شبهات حاقدة حول الرسول صلى الله عليه وسلم


س108- إن محمداً أول من خالف أحكام القرآن فى الزواج, فقد أباح القرآن للمسلم أن يتزوج أربعاً, ولكن محمداً كان شهوانياً محباً للنساء, فكسر القاعدة وتزوج تسع نسوة, والغريب أن القرآن يصفه بأنه {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]

ج108- أما لماذا لم يتقيد الرسول r بأربع؟ فلأن آية تحديد الزوجات نزلت ومعه تسع نساء, فَلِمَ لم يطلق الزيادة؟ لأن الله عز وجل حرم زوجاته على المؤمنين, لأنهن أمهاتهم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] وفى السورة نفسها {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} [53] فإذا طلقهن فأين يذهبن؟ هل ترضون هذا لبناتكم وأخواتكم وأمهاتكم؟ ولأسباب أخرى كثيرة, فلو طلقهن فإن هذا يحزنهن, ويوغر صدور أهلهن, بل وقبائلهن. ربما يقول قائل: إن هذا الكلام ينطبق على أى مسلم إذا طلق زوجته, فإن هذا يحزنها ويوغر صدور أهلها, نعم.. ولكن الرسول r يختلف عن بقية المسلمين, لماذا؟ لأن الغضب أو الضيق من أى مسلم يكون قاصراً عليه, أما الرسول r فالضيق منه, أو الغضب عليه, يغضب الله عز وجل, فضلاً عن كونه صدّاً عن سبيل الله. أما لماذا تزوج بأكثر من واحدة؟ فإن هذا كان بأمر الله, ولأسباب شرعية, ولْنسأل هؤلاء المغرضين: أتزيد الشهوة أم تنقص مع تزايد العمر؟ فلو كان شهوانياً لِمَ لَمْ يعدِّد فى صِباه؟ إن الرسول r ظل ممسكاً على واحدة, وهى السيدة خديجة – رضى الله عنها – خمسة وعشرين عاماً, هى سنوات شبابه وفتوَّته, وكانت تكبره بخمس عشرة سنة, ولم يتزوج إلا بعد وفاتها, وبعد أن صار عنده 53 عاماً, وكان منشغلاً بتبليغ الدعوة, وقيام الليل حتى تتفطّر قدماه, والجهاد فى سبيل الله, واستقبال الوفود, والتصدى لمؤامرات اليهود والمنافقين والقبائل المجاورة, وغير ذلك مما لا يقدر عليه أحد, لولا أن الله أعانه, فبربكم.. أمَعَ كل هذه الأعباء فى هذه السن يتبقى له وقت أو جهد للتمتع بالنساء؟ هذا فضلاً عن حياة الزهد التى كان يحياها, حتى إنه كان يربط على بطنه حجرين من الجوع, وتمر ثلاثة أَهِلَّة ولم يُوقَد فى بيته نار (صلوات ربى وسلامه عليه) وفضلاً عن كثرة صيامه, حتى إنه نهى أمته عن صيام الوِصال, ويصوم هو لمدة ثلاثة أيام متواصلة, فهل هذا يُبقى له شهوة؟ وهل الشهوانى يختار صغيرات السن أم العجائز؟ وهل يختار البكر أم الثيّب؟ إن نساء رسول الله r – رضى الله عنهن – كن كلهن كبيرات السن, ماعدا السيدة عائشة, حتى إن بعضهن كنَّ أسَنّ منه, وهن السيدة خديجة, والسيدة سودة, والسيدة زينب بنت خزيمة, وكن كلهن ثيبات, ماعدا السيدة عائشة. ومعلوم أن الرجل الشهوانى يحب من زوجته أن تتزين, وتلبس له أجمل الثياب, فهل هذا كان متاحاً لهن؟ إنهن حين طلبن زيادة النفقة, أمره ربه أن يخيّرهن بين الطلاق, أو البقاء معه على حياة الزهد والتقشف, فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28-29] فاخترن كلهن الله ورسوله والدار الآخرة, فرضى الله عنهن وأرضاهن. لقد كانت كل زيجة لها أسبابها الخاصة, وكانت بأمر الله عز وجل, فمثلاً: السيدة سودة بنت زمعة, مات عنها زوجها, وكان أهلها مشركين, وكان عمرها حينئذ ستة وستين عاماً, أتُترَك للضياع, أم لأهلها المشركين؟ وهل زواج الرسول بها يُعَد شهوة, وهى تكبره بحوالى خمسة عشر عاماً؟ والسيدة عائشة رأى فى المنام أنها زوجته, قال r: ((أُرِيتُكِ فى المنام مرتين, يحملك الملك فى سُرقة من حرير, فيقول هذه امرأتك, فأكشف عنها فإذا أنت هى, فأقول: إن يكن هذا من عند الله يُمْضِه)) [صحيح الجامع:915] وكان زواجه منها هى والسيدة حفصة إكراماً لهما ولأبويهما, فقد كانا وزيريه, وكان زواجه من بنتيهما يتيح لهما التردد عليه وزيارته بغير حرج. أما السيدة أم سلمة, واسمها (هند بنت أبى أمية بن المغيرة) فقد كانت من أصحاب الهجرتين (الحبشة والمدينة) وقد مات عنها زوجها أبو سلمة t وله من الفضل ما له, وكان فى حجرها يتامى يحتاجون للرعاية, فكان زواجه منها إكراماً لها على صبرها وسَبْقها فى