مسلمَيْن, كما أذِنَ الرسول r للسيدة أسماء بنت أبى بكر – رضى الله عنهما – أن تَبَرَّ والدتها, مع أنها مشركة. ولتَعلَم الفرق بين البر والحب, تخيل أن لك جيراناً أشراراً, فإنك تحسن إليهم ابتغاء مرضاة الله جل وعلا, ولكن هل إحسانك إليهم يعنى أنك تحبهم؟ ولو أن لك زوجة غير محبوبة, وأنت تحسن إليها, أيكون إحسانك حباً لها, أم طاعة لربها؟ فالمسلم مأمور بمصاحبة والديه إن كانا مشركين بالمعروف, مع عدم حبهما, فهو يبرَّهما, ويصِلهما, ويطيعهما, ولكن ليس فيما يغضب الله سبحانه وتعالى‌. قال العلماء إن الآية التى فى سورة (لقمان) نزلت فى سعد بن أبى وقاص t وقد كان بارّاً بأمه, وحين أسلم أمرته أن يكفر, وإلا- فستمتنع عن الطعام والشراب, وتقعد فى حر مكة إلى أن تموت, ويعيِّره الناس بها, ويقولوا له: يا قاتل أمه. وفعلاً امتنعت عن الطعام والشراب, حتى إنهم كانوا يفتحون فمها بالعصا, وكادت تهلك, فقال لها: لو كان لك مائة نفس خرجت نفساً نفساً ما تركت دين محمد, فَكُلى أو دَعِى, فأكلت, وأنزل الله عز وجل هذه الآية تأييداً لموقفه من عدم طاعته لها فى الشرك بالله, ولكنها أمرته بالإحسان إليها. أما الآية التى فى سورة (المجادلة) فقد قال العلماء إنها نزلت فى أبى بكر, وأبى عبيدة بن الجراح, ومصعب بن عمير, وغيرهم من الصحابة y أجمعين, ففى موقعة بدر كان عبد الرحمن بن أبى بكر لم يسلم بعد, وكان من فريق الكفار, ورأى أباه فى المعركة, ولكنه لم يقتله, وبعد أن أسلم والتقى بأبيه, قال له: لقد رأيتك يوم بدر ولكنى لم أقتلك, فرد عليه أبو بكر, وقال له: لو أنى رأيتك لقتلتك, وفى المعركة نفسها قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه, ووجد مصعب بن عمير أخاه قد أسَرَه أحد المسلمين, فلما رآه أخوه استغاث به أن يتوسط له لدى المسلم ليفك أسره, فكانت النتيجة غير متوقعة, وذلك أن مصعباً قال للمسلم: اشدد وثاقه فإن أمه غنية تفديه بمال كثير, فقال له أخوه: أهذه وصيتك بأخيك؟ فرد عليه بقوله: هو أخى دونك, أى أن المسلم أخو مصعب, وليس هو, لأنه مشرك. فالخلاصة أن المسلم يبر أبويه ويحسن إليهما, ولو كانا مشركَيْن, أما إذا وصل الأمر إلى حرب الإسلام والمسلمين, ففى هذه الحالة يحاربهم تماماً كحربه لأعداء الله.

وقد جاء فى الكتاب المقدس النهى عن الشىء والأمر به فى آن واحد, إذ يقول: لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدِلَه أنت. جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيماً فى عينى نفسه. (أمثال26: 4-5) ونحن نسألكم: هل تجاوبون الجاهل أم لا تجاوبونه؟, والله أعلم.

س218- يقول القرآن: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] فى هذه الآية ناقض القرآن نفسه بأن شهد لنبيكم بالرسالة, ثم كذَّب من شهد بها.

ج218- ما هو المنافق؟ المنافق فى اللغة حيوان صغير ضعيف اسمه اليربوع – فى جزيرة العرب – أكبر من الفأر وأصغر من الأرنب, تأكله الثعالب والقطط البرية وغيرها, وسُمِّىَ منافقاً لأن لديه مهارة فائقة فى حفر الأنفاق المتعددة المداخل والمخارج, فعندما يشعر بالخطر يدخل النفق, ويخرج من مكان آخر بعيد عن الخطر, فلا أحد يعرف مدخله من مخرجه, أما المنافق شرعاً فهو مَن أبطن الكفر وأظهر الإسلام, فقلبه غير لسانه, لا يُعرَف مدخله من مخرجه, ولا أوله من آخره. فعندما جاء المنافقون لرسول الله r وقالوا له: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} فهم كاذبون فى قولهم, لأنه مخالف لما فى قلوبهم (مع أنه رسول الله حقاً, والله عز وجل يشهد له بذلك) كمثل رجل قال لك: أنا أحبك, فى حين أنه يكرهك, ولكنه قالها نفاقاً, فالصدق لابد أن يكون له واقع يؤيده, والمنافقون واقعهم غير أقوالهم, فهم كافرون بالرسول r معادون له ولدعوته, يكيدون له ولأصحابه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

والناس أربعة أصناف: فالمؤمن منسجم مع نفسه, فقلبه موحِّد مثل لسانه, ومتجانس مع الكون, لأن الكون كله يوحِّد الله جل وعلا, والمنافق متنازع مع نفسه, قلبه غير لسانه, ومتنازع مع الكون, والكافر متجانس مع نفسه, لأنه مُقِر بالكفر لا ينكره بلسانه, ومتنازع مع الكون, والنوع الأخير هو الْمُكرَه الذى يُعذَّب ليكفر, فهو يبطن الإيمان ويظهر الكفر من شدة التعذيب, كما حدث فى قصة عمار بن ياسر, رضى الله عنهما, والله أعلم.

س219- كيف يقول القرآن: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1] ثم يقول: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6]؟ فمرة يأمر بعدم إخراجهن من البيوت, ومرة يأمر بتوفير السكن لهن, وكل هذا بعد الطلاق!

ج219- الآية الأولى خاصة بالمطلقة طلاقاً رجعياً, أى بعد الطلقة الأولى أو الثانية لا يخرجها زوجها من بيتها, ولا تخرج هى بنفسها, حتى تنقضى عدتها, أما الآية الثانية فهى خاصة بالمطلقة ثلاث طلقات, ففى هذه الحالة تكون قد بانت من زوجها بينونة كبرى, فلا يحل لها أن تمكث معه فى المنزل نفسه, ولكنه مُكلَّف أن يسكنها فى مكان يتناسب مع مستوى سكنه, وينفق عليها حتى تنقضى عدتها. وهذا وذاك من الإحسان إلى المرأة فى الإسلام, والله أعلم.

س220- يقول القرآن: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] و{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ{6} وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} [الصافات:6-7] ثم يقول: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً{8} وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} [الجن:8-9] الآيتان الأولى والثانية معناهما أن السماء كانت محفوظة, وأن الشياطين كانت تُرجَم قبل بعثة محمد, ثم ناقض نفسه وقال فى سورة (الجن) إن رجمهم كان لأجل بعثته؟

ج220- بفهم بسيط لآية سورة (الجن) يُعرف معناها, ولكنه الطمس على القلوب, والعياذ بالله. فماذا قالت الآية؟ هل قالت (فوجدنا بها حرساً شديداً وشهباً)؟ أم قالت: {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ}؟ إن ملء الشىء لا يعنى كونه فارغاً, فمثلاً: لو أحضرت لك زوجتك كوباً من العصير, فقلت لها: أريده مملوءاً, فهل هذا يعنى أنه كان فارغاً؟ أم أنه كان به بعض العصير, ولكنك تريده مملوءاً؟ ومثال آخر: لو أنا تعودنا على وجود حرس بمنطقة معينة لأهميتها, ولكنا فوجئنا فى يوم من الأيام أن عدد الحرس قد زاد زيادة رهيبة, مع وجود أسلحة ومعدات لم تكن من قبل, فقلنا إن المكان مُلِئَ بالحرس, أليس هذا يعنى أنهم كانوا موجودين, ولكن بعدد أقل؟, والله أعلم.

س221- يقول القرآن: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] فكَوْن النجوم زينة يقتضى بقاءها, وكونها رجوماً للشياطين يقتضى زوالها, فكيف نجمع بين المعنيين؟

ج221- لو قلتَ إنك ضربت أحداً بالمسدس, أتكون ضربته بالمسدس نفسه, أم بالرصاص الخارج منه؟ أو كما يقال: لقد ضربنا العدو بالمدفعية الثقيلة, أنكون قد ضربناهم  بالمدافع نفسها؟ أم بالدانات الخارجة منها؟ فكلمة {رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} معناها أنها مصدر الرجم بألسنة اللهب, والشهب, والنيازك الخارجة منها, وليس بذاتها, وكأنها قاذفة صواريخ, فإن خروج ألسنة اللهب من النجوم لا يفنيها, والشمس مثال لذلك, فهى ترمى بألسنة اللهب منذ ملايين السنين, وما زالت كما هى لم تتغير, ولم تتبدل, بقدرة العلى القدير سبحانه وتعالى, والله أعلم.

س222- ذكرت آيات كثيرة أن النار خُلِقَت للكفار, وآيات أخرى توعدت عُصاة الموحدين بالنار, فكيف تكون خلقت للكفار, ثم يدخلها الموحدون؟ وما فائدة التوحيد إذن؟ وما دليلكم على أنهم سيخرجون منها, ولا يخلدون فيها؟

ج222- إن أصحاب الكبائر من المسلمين أمرهم موكول إلى الله عز وجل, إن شاء غفر لهم, وإن شاء عذبهم, وليس معنى أن النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أنه لا يدخلها غيرهم, وإلا- لتمادى عُصاة الموحدين فى عصيانهم (كشاربى الخمر, والمرابين, والزُّناة, وغيرهم) توكُّلاً على توحيدهم, إن هذا لا يقوله عاقل, قال تعالى مخاطباً عباده المؤمنين: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء:123] فالنار فى الأصل {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] وهم أهلها المخلدون فيها, أما عصاة الموحدين – إن لم يغفر الله لهم – فسيدخلونها على قدر ذنوبهم, ثم يخرجون منها, فهى للكافرين دار مؤبَّدة, ولبعض الموحدين دار مؤقَّتة, وهذه هى فائدة التوحيد, والدليل على ذلك قوله جل وعلا: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] قال العلماء فى تفسيرها: إن أهل النار عندما يجدون أهل التوحيد يعذبون معهم فى النار يقولون لهم: هاأنتم تعذبون معنا وما نفعتكم (لا إله إلا الله) التى كنتم تقولونها, فعندها يغضب الله سبحانه وتعالى, ويأمر بإخراجهم من النار. والدليل من السنَّة المطهرة, قول رسول الله r: ((يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة, ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن بُرَّة, ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن ذرَّة)) [صحيح مسلم] والأدلة على دخول عصاة المسلمين النارَ كثيرة, منها ما سبق, ومنها مثلاً: عقوبة آكلى الربا {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{130} وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:130-131] وعقوبة قذف المحصنات {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23] وعقوبة أكل مال اليتيم ظلماً {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10] وغير ذلك من الأدلة من الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:131] هذه الآية جمعت بين الأمرين, ففيها دليل على أن النار خُلِقت للكافرين, وفيها أيضاً تحذير للمؤمنين, وكأن الله عز وجل يقول لهم: إن النار لم أخلقها لكم, ولكنى خلقتها للكافرين, فلا تعصونى فأجعلكم معهم, والله أعلم.