الإسلام, وإكراماً لزوجها برعايتها بعده, ورعاية أولاده, فقد كان t يدعو الله أن يزوجها من بعده من هو خير منه. وحتى ندرك أنه r لم يكن شهوانياً, إنه فى ليلة زواجه منها لم يجد أبناءها, فسألها عنهم, فأخبرته أنهم ذهبوا لخالهم, فلم يرضَ بذلك, وأمرها بردِّهم, وقال: ((من فرَّق بين والدة وولدها, فرق الله بينه وبين أحِبَّته يوم القيامة)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:6412] وكان يلاطفهم, ويلاعبهم, ويضعهم على حجره, ويأكل معهم, صلوات ربى وسلامه عليه. أما السيدة أم حبيبة, واسمها (رملة بنت أبى سفيان) فقد ذاقت من أبيها وأخيها الويلات, وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة, وهناك تنصّر زوجها فأصبحت وحيدة, فبعث الرسول r للنجاشى أن يخطبها له إكراماً لها, فلو أنها رجعت لأهلها لساموها سوء العذاب. والسيدة زينب بنت جحش – بنت عمته – زوَّجها الله له لإنهاء التبنى الذى كان سائداً قبل الإسلام. والسيدة جويرية بنت الحارث كانت ضمن سَبْى غزوة بنى المصطلق, وأبوها الحارث بن أبى ضِرار زعيم القبيلة, فلما عاد الرسول r إلى المدينة, ذهب إليه أبوها ليفتديها بقطيع من الإبل, ولكنه عندما وصل إلى مكان يسمى (العقيق) نظر إلى الإبل فأعجبه منها اثنان, وضنَّ بهما على المسلمين, فغيّبَهما (خبَّأهما) ثم أتى الرسول r وقال: لقد سبيتم ابنتى وهذه الإبل فداؤها, فقال له الرسول r: ((أين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق فى شعب كذا؟)) فقال الحارث: والله ما شهد ذلك أحد, أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, فطلب منه أن يزوجها له, فزوجه إياها, فانظروا كيف كان إكرامها, وإكرام أبيها بعد إسلامه, بل وإكرام أهلها, ليس فقط أن يعتقها, بل أن يتزوجها خير خلق الله, صلوات ربى وسلامه عليه, وكانت بركة على قومها, فقد أعتق الصحابة y كل من فى أيديهم من أسرى بنى المصطلق (وكانوا نحو مائة) إكراماً لأصهار النبى r. والسيدة زينب بنت خزيمة كانت أسَنَّ منه, وكان زوجها قد استشهد فى غزوة أحد, ولم يكن لها أحد يؤويها, فتزوجها الرسول r وكانت تسمى (أم المساكين) لكثرة إنفاقها على الفقراء والمساكين. والسيدة صفية بنت حُيَىّ بن أخطب اليهودى, كانت قد سُبِيَت فى غزوة خيبر, التى قُتِلَ فيها زوجها وأبوها وأخوها وعمها, فحررها رسول الله r وتزوجها إكراماً لها ومواساة ورحمة. أمّا كيف تتزوجه بعد قتل كل هؤلاء؟ ذلك لأنها كانت قد رأت فى المنام أن القمر فى ليلة البدر وقع فى حجرها, وحين قصَّت الرؤيا على أهلها, لطمها عمها على وجهها, وقال لها: أتريدين أن تتزوجى نبى العرب؟ ولا يخفى أن زواجه من هؤلاء النسوة كان تودداً لأهلهن وقبائلهن, ليكون دافعاً لهم للدخول فى الإسلام. وهناك حكمة أخرى هى معرفة سيرته فى بيته, فإن الإنسان قد يبدو أمام الناس بمظهر العالِم العابد التقى الورع, ولكن لا يستطيع أن يفعل هذا فى بيته, فأعلم الناس به هى زوجته, ولم تكن واحدة تكفى لذلك, لأنها إن أخبرت عن سيرته العطرة, فربما كانت تُتَّهم بالتستر عليه لحبها له, أو تُتَّهم بانشغالها بأعباء الزوجية وشؤون البيت عن ملاحظة أحواله, أو بالنسيان, أما عندما تتواتر أخباره من عدة نساء (وخصوصاً أن لهن ضرائر) فإن هذا أبلغ فى التصديق, فمن طبيعة المرأة أنها تحب زوجها, وتستر عليه, طالما أنه لها وحدها, أمّا لو أن لها ضرائر, فإن هذا أدعى لبغضه, وإفشاء عيوبه, ولو بعد موته – كما يحدث بعد موت الرؤساء والزعماء – وخاصة ممن قُتِلَ من أهلها على يديه قبل إسلامها, كالسيدة صفية, والسيدة جويرية, أمَا وقد اجتمعن كلهن على مدحه, وأن سره مثل علانيته فى الصفاء والنقاء والتقوى, فإن هذا أدعى لتصديقهن, رضى الله عنهن وأرضاهن, ولو حدث أى شىء يخالف ذلك لأصبح شائعاً, كما شاعت القصة التى وردت فى سورة (التحريم) {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} إلى آخر الآية. كما أن كثرة بيوتات النبى r جعلت منها مصادر لنشر الدين والأخلاق والتشريع, وخاصة فى أمور النساء التى لا يعرفها الرجال.