س223- يقول القرآن: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [المزمل:9] ويقول: {‌رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17] ويقول: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} [المعارج:40] ما كل هذا الاختلاف؟

ج223- قال العلماء: عندما يقول الله عز وجل: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} فهو مشرق الشمس ومغربها على الإطلاق بغير تحديد (أى الجِهَة التى تشرق من ناحيتها, والجِهَة التى تغرب عندها) وعندما يقول: {‌رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} لأن الشمس لها مشرق فى الصيف غير الشتاء, ولها مغرب فى الصيف غير الشتاء, وعندما يقول: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} لأن الشمس لها كل يوم مشرق يختلف عن بقية الأيام, ولها كل يوم مغرب يختلف عن بقية الأيام, حتى إن بعض ملوك العصور القديمة, مثل رمسيس (فرعون) والملكة (بلقيس) كان لهم قصور لها نوافذ بعدد أيام السنة, بحيث يدخل أول ضوء للشمس فى كل يوم من نافذة مختلفة عن بقية النوافذ, وهكذا كانت نوافذ الجامع الأموى الكبير فى دمشق بعدد أيام العام, وفى أبو سمبل (جنوب أسوان) تتعامد أشعة الشمس عند الشروق على وجه تمثال رمسيس الثانى, وتنفُذ خلال المعبَد الفرعونى مرة واحدة يوم 22فبراير, ومرة أخرى يوم 22 أكتوبر دون سائر أيام العام, وذلك لتغيُّر زاوية الشروق. وقول هؤلاء العلماء صحيح, ولكن – بالإضافة إلى ذلك – أثبت العلم الحديث أن الأرض تدور حول محورها أمام الشمس مرة كل يوم, فيكون لها مشرق واحد ومغرب واحد (وإن كان لها مشارق ومغارب متعددة فى كل منطقة على خطوط الطول, ولكنها من اتجاه واحد) وهناك كواكب أخرى فى مَجَرّات أخرى تدور حول نجمين, فيكون لها مشرقان ومغربان, وكواكب تدور حول ثلاثة نجوم, فيكون لها ثلاثة مشارق, وثلاثة مغارب. كما أن مجموع الشروق والغروب للكواكب أمام نجومها يكوِّن منهما مشارق ومغارب كثيرة, والله أعلم.

س224- يقول القرآن: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] أى أنه نزل كله مرة واحدة فى ليلة القدر, ثم يناقض نفسه فيقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] أى أنه لم ينزل جملة واحدة, ولكن نزل منجَّماً حسب الأحداث.

ج224- قال عبد الله ابن عباس, رضى الله عنهما: إن القرآن نزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا فى ليلة القدر, ثم نزل بعد ذلك منجَّما على رسول الله r حسب الأحداث. وقيل أيضاً: إن أول نزوله على الرسول r فى غار حراء كان فى ليلة القدر, وهذا معنى قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وأىّ آية من القرآن تسمى قرآناً, كما أن جميع القرآن يسمى قرآناً, فليس هناك تناقض على الإطلاق, والله أعلم.

س225- يقول القرآن: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53] بصيغة المفرد, ويقول: {وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} [الحاقة:9] بصيغة الجمع, فأين الصواب فى العبارتين؟

ج225- مكان (المؤتفكة) هو منطقة تسمى (سَدُوم) وقد سماهم الله بهذا الاسم لفعلهم الشنيع, وهو فاحشة إتيان الذكور, وقد أُفرِدَ الاسم فى سورة (النجم) للدلالة على البلد كله, أما فى سورة (الحاقة) فجُمِعَت لتعدد المناطق داخل هذا البلد, لأنها كانت تحتوى على خمس قرى, وذلك كما تذكر قطراً معيَّناً بصيغة المفرد, وإذا ذكرت محافظاته تذكرها بصيغة الجمع, والله أعلم.

س226- كيف يسمح القرآن بحرية العقيدة {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] ثم يتوعد الكافرين بالعذاب الأليم؟

ج226- الله سبحانه وتعالى بيَّن لعبادة طريق الهداية, وطرق الغواية, وترك لهم حرية الاختيار, ووعد من سلك طريق الهداية بالنعيم المقيم, وتوعَّد من سلك طرق الغواية بالعذاب الأليم, فهذه الآية الكريمة لا تترك للناس الحبل على الغارب ليفعلوا ما يشاءون, ولكنه أسلوب تهديدى, كالذى يقول لابنه: انت حر, فافعل ما بدا لك – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} – فهل الأب يعطى لابنه الحرية المطلقة فى أن يخرِّب ما شاء, ويفسد ما شاء, بغير عقاب؟ وهل يساوى بينه وبين من أطاعه من أولاده؟ إذن لكان هذا الأب ظالماً, ولكانت فوضى, ولَمَا تأدب ولده, ولَعاث فى الأرض فساداً. فلو ترك الله للناس الحرية فى فعل ما يشاءون, دون رادع يردعهم, ولا ثواب أو عقاب ينتظرهم, لكانت فوضى, ولاضطربت موازين الحياة, الصالح كالطالح, والمصلح كالمفسد, والبارّ كالفاجر… إلخ. والدليل على أن الآية تهديدية أنها خُتِمَت بقوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} لتبين جزاء الكافرين, ثم تلاها بيان جزاء المؤمنين {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً{30} أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً}

والأساليب التهديدية ليست فى الآية التى وردت فى السؤال وحدها, بل وردت كثيراً فى القرآن الكريم, مثل قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40] وقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ} [هود:121] وقوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر:8], والله أعلم.

س227- يقول القرآن: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] والواقع يكذِّب ذلك, فالرجل الطيب يتزوج من الخبيثة, والمرأة الطيبة تتزوج من الخبيث, وهذه الآية تتناقض مع قصص القرآن الذى أقرَّ بأن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين, وامرأة فرعون كانت مؤمنة, والآية أيضاً بها تكرار لا فائدة فيه, ألا كان يكفى أن يقال (الخبيثات للخبيثين والطيبات للطيبين)؟

ج227- إن الآية معناها أن الخبيثات من الأقوال للخبيثين من الرجال, والخبيثين من الرجال للخبيثات من القول, والطيبات من القول للطيبين من الرجال, والطيبين من الرجال للطيبات من القول (كما قال عبد الله بن عباس, رضى الله عنهما) وبديهى أن ما ينطبق على الرجال ينطبق على النساء أيضاً. والآية جاءت تعقيباً على حادثة الإفك, أى أن من اتهم السيدة عائشة – رضى الله عنها – بالقول الخبيث, فذلك لأنه هو الخبيث, أما هى فلا يليق بها إلا الأفعال والأقوال الطيبة. أما ما يظنه السائل أنه تكرار لا فائدة فيه فهو ليس بتكرار, بل هو تأكيد وحصر, أى أن الخبيثات من الأقوال لا تخرج إلا من الخبيثين من الناس, فلا يمكن أن يتكلم بها الطيبون, والخبيثون من الناس لا يتكلمون إلا بالخبيثات من الأقوال, فهى مقصورة عليهم, وهم مقصورون عليها, وكذلك فإن الطيبات من الأقوال لا تخرج إلا من الطيبين من الناس, وهم لا يُخرجون إلا الأقوال الطيبة, فهى أيضا مقصورة عليهم, وهم مقصورون عليها, والله أعلم.

س228- يقول القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6] فى هذه الآية جعلتم أهل الكتاب أسوأ من المشركين, لأنكم ذكرتموهم قبلهم, فى حين أنكم تُقِرُّون بأن أهل الكتاب أفضل من المشركين, بصريح القرآن الذى قال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:116] فما هذا التخبط؟ ثم إننا لسنا بأسوأ حال منهم.

ج228- إن أهل الكتاب لم يكن لهم عذر فى كفرهم بالرسول r فقد كان عندهم وَصْفُه فى كتبهم, وهم الذين كانوا يهددون المشركين به, ويقولون لهم: لقد أَطَلَّ زمن ظهور نبى نجد وَصْفه فى كتبنا, وسنتبعه ونقاتلكم معه, وننتصر عليكم. وهذا ما ذكره الله عز وجل فى قوله: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] لدرجة أن المشركين فى المدينة كانوا يترقبون مجيئه, وحين عرض نفسه عليهم فى موسم الحج, سارعوا إلى الإيمان به, وقالوا: إن هذا هو النبى الذى تحدثنا عنه يهود, فلا يسبقونا إلى الإيمان به. قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} [الأنعام:20] فالآية الكريمة توضح أن أهل الكتاب – سواء من اليهود أو النصارى – كانوا يعرفون النبى كمعرفتهم أبناءهم, بل إن منهم من قال: (إنى أعرف محمداً أكثر من معرفتى لابنى, فإنى لا أدرى ماذا فعلت أمّه) أبَعْد هذا يكون لهم عذر فى الكفر به, وعدم تصديقه؟ ولذلك جاء ذكرهم فى الآية قبل المشركين, لأنهم أوْلى باتباعه منهم, فمثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – لو أن أباك حذرك من الاقتراب من جهاز معين, لأن فى اقترابك منه مفسدة لهذا الجهاز, ثم لعب فيه أخوك الذى لم يسمع التحذير, وأنت تراه ولم تذكر له خطورة فعله, فحين يعلم الوالد.. أتكون عقوبتك مثل أخيك؟ لا شك أنها ستكون أشد, لأنك تعلم ولا يعلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9], والله أعلم.

س229- يقول القرآن: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] ويقول: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8] ويقول: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] كل هذه الآيات متعارضة مع بعضها, فمرة تقول إنها (موازين) ومرة (وزن) ومرة لا ميزان أصلاً.

ج229- ليس هناك أى تعارض بين الآيات, ولو أن السائل أكمل الآية الأولى لَعَلِمَ الإجابة {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} إن أعمال الخير متفاوتة فى ثقلها, فهى تختلف فى تفاضلها حسب درجتها عند الله, فالصلاة غير الزكاة, أو الصوم, أو الحج, أو صلة الرحم… إلخ, وحسب نية فاعلها وإخلاصه لله, واتباعه للسنَّة فى فعلها, وغير ذلك. وكذلك أعمال الشر فهى متفاوتة أيضاً, فالقتل غير السرقة, أو شرب الخمر, أو النظر المحرم… إلخ. والله سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] فقوله تبارك وتعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} يعنى الوزن العمومى للحسنات والسيئات فى مُجمَلِها, أمّا {الْمَوَازِينَ} فهى مثاقيل الأعمال حسب تفاوتها ثقلاًً وخفَّة. ونحن فى واقعنا نطلق اسم المفرد على الشىء الذى يحتوى على أشياء متجانسة, فمثلاً نقول عن الراجع من السفر: إنه دخل الجمرك (بلفظ المفرد) فى حين أن البضائع تختلف عن بعضها البعض بالنسبة لما يُفرَض عليها من هذا الجمرك, فالسيارة غير الغسالة أو الثلاجة… إلخ, فكذلك كلمة (الوزن) تطلق ويراد بها مجموع الموازين. أما الآية الكريمة: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} فهى – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – كما نقول عن الرجل التافه إنه (لا وزن له) أى أنه لا قيمة له, فى حين أننا نقول عن رجل آخر (إنه ثقيل) أو (إنه جبل) وذلك لما نراه من حلمه وسَعَة عقله, فقوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} معناه: فلا نقيم لهم وزناً نافعاً, أى أنه لا قيمة لهم ولا لأعمالهم. قال رسول الله r: ((إنه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة, لا يزن عند الله جناح بعوضة, اقرءوا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً})) [متفق عليه]‌ أمّا المؤمن فهو ثقيل فى الميزان عند الله يوم القيامة, كما قال الرسول r عن عبد الله بن مسعود t حين تعجب الصحابة y من دِقَّة ساقَيْه: ((أتعجبون من سَاقَىْ ابن مسعود؟ إن ساقَى ابن مسعود أثقل من جبل أُحُد فى الميزان يوم القيامة)) (أو كما قال r) لأن الذى يُوزَن هو إيمان العبد الذى وَقَرَ فى قلبه, وليس العظم واللحم والشحم, والله أعلم.

س230- يقول القرآن: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت:16] ثم يقول: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} [القمر:19] فأيهما نصدق؟ وهل هو يوم أم أيام؟

ج230- الآية الأولى تتحدث عن عدد الأيام التى سخر الله عليهم الريح فيها, أما الآية الثانية فتتحدث عن يوم نزع الناس {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر:20] فنزع الناس وجعلهم كأعجاز نخل منقعر كان فى يوم, أما الريح الشديدة فكانت سبعة أيام. فمثلاً: لو حدثت حرب بين طائفتين, واستمرت لعدة أيام, ثم انتصر أحد الفريقين, فقلنا: انتصر الجيش الفلانى فى يوم كذا, فهل معنى هذا أن الحرب كانت لمدة يوم واحد, أم أنها استمرت لعدة أيام, وكان النصر فى آخر يوم فيها؟ وهناك معنى آخر: وهو أن قوله تعالى: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} يعنى أنه ليس يوماً واحداً, ولكنه {مُّسْتَمِرٍّ} مُمتدّ لسبعة أيام, والله أعلم.

س231- يقول القرآن عن الكفار: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174] يقر القرآن فى هذه الآية بأن الله لا يكلم الكفار, ثم يناقض نفسه فيقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62]

ج231- النداء يكون من مكان بعيد, وقد وصف الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بأنه يوم التناد {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32] كما ورد فى سورة (الأعراف) من نداء أهل الجنة على أهل النار, والعكس, أما الكلام فيكون من مكان قريب, فالله سبحانه وتعالى لا يكلم الكفار, ولكن يناديهم, لأن كلامه رحمة. أما النداء الذى ورد فى هذه الآيات – وغيرها – فهو للتوبيخ, ومن وراء حجاب, كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] وليس شرطاً أن نداء الله لهم يسمعونه منه مباشرة, فربما كان عن طريق الملائكة, كما يخاطبنا الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} أو يخاطب أهل الكتاب بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} والكافرين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} فهذا الخطاب لم يصل من الله إلى الناس مباشرة, ولكن عن طريق الوحى, ثم عن طريق الرسول r {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75] فهو سبحانه الذى قال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:51] فإن سماع كلام الله سبحانه وتعالى متعة, وهو للمؤمنين خاصة يوم القيامة, فكيف يستمتع به الكفرة؟

ثم إنه قد جاء فى الكتاب المقدس تناقض بين صفات الله جل وعلا, فمرة يقول إنه يشبه الإنسان, ومرة يقول إن ليس له شبيه: وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبّابات التى تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم. (تكوين1: 26-27)

لكى تعرف أن ليس مثلى فى كل الأرض. (خروج9: 14) ليس مثل الله (تثنية33: 26) لذلك قد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك (صموئيل الثانى7: 22) لا مثل لك يا رب (إرمياء10: 6) فبمن تشبهون الله وأى شبه تعادلون به. (إشعياء40: 18) فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس. (إشعياء40: 25), والله أعلم. 

س232- يقول القرآن: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} [المائدة:116] وفى آيات أخرى كثيرة يقول: {إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فكيف يكون الله {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ثم يسأل عيسى عن قضية من أخطر القضايا؟ أليس المفروض أنه يعلمها؟ 

ج232- نعم {إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ولكنه سؤال لتبكيت النصارى, وإقامة الحجة عليهم من نبيهم الذى أرسل إليهم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فلا يكون لهم حجة فى عبادتهم إياه بعدما تبرَّأ منها. فمثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – لو أن أحداً بلَّغك أن صديقك قد تكلم عليك بسوء, وأنت متيقن أن هذا الإنسان كاذب, لعلمك بخلق صديقك, فماذا تفعل لتظهر كذب هذا النمام؟ إنك تسأل صديقك أمامه, وتقول له: هل قلت علىَّ كذا وكذا؟ فهل أنت شاك فى صديقك؟ إنك على يقين من استحالة هذا الأمر, ولكنك تصرفت هذا التصرف لتخزى هذا الكاذب النمّام. فالسؤال الذى ورد فى الآية الكريمة ليس للاستعلام, ولكنه للتوبيخ كما قلنا, وبقية الآية تثبت علم الله سبحانه وتعالى بأن سيدنا عيسى لم يأمرهم بعبادته, ولا عبادة أمه, فبعدما سأله الله هذا السؤال, رد عليه سيدنا عيسى بقوله: {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}, والله أعلم.

س233- إن القرآن يتناقض مع نفسه فى آية واحدة, فيقول: {يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:4] فكيف يقول لهم نوح: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ثم يقول لهم: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ}؟

ج233- إن سائل هذا السؤال ليس عنده ملكة اللغة العربية, ولكنه حكم على الآية حكماً سطحياً, وهناك فرق بين من يجيد التحدث باللغة وهو ليس من أهلها, وبين من هو من أهلها الذى يتكلمها بالسليقة بغير تكلف, ونحن حين نسمع أجنبياً يتكلم باللغة العربية ندرك أنه ليس عربياً مهما كان إتقانه, وكذلك لو تكلم العربى بلغة أجنبية فإنه لا يجيدها كأهلها, فهل الذى ينقض كلامه ينقضه فى نفس اللحظة وبهذه السرعة؟ إن الإنسان السريع النسيان لا يمكن أن ينقض كلامه بهذه السرعة, ولكنه يقول كلاماً ثم بعد فترة ينسى فيقول غيره. فهل يُعقل مثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – أن يقول قائل: أنا سوف أقوم بتأجيل سفرى.. أنا سفرى لا يمكن تأجيله؟ أو يقول: أنا أجيد القراءة.. لا يمكن أن أجيدها؟ فإذا كان هذا لا يُعقل صدوره من إنسان, فكيف بالله سبحانه وتعالى؟ إن ما جاء فى الآية الكريمة فيه قولان للعلماء: القول الأول إنهم إذا آمنوا, فسوف يؤخر الله موعد موتهم ببركة إيمانهم, فلو كان مقدَّراً لهم – مثلاً – أن يعيشوا تسعمائة سنة, فسيجعلها الله ألفاً إذا آمنوا. ومعلوم أن الأعمال الصالحة سبب للبركة فى العمر, قال رسول الله r: ((من سرَّه أن يعظم الله رزقه, وأن يمد فى أجله, فليصل رحمه)) [صحيح الجامع:6291] أمّا لو لم يؤمنوا فإن أجلهم لن يتأخر. والقول الثانى أنهم خافوا من قومهم أن يقتلوهم لو آمنوا بسيدنا نوح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فطمأنهم أن آجالهم ستؤخر لحين مجيئها, أى أن قومهم لن يعجِّلوا أجلهم قبل موعده, أما أجلهم الحقيقى فلن يتأخر, والله أعلم.

س234- إن موقف القرآن من أهل الكتاب متخبط, فنجده يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] مع أنه يقول: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]

ج234- ليس هناك أى تخبط كما يَدَّعى السائل, فإن الولاية غير البِرّ, البر يعنى حسن المعاملة, وعدم الجوْر أو الظلم, فلم ينهنا الله سبحانه وتعالى أن نبر أهل الكتاب (غير المحاربين) ونقسط إليهم, فلا نؤذيهم, ولا نهينهم, ولا نظلمهم, بل ونهاديهم, ونتقبل هديتهم, ونواسيهم فى مصائبهم, ونهنئهم فى أفراحهم التى لا ترتبط بعقيدتهم, ولكن لا نحبهم. أما ولايتهم فقد نهانا الله عنها, وهى حبهم, والتقرب إليهم, والتداخل فيهم وكأنهم أهلينا, يعرفون أسرارنا, ومُدخلنا ومخرجنا, وكأنهم إخواننا, فهذه الولاية لا تكون إلا للمؤمنين. وأشد ما فى هذه الولاية التى نهينا عنها, هى موالاتهم ومناصرتهم ضد المسلمين, كمن يقاتل فى صفوفهم, أو يتحالف معهم ضد المسلمين, ومن يفعل ذلك فهو منهم, بل إن من تشبَّه بهم فى احتفالاتهم, وكلامهم, ولبسهم, وعاداتهم التى تخالف شرعنا, فهو منهم, قال رسول الله r: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:6149], والله أعلم.  