وهؤلاء المغرضون الذين يقذفون بالتهم على سيد الخلق r يُقرُّون فى كتابهم المقدس أن أنبياءهم تزوجوا بعدد كبير من النساء, كما ورد فيه عن سيدنا داود (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) أنه تزوج نساء كثيرات: وَوُلِدَ لداود بنون فى حبرون. وكان بِكْرُه أمنون من أخينوعَمَ اليزرعيلية. وثانِيِه كيلآب من أبيجايل امرأة نابال الكرملى. والثالث أبشالوم ابن مَعكة بنت تلماى ملك جشور. والرابع أدونيّا ابن حجَّيث. والخامس شفطيا ابن أبيطال. والسادس يثرعام من عَجلة امرأة داود. هؤلاء ولدوا لداود فى حبرون (صموئيل الثانى3: 2-5) كما سُمِح له أن يتزوج بعدد غير محدود من النساء:  فقال ناثان لدواد أنت هو الرجل. هكذا قال الرب إله إسرائيل. أنا مسحتك ملِكاً على إسرائيل وأنقذتك من يد شاول وأعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك فى حِضنك وأعطيتك بيت إسرائيل ويهوذا وإن كان ذلك قليلاً كنت أزيد لك كذا وكذا. (صموئيل الثانى12: 7-8)

وجدعون كان نبياً باعترافهم, والدليل على نبوته ما جاء فى (قضاة6: 7-24) وقد تزوج بعدة نساء:

وكان لجدعون سبعون ولداً خارجون من صُلبه لأنه كانت له نساء كثيرات. وسَريَّته التى فى شكيم ولدت له هى أيضاً ابناً فسماه أبيمالك. (قضاة8: 30-31) (سَريَّته) معناها أمَته, أو جاريته.

ويكفى ما ورد فى كتابهم المقدس عن سيدنا سليمان, على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السرارى فأمالت نساؤه قلبه. (الملوك الأول11: 3) ولو كان هذا محرماً فى شريعتهم لحرمه عليهم أنبياؤهم.

ونقول لهؤلاء: إن تعدد الزوجات بالنسبة للرسول r كان تقييداً, وليس إطلاقاً, لأن فى مقدور أى مسلم أن يتزوج ويطلق, ويتزوج ويطلق, حتى ولو عشرين امرأة, بشرط ألا يجمع أكثر من أربع فى آن واحد, وألا يكون زواج متعة (مقيَّداً بوقت) أما الرسول r فلم يُسمَح له بأن يتزوج بغيرهن, حتى لو ماتت إحداهن أو كلهن {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:52], والله أعلم.

س109- كيف يتزوج رسولكم طفلة عمرها 6 سنوات, وهو فى سن الشيخوخة, والفارق بينه وبينها 44 سنة؟

ج109- أترضون لأنبيائكم الزنى, والسرقة, وشرب الخمر (وحاشاهم) ولا ترضون لنبينا الزواج؟ {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} وكان الأولى بكم أن تقرأوا ما فى كتابكم المقدس, قبل أن تلقوا باللوم على غيركم.

ثم إنه قد جاء فى (الموسوعة الكاثوليكية العالمية) التى يعتمدها الفاتيكان, وجميع الكنائس الكبرى, باعتبارها مرجعاً علمياً معتمداً, أن يوسف النجار خطيب السيدة مريم (على حد قولهم) كان عمره 90 عاماً, وكان عمر مريم – رضى الله عنها – فى وقت حملها ما بين اثنى عشر عام إلى أربعة عشر.