س235- تتناقض الروايات عندكم فيمن هو الذبيح؟ فمنكم من يقول إنه إسماعيل, ومنكم من يقول إنه إسحاق, والحق عندنا أنه إسحاق.

ج235- عجباً لكم أيها القوم! تتساءلون عن اسم الذبيح ولا تتأكدون من نسب معبودكم؟ فأيهما أهَمّ عندكم؟ وأيهما أكثر إثارة لدهشتكم؟ إن الأناجيل قد اختلفت فى نسب المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فإنجيل (متى) ينسبه إلى سليمان بن دواد – على نبينا وعليهما الصلاة والسلام – بينما ينسبه إنجيل (لوقا) إلى ناثان بن داود, وهذا التناقض ورد فى الإصحاح الأول من إنجيل (متى) والإصحاح الثالث من إنجيل (لوقا), وحتى لا نطيل على القارئ نذكر فقط كلمة من (متى) وكلمة من (لوقا): وسليمان ولد رحبعام. (متى1: 7) ناثان بن داود (لوقا3: 31)  

نعم.. لقد ذكرت بعض التفاسير نقلاً عن بعض الصحابة y أن الذبيح هو سيدنا إسحاق, ولكن أغلب التفاسير على أنه سيدنا إسماعيل, على نبينا وعليهما الصلاة والسلام. وقد حدث هذا الخلط من بعض الصحابة y بسبب قربهم ومخالطتهم لعلماء أهل الكتاب, الذين يزعمون أن الذبيح هو سيدنا إسحاق, ولكن الحق قد جانبهم فى هذا الأمر, فإن الذبيح هو سيدنا إسماعيل, وهذا موجود عندهم فى الكتاب المقدس, ولكنهم حرفوه بطريقة ساذجة لا تخفى على أحد, وهاكُم ما جاء فيه:

وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم. فقال له يا إبراهيم. فقال هَأنذا. فقال خُذ ابنك وحيدك الذى تحبه إسحَق… إلى آخر قصة الذبح. (تكوين22: 1-14)

فالتلفيق فى قولهم (إسحاق) واضح وضوح الشمس, إذ كيف يكون ابنه الوحيد (أى البكر) هو إسحاق, مع أنه كان الثانى وليس البكر بنص التوراة نفسها: وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين وُلِدَ له إسحَق ابنه. (تكوين21: 5) فى حين أنه رُزِقَ بإسماعيل وهو ابن ستة وثمانين سنة: كان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام (تكوين16: 16) (أبرام يعنى إبراهيم)

فكيف يكون ابنه البكرى إسحاق, وبينه وبين إسماعيل أربعة عشر عاماً؟ وقد ادعوا أنه إسحاق حقداً على سيدنا محمد r أن يكون ابن الذبيح. والدليل على أن سيدنا إسماعيل هو الذبيح, أن القرآن ذكر فى سورة (الصافات) قصة سيدنا إبراهيم مع قومه, وما أرادوا من حرقه, وإنجاء الله له, وذلك فى الآيات من (83-98) وبعد أن نجاه الله من النار قال: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ{99} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102} فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:99-107] ثم بعد ذلك بشَّره الله سبحانه وتعالى بسيدنا إسحاق, فى قوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:112] فمن الواضح وضوح الشمس من هذه الآيات أن البشرى بسيدنا إسحاق كانت بعد انتهاء قصة الذبيح, فمن كان هذا الذبيح إن لم يكن سيدنا إسماعيل؟ ثم إن سيدنا محمد r قال: ((أنا ابن الذبيحين)) [مصنف ابن أبى شيبة, مستدرك الحاكم] أى أنه من نسل الذبيح الأول, وهو سيدنا إسماعيل, وابن الذبيح الثانى, وهو عبد الله والد الرسول r وهذا يقطع الشك فى أمر الذبيح, والله أعلم.

س236- يتحدث القرآن عن هلاك الإنسان والحيوان وجميع الدواب بسبب ذنوب الإنسان, فيقول: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [فاطر:45] فما ذنب جميع الدواب؟ أليس هذا ظلماً؟ ألم يقل فى السورة نفسها: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى

ج236- إن المخلوقات التى نتعامل معها على الأرض أربعة (بغضِّ النظر عن بقية المخلوقات) جماد ونبات وحيوان وإنسان, فالجماد يخدم النبات بما يقدمه له من عناصر لازمة لنموه, والجماد والنبات يخدمان الحيوان, والجماد والنبات والحيوان يخدمون الإنسان, والإنسان خُلِق لعبادة الرحمن {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فلو لم يعبد ربه فما فائدته؟ ولو آخذه الله بذنوبه لأهلكه, ولتَبِع ذلك هلاك كل ما يقوم بخدمته من جماد ونبات وحيوان, لأنها موجودة لخدمته, فما فائدتها بعده؟ فمثلاً: لو أحضرت خادمة لأمك العجوز, ثم ماتت أمك, هل تبقى الخادمة فى البيت بعد ذلك؟ وهل رأيت خدماً يقيمون بقصر سيدهم الذى مات؟ إن صاحب القصر قد مات, فمن يخدمون بعده؟ وها هى قصور الملوك والسلاطين ليس بها أنيس ولا جليس, بعد أن كانت عامرة بأهلها.

والذين ينكرون على كتابنا هلاك كل شىء بذنوب الإنسان, جاء فى كتابهم المقدس الأمر بحرق المدن بما فيها من إنسان وحيوان وكل شىء, كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم (81) وجاء فيه أيضاّ:

هكذا قال السيد الرب. من أجل أن أدوم قد عمل بالانتقام على بيت يهوذا وأساء إساءة وانتقم منه لذلك هكذا قال السيد الرب وأمُد يدى على أدوم وأقطع منها الإنسان والحيوان وأصَيُّرُها خراباً (حزقيال25: 12-13)

ويكون فى ذلك اليوم يوم مجىء جوج على أرض إسرائيل يقول السيد الرب أن غضبى يصعد فى أنفى. وفى غيرتى فى نار سخطى تكلمتُ أنه فى ذلك اليوم يكون رعش عظيم فى أرض إسرائيل. فترعش أمامى سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدّابّات التى تدب على الأرض وكل الناس الذين على وجه الأرض وتندك الجبال وتسقط المعاقل وتسقط كل الأسوار إلى الأرض. وأستدعى السيف عليه فى كل جبالى يقول السيد الرب. فيكون سيف كل واحد على أخيه. وأعاقبه بالوباء وبالدم وأمطر عليه وعلى جيشه وعلى الشعوب الكثيرة الذين معه مطراً جارفاً وحجارة برد عظيمة وناراً وكبريتاً. فأتَعَظَّم وأتقدس وأُعرَف فى عيون أمم كثيرة فيعلمون أنى أنا الرب (حزقيال38: 18-23), والله أعلم.

س237- يتناقض القرآن كثيراً مع نفسه, فيقول عن غزوة بدر: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{43} وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} [الأنفال:43-44] ثم يقول: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران:13] يبدو أن محمداً نسى وهو يؤلف القرآن, فمرة يقول: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} ومرة يقول: {يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} فكيف نفهم هذا التضارب؟

ج237- ليس هناك تأليف ولا تناقض كما تزعمون, ولكن هذا من تثبيت الله عز وجل لرسوله r وللمؤمنين, فقد رآهم رسول الله فى المنام قليلى العدد, ليبشر المؤمنين فيتجرأوا على قتالهم ولا يهابونهم, فلو رآهم كثيرى العدد, لفشلوا ولتنازعوا فى الأمر, لأنهم قد خرجوا لقطع الطريق على قافلة قريش, ليستردوا بعض ما أُخِذَ منهم ظلماً وعدواناً, ففوجئوا بأن أبا سفيان نجا بالقافلة وسار بها إلى مكان آخر, وأن قريشاً قد جمعت العدة لقتالهم, ولم يكن الصحابة y قد أعدوا العدة لقتالهم, حتى إن كثيراً منهم تخلفوا عنها, لعدم علمهم بوقوع حرب بينهم وبين المشركين, فحينما اصطفَّ الفريقان للقتال رأى كل منهما الآخر قليل العدد, فكان هذا لصالح المؤمنين, بأن شجَّعهم على قتالهم, فى حين أنه لم يكن من مصلحة المشركين, لأنهم خرجوا مغرورين بعددهم وعدتهم, حتى إن البعض أشار على أبى جهل بالرجوع طالما أن قافلة أبى سفيان نجت, ولكنه أصر على القتال أشراً وبطراً, وظن أنه سينتصر, وينحر الجزور, ويشرب الخمور, وتغنى وترقص له ذوات الخدور, فعندما رأوا المؤمنين قليلى العدد استخفوا بهم أكثر, وظنوا أنهم سينتصرون عليهم بمنتهى السهولة, ولكن الله خيب أملهم, فحين بدأت المعركة, والتحم الخصمان, ظهر عكس ما رأوه, ورأوا أعداداً غفيرة تقاتلهم, غير التى رأوها قبل بدء القتال, فدب فى قلوبهم الرعب, مصداقاً لقوله تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} [الأنفال:12] وانهزموا بفضل الله سبحانه وتعالى, وقال الناجون منهم: إن المسلمين قد ركبوا أكتافنا, وما هى إلا أن رأيناهم فسلمنا لهم أعناقنا. أما المؤمنون فلم يَرُعهُم رؤية المشركين على كثرة عددهم وعتادهم, بل زاد استبسالهم فى القتال, لأن الله أيدهم بالملائكة, وربط على قلوبهم, وثبت أقدامهم, بعدما استغاث الرسول r بربه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] وقد قاتلت معهم الملائكة, حتى إن أحد الصحابة y قال إنه رفع سيفه ليقتل أحد المشركين, فوقعت رأسه دون أن يمسه {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] وكان المؤمنون يعرفون الفرق بين قتلاهم ومن قتلتهم الملائكة, ببنان المشركين التى ضربتها الملائكة (أى أطراف أصابعهم) ومن العلامات السوداء التى على رقابهم, من آثار ضرب الملائكة لهم. فمن هذا يتضح أن آيات سورة (الأنفال) تذكر ما حدث قبل وقوع القتال, أما آية (آل عمران) فتتحدث عن حال الفئتين بعد التحام الصفين وبدء القتال, والله أعلم.