إن الرسول r عقد على السيدة عائشة – رضى الله عنها – وهى بنت سِت سنين, ولم يَبْنِ بها إلا وهى بنت تِسع, ومعلوم عند أطباء النساء أن كثيراً من البنات يبلغن فى هذه السن المبكرة, لأسباب بيئية ووراثية وغذائية, وخصوصاً فى البلاد الحارة مثل الجزيرة العربية, وقد مر بنا فى الشبهة السابقة أنه رأى فى المنام أنها زوجته, فكان زواجه منها بأمر الله عز وجل, وله سبحانه وتعالى حكم كثيرة, بالإضافة إلى ما ذكرناه من إكرام أبيها, فقد سبق فى علمه سبحانه وتعالى ما ستكون عليه من الحكمة والفطنة والذكاء, بحيث تعى جيداً ما يقوله الرسول r وما يفعله فى بيته (وخاصة فى هذه السن المبكرة) فتنقله للأمة ليقتدوا به, كما يقولون: (التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر) فقد عاشت (رضى الله عنها) بعد الرسول r حوالى سبعة وأربعين عاماً, علَّمت فيها الصحابة y والتابعين سنته, حتى إنها بقيت إلى زمن تدوين الأحاديث, فنُقِل عنها الكثير والكثير, وتُعَد الثالثة فى رواية الأحاديث, بعد أبى هريرة وعبد الله بن عمر y. ولو كانت كبيرة السن كبقية نسائه, لَمَا عَمَّرت بعده زمناً طويلاً, ولَمَا أفادت فى بيان أحاديثه وسنته للأجيال المتعاقبة إلى يوم الدين, وخصوصاً الأشياء التى لا يطلع عليها أحد, مثل معاملة الرجل لزوجته وأهل بيته, وأمور التطهر من الجنابة, وما للزوج من امرأته أثناء الصيام أو الحيض, وكذلك الأمور التى تتعلق بالمرأة وتستحى أن تسأل عنها الرجال, وغير ذلك كثير, فجزاها الله عنّا خير الجزاء. والسائل قد حكم على هذا الزواج بنظرة القرن العشرين, ولم ينظر إليه بنظرة البيئة التى كان يعيش فيها الرسول r, فقد كان هذا فى زمنه أمراً عادياً, إذ لم يكن الرسول r أول من تزوج بفتاة تصغره بهذا السن, فقد تزوج جده عبد المطلب من هالة بنت وهيب, وهى الصغيرة فى السن, مثل زوجة ابنه عبد الله, آمنة بنت وهب أم الرسول r, وتزوج عمر بن الخطاب t من زينب بنت على بن أبى طالب t وهو فى سن جدها, والمشركون واليهود والنصارى كانوا يتمنون للرسول r أى هفوة أو زلَّة, فلو كان هذا الأمر غريباً عليهم لشنعوا به, ولفضحوه بين القبائل, ولكنه كان أمراً عادياً كما أسلفنا.

والآن نستعرض بعض ما جاء بشأن الأنبياء فى الكتاب المقدس:

وكان فى وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشَّى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحِم. وكانت المرأة جميلة المنظر جداً. فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحِثِّى. فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهى مطهَّرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت إنى حُبلى. فأرسل داود إلى يوآب يقول أرسل إلىَّ أوريا الحِثِّى. فأرسل يوآب أوريا إلى داود… ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره… وفى الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب فى المكتوب يقول. اجعلوا أوريا فى وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيُضرَب ويموت… أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابناً. (ملخص ما ورد فى صموئيل الثانى: الإصحاح11)

وحدث لَمّا أخرب الله مدن الدائرة أن الله ذكر إبراهيم وأرسل لوطاً من وسط الانقلاب. حين قلب المدن التى سكن فيها لوط وصعد لوط من صُوغر وسكن فى الجبل وابنتاه معه. لأنه خاف أن يسكن فى صوغر. فسكن فى المغارة هو وابنتاه. وقالت البِكْر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس فى الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلمَّ نسقى أبانا خمراً ونضطجع معه. فنحيى من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً فى تلك الليلة. ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها. ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث فى الغد أن البكر قالت للصغيرة إنى قد اضطجعت البارحة مع أبى. نسقيه خمراً الليلة أيضاً فادخلى اضطجعى معه. فنحيى من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً فى تلك الليلة أيضاً. وقامت الصغيرة واضطجعت معه. ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابناً ودعت اسمه موآب. وهو أبو الموآبيين إلى اليوم. والصغيرة أيضاً ولدت ابناً ودعت اسمه بن عَمِّى. وهو أبو بنى عَمُّون إلى اليوم (تكوين19: 29-38)

وجاء فى الكتاب المقدس افتراءً على سيدنا داود (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) أنه تزوج من بنت الملك شاول, وقدم لها أعجب مهر فى الدنيا.. أتدرون ما هو؟ لقد اشترط الملك عليه أن يأتى بمائة غُلْفَة من غُلَف الفلسطينيين, فكان داود أكرم منه ودفع مهرها مئتى غُلفَة, وإليكم الدليل:

فقال شاول هكذا تقولون لداود ليس مَسَرَّة الملك بالمهر بل بمئة غُلفة من الفلسطينيين للانتقام من أعداء الملك. وكان شاول يتفكر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين. فأخبر عبيده داود بهذا الكلام فحسن الكلام فى عينى داود أن يصاهر الملك. ولم تكمل الأيام حتى قام داود وذهب وقتل من الفلسطينيين مئتى رجل وأتى بغُلفهم فأكملوها للملك لمصاهرة الملك. فأعطاه شاول ميكال ابنته امرأة. فرأى شاول وعلم أن الرب مع داود. (صموئيل الأول18: 25-28) (الغُلفَة) هى الجلدة التى تُقطَع من الذكرِ عندَ خِتانهِ, والله أعلم.

س110- إن نبيكم رأى زينب بنت جحش, فأعجبته وأحبها, فأمر زيد بن حارثة أن يطلقها ليتزوجها, استغلالاً لعبودية زيد بن حارثة له.