س238- هناك تناقض فى القرآن بين قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53]

ج238- إن هذا السائل كمن قرأ {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} ولم يُكْمِلْ {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ولو قرأ آيات سورة (الزمر) التى تلى هذه الآية, لَعَلِمَ الرد على سؤاله, فماذا قالت هذه الآيات؟ لقد قالت: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} إن معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى يفتح باب التوبة على مصراعيه لكل الناس, مهما كانت ذنوبهم – حتى ولو كانت شركاً بالله – أن يتوبوا إليه ويستغفروه, قبل أن يباغتهم الموت, ويفاجأوا بالعذاب, فهل هناك ثمة تناقض بين الآيات؟ إن آية (النساء) تتحدث عمَّن مات مشركاً, ولم يَتُبْ من شركه قبل موته, أما آية (الزمر) فهى خطاب للأحياء أن يتداركوا أنفسهم, ويثوبوا إلى رشدهم, قبل أن يندموا وَلاتَ حين مَنْدَم.

وبالمناسبة.. فقد جاء فى الكتاب المقدس أن الله سبحانه وتعالى يندم (وحاشاه) ومرة أخرى أنه لا يندم, وإليكم الدليل: فندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه (خروج32: 14) والرب ندم لأنه مَلَّك شاول على إسرائيل (صموئيل الأول15: 35) فمن يشفق عليك يا أورشليم ومن يعزِّيك ومن يميل ليسأل عن سلامتك. أنتِ تركتنى يقول الرب. إلى الوراء سِرتِ فأمُد يدى عليكِ وأهلكك. مَللتُ من الندامة. (إرمياء15: 5-6) إن هذه النصوص تثبت الندم, ثم يأتى النَّص التالى لينفيه: ليس الله إنساناًً فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. (عدد23: 19), والله أعلم.

س239- مرة يقول القرآن عن مريم إنها قالت: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} [آل عمران:47] ومرة إنها قالت: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} [مريم:20] دون أن تقول فى هذه الآية كلمة {رَبِّ}, وكذلك فإنها قالت فى الآية الأولى {وَلَدٌ} وفى الثانية {غُلَامٌ} فهل نسى محمد,  أم أنه تشويق للسامع؟

ج239- ليس هذا نسياناً ولا تشويقاً, إن الآية الأولى التى وردت فى سورة (آل عمران) كانت بشرى من الله جل وعلا, حملتها الملائكة للسيدة مريم, رضى الله عنها {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران:45] فلذلك قالت {رَبِّ} أما آية سورة (مريم) فكانت البشرى من سيدنا جبريل u مباشرة {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً{17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً{18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً} [مريم:17-19] ففى هذه الحالة تكلم سيدنا جبريل, فكيف تقول له {رَبِّ}؟ إنها لو قالت ذلك لكان فى قولها حجة للنصارى الذين يَدَّعون أن الله سبحانه وتعالى تمثل لها فى صورة بشر ليَهَبَ لها الولد. أمّا قولها فى الآية الأولى {وَلَدٌ} وفى الثانية {غُلَامٌ} فلأنها فى الآية الأولى تعجبت من أن يكون لها ولد بغير زوج, ولم يَعْقُب هذه الآية نُطقُه فى المهد, أما الآية الثانية فقد أعقبتها آيات نُطقِه فى المهد, وهذا الكلام لا يتأتّى إلا من الغلام, فلما فعل فِعله أخذ صفته, والله أعلم.

س240- ينكر القرآن على اليهود والنصارى ادِّعاءهم بأن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً, فيقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65] فى حين أنه يدَّعى أنه كان مسلماً, فيقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] مع أن الإسلام لم يظهر إلا بعد زمن طويل من اليهودية والنصرانية!

ج240- إن الإسلام معناه إسلام الوجه لله, بمعنى: إسلام القلب والقالب لله, وهو توحيد الله عز وجل بالربوبية والألوهية, وقد جاءت به جميع الأنبياء والمرسلين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران:19] وقال رسوله r: ((خير الدعاء يوم عرفة, وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير)) [صحيح الجامع:3274] وقد أوردنا فى الرد على الشبهة رقم (421) ما يدل على أن جميع الرسالات جاءت بالإسلام, ولا أعنى بالإسلام ديننا, ولكن أعنى توحيد الله جل وعلا, والانقياد له سبحانه وتعالى باتباع رسله, فلم يكن سيدنا إبراهيم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – تابعاً لليهودية ولا النصرانية, ولكن كان مسلماً بالمعنى الذى ذكرناه, والله أعلم.

س241- لماذا بدأ القرآن بفرار المرء يوم القيامة من أخيه, فقال: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس:34] ثم قال: {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} ثم قال: {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} وكان الأبلغ أن يبدأ بأمه وأبيه, لأنهم أهم من أخيه, ثم يثنِّى بصاحبته وبنيه, لأنهم أيضاً أهم منه, ثم يأتى بالأخ بعد ذلك, ولقد جاء عندكم الترتيب صحيحاً فى قوله: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ{11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ{12} وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ{13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج:11-14] فلِمَ لم تكن مثلها؟

ج241- إن ما جاء فى سورة (عبس) يسمى فى البلاغة بالأسلوب التصاعدى, وهو يصور هول يوم القيامة, الذى يفر فيه المرء من أخيه, وقد كان التخلى عن الأخ عاراً عند العرب, ليس هذا فحسب, بل إن الأمر أخطر من ذلك, فسيفر أيضاً من أمه وأبيه, اللذَيْن هما أغلى عنده من أخيه, هل وقف الأمر عند ذلك؟ لا- بل سيفر من أغلى ما يملكه فى الدنيا, وهم زوجته وبنوه, وهذا عند الخروج من القبور, وما يصيب الناس فيها من الهلع والفزع, ومعلوم أن الأولاد هم أغلى ما يمتلكه الإنسان, حتى إنه حين يشعر بخطر سيصيب بيته (كحريق أو زلزال مثلاً) فإنه يحمل أولاده ليهرب بهم, وإن كان فى البيت أقارب غيرهم, مثل إخوته وزوجته وأمه وأبيه, أمّا لو كان الأمر فى أشد الخطورة فإنه يهرب وحده, ويترك حتى أولاده. أمّا آيات سورة (المعارج) فأسلوبها تنازلى, فهى تتحدث عن حال الإنسان حين معاينته لِما سيقع عليه من العذاب, بدليل قوله تعالى: {يَفْتَدِي} والإنسان حين يتعرض للعذاب, يقدم ما فى يده أولاً, ليكون فداءه, بغير تفكر ولا تعقل, من هول ما ألمَّ به, ثم يبحث عن شىء آخر ليقدمه, ومعلوم أن ما يكون فى يد الإنسان هو أغلى ما عنده, وليس عند الإنسان أغلى من أولاده, فلذلك يبدأ بهم أولاً. فمثلاً: لو أنك فوجئت بمن يريد قتلك, وكان معك مبلغ من المال, فأول شىء تفعله, هو أن تلقى له ما فى يدك من مال, لتكفّه عنك, فإن أصر على قتلك, فإنك تعرض عليه أن يأخذ شيئاً آخر, ثم شيئاً آخر… وهكذا, ولكن هذا المثل مع الفارق العظيم, فليس مثل عذاب يوم القيامة عذاب, والله أعلم.

س242- إن فى القرآن آيات يتناقض بعضها مع بعض, مثل قوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} [يونس:64] {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27] ثم قوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} [النحل:101]

ج242- إن الكلمة غير الآية, فقوله تعالى: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} و{لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} أى لا تبديل لسنن الله فى كونه, ولا تبديل لإرادته وقضائه وقدره, وذلك مثل ما كتبه علينا من الحياة والموت, والصحة والمرض, والفقر والغنى, والبعث والحساب… إلخ. أمّا {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} فهى شرائع وأوامر ونواهٍ, يبدِّلها الله كيف يشاء, وذلك مثل قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [البقرة:284] حين بدلها بقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286] وذلك عندما امتثل الصحابة y لأمر الله ورسوله r {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] وقد تكلمنا عن موضوع النسخ فى القرآن فى الرد على الشبهة رقم (31) وبالله التوفيق.

ولقد جاء فى كتابكم المقدس أن معبودكم لم يأتِ لينقض الناموس (أى شريعة سيدنا موسى, على نبينا وعليهما الصلاة والسلام) ولكن ليكمله, فقال: لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئتُ لأنقض بل لأكَمِّل. فإنى الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. (متى5: 17-18) ثم يأتى فى الإصحاح نفسه وينسخ كثيراً مما جاء فى الناموس, فيقول: لقد سمعتم أنه قيل كذا (أى فى العهد القديم) وأنا أقول كذا, وفى موضع آخر ينسب الكذب للأنبياء, فيقول: احترزوا من الأنبياء الكَذَبَة الذين يأتونكم بثياب الحِملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. (متى7: 15) فكيف يكذبهم, وهو الذى قال فى الفقرة الأولى إنه ما جاء لينقض الناموس أو الأنبياء؟, والله أعلم. 

س243- يقول القرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ثم يناقض نفسه فيقول: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]

ج243- إن الآيتين ليس بينهما أى تناقض, فالأولى تعنى حفظ القرآن من التحريف, أو التبديل, أو الزيادة والنقصان, كما حدث فى الكتب السابقة. أمّا الآية الثانية فقد تكلم الله سبحانه وتعالى فيها عن مَحْو بعض الأقدار أو إثباتها, كإثبات النعمة أو زوالها, كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53] وكإثبات البلاء أو رفعه, كما قال رسول الله r: ((لا يُغنى حَذَر من قَدَر, والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل, وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)) [صحيح الجامع:7739] فالله سبحانه وتعالى قد يعزّ ذليلاً ويذلّ عزيزاً, وقد يُغنى فقيراً ويُفقر غنياً, أو يشفى مريضاً ويُمْرض سليماً… إلخ, فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]

وقد جاء فى الكتاب المقدس تناقض بين كونه لا يمكن تحريفه, وبين احتمال تحريفه, فيقول: فإنى الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. (متى5: 18) ثم يقول: لأنى أشهد لكل من يسمع أقوال نبوَّة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوَّة يحذف الله نصيبه من سِفْر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب (رؤيا يوحنا22: 18-19) وهذا ما خُتِمَ به الكتاب المقدس فى آخر صفحة منه, والله أعلم.