ج110- لقد مر بنا أن زواج الرسول r من السيدة زينب – رضى الله عنها – كان لإنهاء التبنى الذى كان سائداً قبل الإسلام, فكان الرجل فى الجاهلية لا يتزوج زوجة ابنه الدَّعِىْ (ابنه بالتبنى) ويعتبر هذا عيباً كبيراً, فأراد الله عز وجل أن يُنهِى هذا الأمر فى شخص الرسول r ليكون أدْعَى للاقتداء به, وخاصة أن هذا الأمر كان قد تأصَّل فى النفوس لدرجة كبيرة, بحيث يصعب عليهم تركه. ولو كان الرسول r هو الذى ألَّف القرآن – كما يدعى المغرضون – أو لو كتم شيئاً منه, لَمَا ذكر هذه الآيات. ولْنتفكر سويّاً فيما ورد بهذا الشأن فى القرآن الكريم: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب:37] أول دليل يناقض ادعاءهم أنه أمر زوجها أن يطلقها, هو قوله عز وجل: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} والثانى – وهو بيت القصيد كما يقولون- أنهم تأوَّلوا الآية الكريمة: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} على أنه r كان يحبها ويخشى ملامة الناس! فنقول وبالله التوفيق: ما الذى كان يخفيه رسول الله؟ كان يخفى ما الله سيبديه.. أليس كذلك؟ وما الذى أبداه الله؟ هل أبدى أنه كان يحبها؟ لا- بل إنه سبحانه وتعالى أبدى زواجه منها, وإنهاء التبنى, فمن هذا نعلم أن رسول الله r كان يخشى أن يُبدى للناس أن الله سيزوجه إياها, لِمَا ذكرناه من تأصُّل هذه العادة عند العرب لزمن طويل, واعتبار ذلك (أى زواج امرأة الدَّعِىْ) عيباً خطيراً. وهل كان الرسول r فى حاجة لانتظار سيدنا زيد t أن يطلقها ليتزوجها؟ إنها ابنة عمته, وكان يعرفها جيداً قبل الإسلام, وقبل نزول آيات الحجاب, وكان بوسعه أن يتقدم لخطبتها, ولكنه هو الذى أمرها أن تتزوج زيداً, وكانت ترفض ذلك لشرفها, فهى قُرَشية حرة, وهو عبد, ولكنها عندما نزلت الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] علمت أنه أمر من الله, فوافقت, وكان سيدنا زيد يأتى الرسول r يشتكى له منها, لإحساسه بتعاليها عليه, فكان يأمره بـإمساكها, مع علمه بأن الله سيزوجها له, فكل الروايات التى ذكرت أنها أعجبته ضعيفة أو موضوعة. ومن قال إنها ازدادت حسناً بعد زواجها من زيد, فإن قوله مردود عليه بأنها كانت ثيِّباً حين تزوجته, ولم تكن بكراً. ومن زعم أن هذه الآيات ألغت التبنى لتسمح للنبى بزواجها, نقول له: فلماذا لم تُنسَخ هذه الآيات بعد ذلك؟ أو لماذا لم يُخَص الرسول r بهذا الحكم, كما خُصَّ ببعض الأحكام, مثل أن تهبه امرأة نفسها؟ {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] فإن هذا الأمر خاص به وحده, فلا يجوز لأى امرأة أن تقول لأى رجل: (وهبتك نفسى) كما يظن بعض الجاهلين. ثم إن الآية نفسها ترد على هذه المقولة الكاذبة, فقد بين الله سبحانه وتعالى حِكمة إلغاء التبنى فى قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً} فلو قالت الآية (لكى لا يكون عليك حرج) لكان زعمهم صحيحاً, ولكنها كانت لرفع الحرج عن سائر المؤمنين.

والذين يلومون على الرسول r أنه تزوج من مطلقة ابنه بالتبنى, ويعتبرونها خيانة, جاء فى كتابهم المقدس أن يهوذا (جَدّ معبودهم) لم يتزوج من امرأة ابنه, بل زنى بها, وقد أوردنا الدليل على ذلك فى الرد على الشبهة رقم (163) وجاء فيه أيضاً من قصص الخيانة:

وقال الرب لى اذهب أيضاً أحبب امرأة حبيبة صاحب وزانية كمحبَّة الرب لبنى إسرائيل (هوشع3: 1) أى أن الله سبحانه وتعالى (بزعمهم) أمر نبيه هوشع بحب الزانية حبيبة صاحبه كمحبته لبنى إسرائيل!