س244- يقول القرآن: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ} [الأعراف:127] إن هذا معناه أن التذبيح كان بعد مجىء موسى بالرسالة, ثم يقول: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ} [القصص:4] أى أن التذبيح كان قبل رسالة موسى, فما هذا التخبط؟ 

ج244- إن التذبيح كان قبل رسالة سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وبعدها, بدليل قول الله تعالى: {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف:129] وقد كان التذبيح قبل رسالته – كما نعلم – لخوف فرعون من الرؤيا التى رآها, والتى أوَّلَها له جلساؤه بأن زوال مُلْكه سيكون على يد أحد أبناء بنى إسرائيل. أمّا التذبيح الثانى فكان استمراراً للأول, بل كان أشد منه, كمن يُحكَم عليه بقضاء عدة سنوات فى السجن, ثم حين يُعرَض على القاضى مرة أخرى عند نهاية المدة التى قضاها فى السجن, يأمر بتمديد حبسه لمدة أطول من الأولى. فالتذبيح الأول كان فرعون يأمر به عاماً ويترك عاماً, أمّا بعد رسالة سيدنا موسى, فقد تكبر فرعون وطغى وتجبر, وأمر جنوده بتذبيح أبنائهم كل عام.

وبمناسبة التذبيح (مع الفارق) فقد جاء فى الكتاب المقدس تناقض بين أمر الرب بعمل مُحْرَقات وذبائح خَطِيَّة, وعدم الأمر بها, ونحن لا نستطيع ذكر جميع النصوص التى وردت بها المحرقات وذبائح الخطية لكثرتها (وخصوصاً فى سفر اللاويين) ونكتفى بذكر واحد منها, ثم نتبعه بنقيضه:

وفى اليوم الثامن دعا موسى هَرُون وبنيه وشيوخ إسرائيل وقال لِهَرُون خُذ لك عِجْلاً ابن بقر لذبيحة خَطِيَّة وكبشاً لمحرقة صحيحين وقدمهما أمام الرب… وتقدِمَة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءى لكم… ثم قال موسى لِهَرُون تقدم إلى المذبح واعمل ذبيحة خطيَّتك ومُحْرَقتك وكفَّر عن نفسك وعن الشعب واعمل قربان الشعب وكفَّر عنهم كما أمر الرب… وغسِّل الأحشاء والأكارع وأوقدها فوق المحرقة على المذبح… وأما الصدران والساق اليمنى فرددها هَرون ترديداً أمام الرب كما أمر موسى… فتراءى مجد الرب لكل الشعب وخرجت نار من عند الرب وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم. فرأى جميع الشعب وهتفوا وسقطوا على وجوههم (لاويين: الإصحاح9)

هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل. ضُمُّوا مُحْرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحماً. لأنى لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة مُحْرقة وذبيحة. بل إنما أوصيتهم بهذا الأمر قائلاً اسمعوا صوتى فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لى شعباً (إرميا7: 21-23), والله أعلم.

س245- إن القرآن يعطى معلومات مختلفة عن خلق الإنسان, فمرة يقول إنه خلق من {تُرَابٍ} [الحج:5] ومرة من {حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر:28] ومرة من {طِينٍ لَّازِبٍ} [الصافات:11] ومرة {مِن نُّطْفَةٍ} [يس:77] ومرة {مِّن مَّاء مَّهِينٍ} [المرسلات:20] فما كل هذا التخبط؟

ج245- إن هذا ليس من التخبط فى شىء, ولكنه عرض لصور مختلفة من أطوار خلق الإنسان, كما قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:14] فقد كانت بداية خلق الإنسان من التراب الذى مُزجَ بالماء فصار طيناً {طِينٍ لَّازِبٍ} ثم تجمد هذا الطين, وجُعِلَ فيه تجويف من الداخل, فأصبح كالفخار {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:14] وكان هذا الفخار متغير الرائحة {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر:26] ثم نفخ الله فيه من روحه فأصبح إنساناً سوياً, وهو سيدنا آدم (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) ثم جاء نسله بعد ذلك من {مَّاء مَّهِينٍ} وقد اكتشف العلماء أن عناصر التربة نفسها موجودة فى الإنسان, وهى الحديد, والماغنسيوم, والبوتاسيوم, والصوديوم, والكالسيوم… إلخ, مما يؤيد خلقه منها, حتى إنهم اكتشفوا أن نسبة المواد الصلبة فى الإنسان إلى الماء كنسبة اليابسة إلى الماء على وجه الكرة الأرضية. أما مراحل تكوين خلق الإنسان فى بطن أمه, فقد ذكرت فى قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ{12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12-14] (وقد تكلمنا عن هذه الآية ومطابقتها للعلم فى الرد على الشبهة رقم (28) وبالله التوفيق) وبعد موت الإنسان يرجع إلى أصل تكوينه, لأن أى بناء يُبنَى من أسفله إلى أعلاه, ولكن عند هدمه يُهدم من أعلاه إلى أسفله, وهذا ما يحدث فى الإنسان, فإن بداية خلقه كانت من التراب, وآخر شىء كان نَفْخ الروح فيه, فعند موته تخرج روحه أولاً, ثم ينتفخ وتتصلب أعضاؤه كالفخار, وتتغير رائحته كالحمأ المسنون, ثم تتفتت أنسجته ويتميَّع كالطين, ثم يصير تراباً, والله أعلم.  

س246- إن القرآن يقر بأن إبراهيم كان مشركاً, فقد ذكر قوله: {هَـذَا رَبِّي} على الكوكب والقمر والشمس, فى الآيات (76-78) من سورة (الأنعام) فى حين أنه يمدحه فى آيات كثيرة, فكيف يثنى عليه والشرك عندكم أعظم الذنوب بنص القرآن؟

ج246- كيف نرد على من اتهم سيدنا إبراهيم بالشرك, وهو أبو الأنبياء, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ وهل يُعقل أن يصفه القرآن بالشرك, بعد أن وصفه بقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]؟ إن ما جاء فى الآيات الكريمات من سورة (الأنعام) هو من باب مجاراة الخصم فى الحجة, فهو يستدرج قومه ليؤمنوا بالله سبحانه وتعالى, ولكن بأسلوب مُشوِّق, يأخذ بأيديهم خطوة خطوة, ليصل بهم إلى التوحيد, بدليل قول الله تعالى بعد سرد قصة محاورته مع قومه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:83] فهى حجة آتاها الله سيدنا إبراهيم على قومه, فكيف يؤتيه إياها, ثم يصفه بالشرك من أجلها؟ إن هذا الأسلوب الذى أُوتِيَه سيدنا إبراهيم فى الإقناع, لم يأتِ فى هذه الآيات وحدها, بل جاء ما هو مشابه له فى آيات أخرى, كما حدث عندما كسر أصنامهم, وقالوا له: {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:62] فأشار بإبهامه إلى أكبر أصنامهم, وقال لهم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} ليثوبوا إلى رشدهم, وليعلموا أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر, وقد أقنعهم بذلك فعلاً, بدليل قول الله تعالى: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} ولكن بعد اقتناعهم, أصروا على كفرهم {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} وأمروا بحرقه {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} فأنجاه الله سبحانه وتعالى من النار {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}

وجدير بالذكر هاهنا أن نذكر تناقضاً ورد فى الكتاب المقدس بشأن سيدنا إبراهيم, على نبينا وعليه الصلاة والسلام: فدعا إبراهيم ذلك الموضع يهوه يَرأَه. حتى إنه يُقال اليوم فى جبل الرب يُرى (تكوين22: 14) ثم كلم الله موسى وقال له أنا الرب. وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحَق ويعقوب بأنى الإله القادر على كل شىء. وأما باسمى يهوه فلم أُعرَف عندهم. (خروج6: 2-3) إن النَّص الأول يثبت لسيدنا إبراهيم أنه عرف ربه باسم (يهوه) وأنه سمى المكان الذى أُمِرَ فيه بذبح ابنه (يهوه يَرأه) أمّا النَّص الثانى فقد نفى عنه معرفة ربه بهذا الاسم, والله أعلم.

س247- يتناقض القرآن مع نفسه فيقول: {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [الروم:26] ثم يقول: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنعام:116] ويتحدث فى آيات كثيرة عن قصص الكافرين والمكذبين لرسلهم, فكيف يقنت ويخشع له كل من فى السموات والأرض, وقد كفر به هؤلاء؟

ج247- إن كلمة {قَانِتُونَ} ليست بمعنى (مؤمنون) أو (طائعون) ولكنها بمعنى (خاضعون) أى خاضعون لإرادته رغماً عنهم, فالمؤمن والكافر, والمطيع والعاصِى, والبَرّ والفاجر, لا يستطيعون الخروج عن مشيئته سبحانه وتعالى, فهم مقهورون على كثير من الأشياء, لا يستطيعون تغييرها. فمثلاً: هل يستطيع أحد أن يغير شيئاً فى خِلْقته, سواء كان لون بشرته, أو طوله وقِصَرَه, أو قسمات وجهه؟ هل يستطيع أن يتحكم فى ضربات قلبه, أو نفَسِه, أو حركة أمعائِه؟ هل يستطيع ألا يمرض, أو يموت, أو تصيبه الشيخوخة… إلخ؟ أما كونه كافراً أو عاصياً, فلأنه مخير بين الإيمان والكفر, وبين الطاعة والمعصية, ليُجازَى يوم القيامة بعمله, أما لو كان مجبراً على الطاعة (كالملائكة) فكيف يكون اختباره إذن؟ إن الملائكة وجميع المخلوقات – عدا الإنس والجن – مجبولون على الطاعة, لا يستطيعون الخروج عنها, ولا الفكاك منها, ولذلك فليس لهم جنة أو نار, أما الإنس والجن فهم المعنيون بالتكليف, والثواب والعقاب, إذن فالآية الأولى تتكلم عن الأشياء التى جُبِل الإنس والجن عليها, ولا اختيار لهم فيها, والله أعلم.

س248- إن القرآن يتناقض مع نفسه, فيقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] أى أن فرعون ادَّعى الألوهية, ثم يثبت فى آية أخرى أن فرعون نفسه كان له آلهة أخرى, فيقول: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف:127] 

ج248- قال بعض المفسرين: إن معنى الآية الثانية (ويذرك وعبادتك) أى أنهم سيتركونه ويتركون عبادته, كما قرأها على بن أبى طالب, وعبد الله بن عباس y {ويذرك وإلاهَتك} أى (وألوهيتك) وقال بعضهم: إن فرعون صنع لهم أصناماً صغيرة, وأمرهم أن يعبدوها لتقربهم إليه, وكأنه صنع هذه الأصنام على صورته, لتذكرهم به ويعبدوه فى كل مكان, ولذلك قال لهم: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] أى أنه أعلى من كل هذه الأصنام.