بالديباج فرشتُ سريرى بمُوَشى كتان من مصر. عطَّرتُ فراشى بمُر وعود وقرفة. هَلمَّ نَرتَوِ وِدّاً إلى الصباح. نتلذَّذ بالحب. لأن الرجل ليس فى البيت. (الأمثال7: 16-19)

كان لأبشالوم بن داود أخت جميلة اسمها ثامار فأحبَّها أمنون بن داود. وأُحصِرَ أمنون للسقم من أجل ثامار أخته لأنها كانت عذراء… وكان لأمنون صاحب اسمه يوناداب بن شِمعى أخى داود. وكان يوناداب رجلاً حكيماً جداً. فقال له لماذا يا ابن الملك أنت ضعيف هكذا من صباح إلى صباح. أمَا تخبرنى. فقال له أمنون إنى أحب ثامار أخت أبشالوم أخى. فقال يوناداب اضطجع على سريرك وتمارَض. وإذا جاء أبوك ليراك فقل له دَعْ ثامار أختى فتأتى وتطعمنى خبزاً وتعمل أمامى الطعام لأرى فآكل من يدها. فاضطجع أمنون وتمارَض فجاء الملك ليراه. فقال أمنون للملك دع ثامار أختى فتأتى وتصنع أمامى كعكتين فآكل من يدها… فأمسكها وقال لها تعالى اضطجعى معى يا أختى. فقالت له لا يا أخى لا تذلنى… والآن كلِّم الملك لأنه لا يمنعنى منك. فلم يشأ أن يسمع لصوتها بل تمكَّن منها وقهرها واضطجع معها. (صموئيل الثانى13: 1-14) نلاحظ فى هذه الفقرة عِدَّة أمور:

أولاً: أن الكتاب المقدس وصف الذى يحض على الخيانة والزنى بالمحارم بأنه (رجلاً حكيماً جداً) وأن هذا الرجل كان ابن (شِمعى أخى داود) أى أنه يحرض ابن عمه على الزنى بأخته. ثانياً: أن أمنون كان متحرِّجاً فى أول الأمر, لأن اخته كانت عذراء, أى أنها لو كانت ثيِّباً ما كان يعنيه شىء. ثالثاً: أنها قالت له: (كلِّم الملك لأنه لا يمنعنى منك) أى أن المشكلة فى أنه لم يستأذن أباها, أما لو استأذنه فلا حرج عليه, والله أعلم.

س111- تقولون إن نبيكم شاهد جبريل فى غار حراء, أليس من المحتمل أن يكون قد رأى أشباحاً, أو تكون هذه حالة نفسية اعترته, مثل من يرى أشياء لا وجود لها؟ وتقولون إنه كان يأتيه الوحى فيستلقى على الأرض ويغطونه بالبُردة, أليس من الممكن أن يكون هذا تمثيلاً؟

ج111- لماذا أنكرتم هذا الأمر على نبينا r ولم تنكروه على معبودكم, الذى قال عنه كتابكم: فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السمَوَات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه. وصوت من السمَوَات قائلاً هذا هو ابنى الحبيب الذى به سُرِرْتُ (متى3: 16-17) وإذ كان يصلى انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسميَّة مثل الحمامة وكان صوتاً من السماء قائلاً أنت ابنى الحبيب بكَ سُرِرْتُ (لوقا3: 21-22)

لقد أنكرتم على نبينا r رؤية الملاك, فى حين أن كتابكم المقدس أثبته حتى لنسائكم: فتراءى ملاك الرب للمرأة (قضاة13: 3) أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكى. وفيما هى تبكى انحنت إلى القبر فنظرت ملاكَيْن بثياب بيض جالسَيْن واحداً عند الرأس والآخر عند الرِّجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً. (يوحنا20: 11-12)

إن المصاب بحالة نفسية, تكون له أحوال غير طبيعية, يعرفها المقربون منه, والرسول r لم يُعرَف عنه قط أنه كما يقولون (يهلوس) أو تعتريه أى حالة نفسية غريبة, بل كان معروفاً بالحكمة, والصدق, والأمانة, وغير ذلك من الصفات الحميدة, التى لا يمكن أن تكون فى رجل غير سَوِىّ. ثم إنه لو كان يتخيل.. فهل الخيال يأتى بخير؟ هل وجدنا إنساناً تخيل رؤية شىء لا وجود له, ثم بعد ذلك أخبرنا أن الذى رآه أمره بخير, أو نهاه عن شر, أو وضع منهجاً لحياته؟ أما استلقاؤه r على الأرض حين كان ينزل عليه الوحى, فإن هذا من شدة ما كان يعتريه حال نزوله عليه, لأن التقاء ملك بإنسان ليس بالأمر الهَيِّن, فالطبيعتان مختلفتان, وهذه صورة من صور نزول الوحى عليه, وهناك صور أخرى قال عنها r: ((أحياناً يأتينى – يعنى الوحى – فى مثل صَلصَلة الجرس, وهو أشده علىَّ, فيفصِمُ عنى وقد وَعيْتُ ما قال, وأحياناً يتمثل لى الملك رجلاً فيكلمنى فأَعِى ما يقول)) [مُوَطَّأ مالك, سنن الترمذى, صحيح الجامع:213] وحالة مجىء الوحى على هيئة رجل معروفة فى الحديث الذى رواه سيدنا عمر t فى [الصحيحين] حين سأله عن الإسلام, والإيمان, والإحسان, وأشراط الساعة. ولو كان الرسول r يمثل كما يقولون, فهل كان يمثل العَرَق؟ إن السيدة عائشة – رضى الله عنها – تقول: ولقد رأيته ينزل عليه فى اليوم الشديد البرد, فيفصِمُ عنه, وإن جبينه ليتفصَّدُ عَرَقاً [مُوَطَّأ مالك, سنن النسائى] وهل كان r يمثل ثِقَل فخذه؟ لقد كان ذات مرة جالساً واضعاً فخذه على فخذ زيد بن ثابت t ثم نزل عليه الوحى, فتغشّاه الكرب كما كان يتغشّاه, وثقلت فخذه على فخذ زيد, حتى كادت أن تَرُضَّها (أى تكسرها) كما ورد فى [صحيح البخارى] وذات مرة كان راكباً ناقته القصواء, فنزل عليه الوحى, فثقل على الناقة, فناخت به حتى كادت أن توقعه على الأرض. وأحياناً كان سيدنا عمر t يسمع بالقرب من صدره أزيزاً كأزيز النحل عند نزول الوحى عليه, فهل كل هذا كان تمثيلاً؟, والله أعلم.

س112- يقول نبيكم: ((نُصِرتُ بالرعبِ مَسيرَة شهر)) [صحيح البخارى] وهذا يدل على أن نبيكم نبى مرعب, ينصر دينه بالرعب والإرهاب, والاعتراف سيد الأدلة.

ج112- فلنقرأ أولاً بعض ما جاء فى الكتاب المقدس:

لا تظنوا أنى جئتُ لأُلقى سلاماً على الأرض. ما جئتُ لأُلقى سلاماً بل سيفاً. (متى10: 34)

جئتُ لأُلقى ناراً على الأرض. (لوقا12: 49)

الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك. (حزقيال9: 6)

وأحْرَقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار. (عدد31: 10)

لأجل ذلك تأكل الآباء الأبناء فى وسطك والأبناء يأكلون آباءهم (حزقيال5: 10)

نعود إلى افترائكم.. ولننظر معاً.. متى ذُكِرَ الرعب فى القرآن؟ لقد ذُكِرَ فى أربعة مواضع لم يكن للإرهاب أو الظلم فيها مكان, فأول هذه المواضع كان فى الحديث عن موقعة بدر, وهذه الموقعة كانت لاسترداد بعض حقوق المسلمين التى اغتصبها المشركون, فأيد الله المسلمين ونصرهم على المشركين, فتغيرت بذلك نظرة العرب والقبائل المجاورة للرسول r وأتباعه, وشفى الله صدور المؤمنين, بالانتقام ممن أذلوهم وساموهم سوء العذاب من كفار مكة {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] والموضع الثانى فى الحديث عن موقعة أحد, التى كانت حرباً دفاعية, حين بغى المشركون وطغوا, وأرادوا أن يهاجموا المسلمين فى عقر دارهم, بعد أن تركوا لهم البلاد والأهل والمال, ولكنهم لم يكتفوا بذلك, وأرادوا أن يقضوا على الإسلام وأهله, فحال الله عز وجل بينهم وبين ما فى قلوبهم, رغم ما أصاب المسلمين فى سبيل الدفاع عن عقيدتهم وأرضهم, فطمأنهم الله عز وجل بأنهم إذا حاربوهم مرة أخرى فسيلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:151] والموضع الثالث فى الحديث عن غزوة الأحزاب, حين تحزبت قريش وحلفاؤها على حرب رسول الله r وعزموا أمرهم على الهجوم عليه من جميع الجهات, ليدكُّوا المدينة عليه ومن معه, ولكن الله خيب سعيهم, ووفق المسلمين لحفر الخندق – الذى لم تعرفه العرب من قبل – بالمشورة المباركة لسلمان الفارسى t, ليس هذا فحسب, بل ألقى الله سبحانه وتعالى الرعب فى قلوب أعدائه, وأرسل عليهم الريح الشديدة, التى قلبت خيامهم, وقدورهم, وأمتعتهم, ففروا هاربين {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب:25] وأمر الله رسوله بقتال بنى قريظة الذين خانوا العهد معه, وتمالأوا عليه مع المشركين, ووافقوا أن يسمحوا لهم بالهجوم على المدينة من قِبَلهم, ولكن الله عز وجل رد كيدهم فى نحورهم, وفرَّق شملهم, فكانت الحرب ضدهم جزاء خيانتهم, ونكثهم لعهدهم {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} [الأحزاب:26] أما الموضع الرابع فقد جاء فى الحديث عن غزوة بنى النضير لما نكثوا عهدهم مع رسول الله r وحاولوا قتله {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] فأخبرونا بربكم أى المواضع الأربعة كانت إرهابية, أو لنصر الدين بالرعب كما تزعمون؟ ثم من الذى ألقى الرعب فى قلوب الكافرين.. الله أم رسوله؟ وهل لو توحدت جيوش المسلمين للدفاع عن دينهم وأرضهم وعِرضهم, وحاربوا اليهود لتكون كلمة الله هى العليا, ويعود للمسلمين قدسهم, وللفلسطينيين وطنهم, فيلقى الله الرعب فى قلوب أعدائه, فيفرون هاربين أمام جحافل المسلمين.. أيكون هذا إرهاباً؟ إن تسميته إرهاباً يُعَدُّ من باب تحريف الكلم عن مواضعه, ولا غرابة فى ذلك, فإنها شيمة أهل الكتاب. إن غزوات الرسول r بلغت تسعة عشرة غزوة, جملة من قتلوا فيها من المسلمين والمشركين 386, وهذا بالمقارنة مع ما فعله الصليبيون واليهود مع المسلمين لا يصل إلى الواحد بالمائة, ويساوى تقريباًً عشر قتلى الفتنة التى وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت فى عيد سان بارثيلينيو. إن الدماء التى أريقت فى الحروب التى تقولون إن الإسلام انتشر بها, تعتبر كقطرة فى بحر الدماء الذى صاحب تطبيق الشيوعية وسيطرة نفوذها, لقد ذبح الملحدون مئات الألوف من المسلمين فى شمال آسيا وشرقها, وبعد حرق رفات الضحايا زعموا أن الشيوعية تدعو للسلام! وما زال الواقع القريب يشهد على المذابح الوحشية ضد المسلمين فى البوسنة والهرسك, والشيشان, وفلسطين, والعراق, والصومال, وكشمير, والفلبين, وغير ذلك من بلاد المسلمين, لدرجة أن الصِّرب النصارى كانوا يشقُّون بطون الحوامل المسلمات فى البوسنة, ويرمون أطفالهن فى القِمامة, ويضعون فى أرحامهن أجِنَّة كلاب وقطط, فهل هذه أفعال آدميَّة؟ وهل بعد هذا وحشيَّة؟, والله أعلم.