ومن يطَّلِع على التاريخ المصرى القديم, ويدرس ديانة الشعب وفراعنته, يجد كثيراً من المعبودات والتماثيل والطقوس والرموز والمعابد لها فى كل أقليم ولكل موسم ولكل مناسبة, ولما أراد بعضهم ضمها وتوحيدها ظهرت لهم معبودات أكبر مثل: (آمون) و(آتون) و(رَعْ) وقد ادَّعى فرعون أنه ابن الإله, ثم ادَّعى أنه هو الإله نفسه, ووافقه الكهنة, والله أعلم.

س249- يتناقض القرآن مع نفسه فى مسألة فرعون, فمرة يثبت أنه نجا, فيقول: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ومرة يثبت أنه غرق فيقول: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص:40]

ج249- هل قال الله سبحانه وتعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} وانتهى الأمر؟ أم أنه قيَّدها بقوله: {بِبَدَنِكَ}؟ إن فرعون قد أغرقه الله جل وعلا, ولكنه أمر البحر أن يطرد جثته على الشاطئ, لتكون عبرة لمن جاء بعده, بينما اختفت جثث جيشه ودوابِّهم, وهو معنى قوله تعالى: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} وقد أثبتت الأبحاث العلمية التى أُجْرِيَت على موميائِه أنه مات غرقاً, وقد ذكرنا بعض آيات الله سبحانه وتعالى فى نجاة جثة فرعون, فى الرد على الشبهة رقم (355) وبالله التوفيق.

وقد جاء فى الكتاب المقدس تناقض بين الأماكن التى مات فيها سيدنا هارون, على نبينا وعليه الصلاة والسلام:

ففعل موسى كما أمر الرب وصعدوا إلى جبل هور أمام أعين كل الجماعة. فخلع موسى عن هَرُون ثيابه وألبس العازار ابنه إياها. فمات هَرُون هناك على رأس الجبل. (عدد20: 27-28)

فصعد هَرُون الكاهن إلى جبل هور حسب قول الرب ومات هناك (عدد33: 38) يتضح من هذين النصَّيْن أن سيدنا هارون مات على جبل هور, ثم يأتى النَّص التالى فيقرر أنه مات فى موسير, وعلى هذا يكون قد مات مرتين فى مكانين مختلفين:

وبنو إسرائيل ارتحلوا من آبار بنى يعقان إلى موسير. هناك مات هَرُون (تثنية10: 6), والله أعلم.

س250- يقول القرآن: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] ثم يناقض نفسه, فيقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] فهل العزة لله, أم له ولرسوله وللمؤمنين؟

ج250- إن العزة لله سبحانه وتعالى, ولكنه يعز من يشاء ويذل من يشاء, يعز أولياءه ويذل أعداءه {وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} [آل عمران:26] فعِزَّة الرسول r وأتْباعه من عِزَّة الله جل وعلا, أى أنه هو الذى وهبها لهم, والله أعلم.

‌س251- يقول القرآن إن نوحاً دعا على قومه فأغرقهم الله, فى حين أنه يعكس ترتيب الأحداث, فيقول: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً{25} وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:25-26] فكيف يغرقهم ربهم, ثم يدعو عليهم نبيهم؟

ج251- إن هذا ليس ترتيباً زمنياً للأحداث, ولكنه ترتيب حسب أهميتها, كما ذكرنا مثل ذلك فى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ} [الرحمن:1-3] (فى الرد على الشبهة رقم 463) فالله سبحانه وتعالى أغرق قوم نوح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – بسبب خطيئاتهم {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} وكان هذا جزاؤهم المقدَّر عنده جل وعلا, سواء دعا عليهم نوح أو لم يَدْعُ, ثم جاء ذكر دعائه عليهم, رغم أنه حدث قبل إغراقهم, ولو جاء قبله لظننا أن إغراقهم كان بسبب هذا الدعاء. وقد كانت سُنَّة الله فى الأمم السابقة أن يهلكهم إن لم يؤمنوا بأنبيائهم, كما فعل مع قوم هود, وصالح, ولوط, وغيرهم, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40], والله أعلم.

س252- يقول القرآن: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64] إن هذا معناه أن الله لا ينسى, ثم تأتى الآيات التالية فتثبت له النسيان: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ} [الأعراف:51] {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة:14] {الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ} [الجاثية:34]

ج252- حاشا لله سبحانه وتعالى أن ينسى, لأن النسيان صفة نقص, وهو مُحال على الله جل وعلا, أما آيات (الأعراف) و(السجدة) و(الجاثية) فليس معناها أن الله سبحانه وتعالى ينسى الكفار بالمعنى المقصود فى السؤال, ولكن معناها أنه يعاملهم معاملة النّاسِى, أى أنه يهملهم ويتركهم فى جهنم (والعياذ بالله) ولا يستجيب لدعائهم, وتضرعهم, واستغاثتهم, وكأنه نَسِيَهُم, كما نسوا توحيده وأوامره ونواهيه فى الدنيا, بدليل أن كل آية بها ما يدل على هذا المعنى, فالآية الأولى تقول: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} والثانية تقول: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} والثالثة تقول: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} ولكن هل الكفار نسوا توحيد الله وأوامره ونواهيه بالمعنى الظاهرى, أم أنهم نسوها بمعنى أنهم لم يمتثلوا لها؟ فهى إذن معاملة بالمثل, وقد قلنا فى أكثر من إجابة إن هذا يسمى فى اللغة بالْمُشاكَلَة اللفظية. كما أن الذى ينسى نسياناً حقيقياً يخبر عن الشىء الذى نسِيَه بعدما يتذكره, ولكن الله سبحانه وتعالى يخبرهم أنه نسيهم, ولو كان المقصود من قوله جل وعلا هو الفهم الظاهرى للنسيان لَمَا قال لهم هذا, إذ كيف يقول إنه نسِيَهم وهو يخاطبهم؟ ولكنه – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – كمن يقول لمن يضعه فى السجن: (سأرميك فى السجن وأنساك) أى أنه لن يفرج عنه أبداً, والله أعلم.

س253- يتناقض القرآن مع نفسه, فيقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] ثم يقول عن آدم وزوجته: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة:36] ويقول عن موسى: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص:15] ويقول لنبيكم: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [الأعراف:200] إن هذه الآيات تثبت سلطان الشيطان على هؤلاء الأنبياء.

ج253- إن هذا لا يعتبر سلطاناً على الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم) لأن السلطان المنفى عن الشيطان على عباد الرحمن هو سلطان الغِواية والضلال, كما قال تعالى حكاية عن إبليس: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{39} إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:39-40] ولكن لا مانع من وسوسته للمؤمنين بفعل بعض الصغائر, أو بصرفهم عن عظيم الطاعات إلى ما هو أقل منها, لأنه لا يجرُؤ أن يوسوس لهم بالكفر, أو الشرك, أو الكبائر, ولكنهم فى الغالب لا يطيعونه حتى فى الصغائر, وإن أطاعوه فسرعان ما يستغفرون الله جل وعلا.

وقد جاء فى الكتاب المقدس تناقض فى من حرَّض سيدنا داود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – على محاربة إسرائيل, إذ يقول:

وعاد فحمى غضب الرب على إسرائيل فأهاج عليهم داود قائلاً امضِ وأحصِ إسرائيل ويهوذا. (صموئيل الثانى24: 1) ثم يقول:

ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى إسرائيل. (أخبار الأيام الأول21: 1)

فالنَّص الأول يقول إن الله سبحانه وتعالى هو الذى جعل داود يحارب إسرائيل, والنَّص الثانى يقول إن الشيطان هو الذى أغواه حتى يحاربهم, والله أعلم.

س254- يقول القرآن: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] بينما يقول فى آية أخرى: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] إذن الأمر غير واضح فى مسألة الحساب, فهل تُقرأ الأعمال يوم القيامة أم تُرى؟

ج254- إن الأعمال يوم القيامة تُرى وتُقرأ, ولقد استطاع الإنسان فى العصر الحديث أن يسجل كل شىء بالصوت والصورة, ألا يستطيع من وهبه العقل أن يفعل ذلك؟ أيعطيه السمع وهو لا يسمع؟ أيعطيه البصر وهو لا يبصر؟ أيعطيه العلم وهو لا يعلم؟ وهل هذا يُعقَل؟ إن فاقد الشىء لا يعطيه, قال تعالى حكاية عن الكفار: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] ولكن هناك أمراً هاماً.. فقد يرى العبد فى كتاب أعماله يوم القيامة أنه يصلى, أو يحج, أو يجاهد… إلخ, ولكن الصورة فى هذه الحالة لا تُغنى, فقد يكون الذى رآه من طاعة كان رياءً أو نفاقاً, ولكن المقروء هو الأخطر, لأنه لابد أن يصدِّق المقروء المنظور فى أن هذه الطاعة كانت خالصة لله, أما إذا كان المقروء مخالفاً للمنظور, فقد يكون المنظور وَبالاً على صاحبه, لأنه يرى ما فعل أنه كان لغير وجه الله, فلا يُثاب عليه. ومن البديهى أن من يقرأ لابد له أولاً أن يرى ما يقرؤه, أما إذا لم يره فلا يستطيع إذن أن يقرأه, وصدقت الأيتان بما فيهما من الرؤية ثم القراءة, والله أعلم.

س255- ينفى القرآن أنه بُعِثَ من النساء أنبياء أو رُسُل, فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:109] وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل:43] و[الأنبياء:7] ثم ناقض نفسه, فقال:  {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى} [طه:38] وقال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:7]

ج255- نود أن نسألكم.. حينما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68] فهل اتخذ من النحل أنبياء ورسلاً؟ وحينما قال عن الأرض: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:5] فهل أصبحت الأرض نبية أو رسولة؟ إن الله سبحانه وتعالى لم ينفِ الوحى عن غير الرجال, ولكنه نفى الرسالة, فارجعوا إلى الآيات التى ذكرتموها, فستجدوها قالت: {وَمَا أَرْسَلْنَا} ولم تقل (وما أوحينا) أمّا الوحى الذى أوحاه الله لأم سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فهو وحى إلهام وتوفيق, وليس وحى رسالة, وأما النحل والأرض فوحيهما وحى أمر وقهر. وقد شاع بين الفلاسفة, والحكماء, والأطباء, وأهل التربية والتدريب, ما يُعرف بفن (الإيحاء) فى العلاج, والتأثير النفسى, على نطاق واسع, ووجدوه وحى إلهام, تصنعه قوة وجاذبية عند شخصية من يمارسه, ويتم بوسائل سمعية, أو بصرية, أو عقلية, وحتى بالتنويم والتخدير {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}, والله أعلم.

س256- يقول القرآن: {قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] ويقول: {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً} [النساء:42] فالآية الأولى معناها أن المشركين يكذبون على الله, والثانية معناها أنهم لا يكذبون عليه, فما هذا التناقض؟

ج256- المشركون حين يرون أهوال يوم القيامة, ويعلمون أنهم كانوا على الباطل, وأن المؤمنين كانوا على الحق, يحاولون أن يكذبوا على الله جل وعلا حتى ينجيهم, فيقولوا: {وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وهم أغبياء فى ظنهم هذا, لأن الله عز وجل {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ:3] والله سبحانه وتعالى قد بين فى الآية التى تليها من سورة (الأنعام) أنهم بفعلهم هذا قد كذبوا على أنفسهم, فقال: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وحين كذبوا على أنفسهم, وأنكروا أنهم كانوا مشركين, ختم الله على أفواههم, وأنطق جوارحهم بما كانوا يفعلون, كما قال جل وعلا: {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:20] ونُطْق جوارحهم بأعمالهم تأويل لقوله تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً} وهذا المعنى قد وضحه رسول الله r فى قوله: ((يقول العبد يوم القيامة: يا رب ألم تُجِرْنى من الظلم؟ فيقول: بلى, فيقول: إنى لا أُجيزُ على نفسى إلا شاهداً منى, فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً, فيختم على فِيهِ, ويقال لأركانه: انطقى, فتنطق بأعماله, ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام, فيقول: بُعداً لكُنَّ وسُحقاً, فعنكن كنت أُناضل)) [صحيح الجامع:8134] والكذب على الله يوم القيامة ليس خاصاً بالكافرين, بل يشمل المنافقين أيضاً, كما حكى عنهم القرآن فى قوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة:18], والله أعلم.

 

30 تعليق to “زعم تناقض القرآن مع نفسه”

  1. ماجد Says:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الهادي الامين وبعد
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    بارك الله فيكم على جهودكم الطيبة المباركة وجعلها في ميزان حسناتكم
    الحقيقة ان الموقع جميل جدا جدا ويجيب على كثير من الاسئلة التي تكون عالقة في الذهن ولكي لي تعليق ارجو ان تأخذوه على محمل الجد وهو ان الاسئلة غير مرتبة فيا حبذا لو انها تصيف مثلا كل اية ترجع الى السورة التي منها سورة البقرة توضع كل الاسئلة المتعلقة بسورة البقرة ولاسئلة المتعلقة بسورة النساء توضع على شكل ملف ورد وهذا افضل للقارئ بدل من ان يبحث ساعات وساعات في سوال واحد وجزاكم الله خيرا عنا كل الجزاء

  2. islamdefence Says:

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    وأنت يا أخى جزاك الله خيراً وبارك فيك وفى جميع المسلمين
    أنا يا أخى لا أستطيع تغيير أى شىء فى نظام أو ترتيب الأسئلة
    لأننى نقلتها عن كتاب الشيخ (محمد ياسين) كما هى
    ولكنى أتعجب من قول سيادتك: إن القارئ يبحث ساعات وساعات فى سؤال واحد
    فإن اسم السُّوَر وأرقام الآيات موجود بجانب الآيات المُستَشهد بها
    كما أن الآيات التى يُظَن أنها متناقضة موجودة فى أكثر من سورة
    بمعنى أن الآيات الموجودة فى سورة (البقرة) مثلاً, يُظَن أنها متناقضة مع آيات فى سُوَر أخرى
    ولذلك يحتار المؤلف أين يضعها؟ هل فى سورة (البقرة) أم فى غيرها؟
    أرجو أن أكون قد وُفِّقتُ فى توضيح رأيى
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  3. خالد حجازي Says:

    جزاكم الله خيرا

  4. خالد حجازي Says:

    لاحظت ان جميع الشبهات ناتجة من جهل اللغة العربية أو اقتطاع الاية من السياق الموجود في السورة

    • islamdefence Says:

      وأنت يا أخى جزاك الله خيراً
      إن معظم الشبهات الموجّهة للإسلام أو القرآن أو الرسول (صلى الله عليه وسلم) ناتجة عن قصور فى الفهم أو التدليس على المسلمين, وليست هذه الشبهات فقط, ولكن ماذا نعمل؟ لابد أن نجاوب على كل الشبهات حتى لا يُظَن بنا أننا نهرب ولا نستطيع أن نجاوب

  5. خالد حجازي Says:

    شكرا يا أخي أسال الله ان يزيدك من علمه

  6. خالد حجازي Says:

    عسى ان تكرهوا شيئا و هو خيرا لكم
    نعم يا أخي العزيز هناك العديد من الشبهات السخيفة بحق القران و لكن هل تعلم ان الرد باسلوب دقيق على شبهاتهم اتاح لقراء هذه الشبهات تفسير اعمق للقران الكريم

  7. islamdefence Says:

    كلامك صحيح يا أخى – بارك الله فيك – بل إن الأكثر من ذلك أن هذه الشبهات أيقظت كثيراً من المسلمين على ما يريده منهم أعداؤهم , وفتحت عيونهم على ما فى كتابهم المقدس , فاستخرجوا منه ما يهدم عقيدتهم , وواجهوهم بما فيه من تناقضات وتحريف وألفاظ فاحشة , فانقلبت الطاولة عليهم , وبدأوا يحصدون ما زرعوه للمسلمين , والحمد لله رب العالمين

  8. خالد حجازي Says:

    السلام عليكم عندي سؤال
    كيف أستطيع الوصول الى الاسئلة الغير موجودة
    ؟
    جزاكم الله خيرا

  9. islamdefence Says:

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    وأنت يا أخى جزاك الله خيراً
    يمكنك يا أخى أن تبحث فى النت عما لا تجده هنا
    أو تسأل عنه العلماء
    أو ترسله إلىَّ لعل الله أن يوفقنى فى الإجابة عليه
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  10. خالد Says:

    ليست عندي اي سؤال و لكني استفيد
    من ردودكم على الشبهات في ما يتعلق من شرح بعض الايات او الاحاديث
    شكرا لك جزاك الله خيرا

  11. متدبر Says:

    المتدبرون ورؤية الجنة

    http://tadabbor.com/nhayat/media/18/?p=2

    منقول من موقع الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم

  12. ilham othmany Says:

    إني أود أن
    أترجم مقالاتكم
    إلى اللغة المالزية على
    ما استطعت لينتفع بها الذين لم يحسنوا اللغة العربية كما ينتفع بأصلها.هل تأذن لي على ذلك؟

    • islamdefence Says:

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاك الله خيراً على هذا الطلب
      وإننى لست آذن لحضرتك وحدك بالترجمة
      بل إننى آذن لك مسلم يريد الترجمة لأى لغة , ويكون مشكوراً , وجزاه الله خيراً
      ومعذرة على تأخرى فى الرد , فقد كانت النت مقطوعة منذ عدة أيام

  13. ilham othmany Says:

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    شكرا لكم على إجازتكم إياي أن أترجم مقالاتكم نفع الله بهن لي ولكم ولجميع الناس أجمعين

  14. ماجد Says:

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الهادي الامين وبعد

    بداية اتقدم بشكر الجميل للاخوة ادارة الموقع الجميل والشكر الجميل للاستادذ زغلول ولي اقتراح وهو ان تكون الاسئلة مرتبة على شكل سورة مثلا السؤال المتعلق بسورة البقرة يوضع في ملف سورة البقرة والسوال المتقلق بسورة النساء يوضع في ملف سورة النساء وهكذا حتى يسهل على السائل ان يختار من الاية التي يريدها الا ان يبحث في كل الاسئلة عن سؤال ويمضي ساعات وقد لا يجده وبارك الله فيكم

    • islamdefence Says:

      جزاك الله خيراً يا أخى وبارك فيك وفى جميع المسلمين
      إن الترتيب الذى تقترحه حضرتك موجود فى ملف اسمه: (شبهات زائفة حول سُوَر القرآن) وذلك بالنسبة للشبهات المتعلقة بآيات من سور القرآن غير مرتبطة بسُوَر أخرى
      أما الشبهات التى تزعم تناقض القرآن مع نفسه فكيف توضع فى الملف السابق ؟
      والذى أقصده هو أن أى سؤال يزعم تناقض القرآن مع نفسه لابد أن يشتمل على آيتين على الأقل , وفى الغالب تكون الآيتان فى سورتين مختلفتين , ففى هذه الحالة تحت أى سورة نضع السؤال ؟
      وكذلك الحال فى زعم تناقض القرآن مع السنة , أين نضع الشبهة ؟ هل نضعها مع الآية أم مع الحديث ؟
      ولسهولة البحث يا أخى يمكنك قراء الفهرس أولاً
      وفقنى الله وإياك والمسلمين لما يحبه ويرضاه
      والسلام عليكم ورحمة الله

  15. said Says:

    really good ma cha allah

  16. ahmed Says:

    جزاك الله خيرا اخى الكريم وجارى النشر على قدر استطاعتى
    ولكن اذا اردت الاسئله الماضيه اين اجدها
    يعنى مثلا فى هذه الصفحه معروض امامى من السؤال187 اذا اردت السؤال الاول اين اجده؟
    وشكرا جزيلا لك وبارك الله فى جهدك ورحم والديك وهدى بك واثقل بهذا العمل فى موازين حسناتك

  17. غير معروف Says:

    بارك الله فيك وأسأل الله ان يغفر لك ولنا وان يرفع من شأنك
    شـــــــكرا

  18. mostafa Says:

    بارك الله فيك وأسأل الله ان يغفر لك ولنا وان يرفع من شأنك
    شـــــــكرا

  19. غير معروف Says:

    الرجاء وضع الاسئلة من 1 : 186 لاننى لا استطيع الوصول اليها : وبارك الله فيكم

  20. أحمد الصاوى Says:

    الرجاء اعادة نشر الاسئلة من 1 : 186

  21. rama Says:

    مقال في قمة الروعة .. هل يوجد له ترجمة للغة الألمانية أو الإيطالية أو الإنكليزية

اترك رداً على خالد حجازي إلغاء الرد