س113- إن نسب أنبيائنا – مثل موسى وعيسى – أفضل من نسب نبيكم, لأن آباءهم لم يعبدوا الأصنام, ولكن آباء وأجداد محمد قد عبدوها.

ج113- إن هذه من الشبهات التافهة التى تعوَّدنا عليها, وقد ذكرنا فى الرد على الشبهة رقم (163) أن الكتاب المقدس جعل السيد المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – من نسل امرأة زانية اسمها (ثامار) ومن نسل امرأة أخرى زانية اسمها (بثشبع) وعلى أيَّة حال فلا يُشتَرط أن يكون الولد مثل أبيه وأجداده, فإن أبا سيدنا إبراهيم كان كافراً, وهو أبو جميع الأنبياء, وابن سيدنا نوح كان كافراً, ولم يقدح هذا فى نبوِّته, كما لم يقدح كفر أبى سيدنا إبراهيم فى نبوِّته, فالاثنان من أُولِى العزم من الرسل. وهذا الكلام حجة عليكم, لأن الرسول r جاء ليعمل فى أرض بور خالية من التوحيد, ولم يساعده أحد, أما أنبياؤكم – على جميع أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام – فكان يساعد بعضهم بعضاً, فإبراهيم كان معه ابن أخيه لوط, وكان معه ولداه إسماعيل وإسحاق, وإسحاق كان معه يعقوب, وكان ليعقوب اثنا عشر ابناً هم الأسباط, وموسى كان يساعده أخوه هارون ويوشع بن نون تلميذه, وزكريا كان معه ابنه يحيى, وعيسى كان معه ابن خالته يحيى, وقد جاء وقومه موحدون, وهم أتباع موسى, أما الرسول r فقد أُرسِل إلى قوم مشركين, ليس لهم علاقة بأى دين, ولا يؤمنون بالبعث والحساب, والجنة والنار, فبينه وبين جده إسماعيل حوالى خمسة آلاف سنة {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة:3] فكانت مهمته صعبة للغاية, وكأنك أتيت بقوم تريد أن توصلهم لنيل أعلى الشهادات, وهم لا يعرفون القراءة والكتابة, فتبدأ معهم من الصفر, بل إن الأمر أعظم من ذلك, فتعليم القراءة والكتابة أهون من تغيير العقيدة المتوارثة على مر الأجيال, الراسخة فى العقول والأذهان. ربما يقول قائل: إن نوحاً لم يكن معه أحد يساعده, فنقول له: إن الرسول r قاتل فى سبيل الله لآخر عمره, أما سيدنا نوح فلم يقاتل أحداً. ثم إن هذا الكلام حجة عليكم من جهة أخرى, فلو أن الرسول r هو الذى ألف القرآن, لَمَا عاب من أقاربه أحداً كما فى سورة (المسد) ولَمَا نهى عن الاستغفار لهم, كما حدث عندما أراد أن يستغفر لعمه أبى طالب, فنهاه الله عن ذلك {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] وليس الغريب أن يخرج النبى من قوم موحدين, ولكن الغريب أن يخرج من قوم مشركين ليخرجهم {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم:1] وليصل بهم إلى أن يكونوا خير أمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] فمثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – لو خرج طبيب من عائلة كلها متعلمة تعليماً جامعياً, فإن هذا لن يكون غريباً, أما إذا خرج من عائلة أُمِّية, ليس هذا فحسب, بل تفوَّق على جميع قرنائه, وكان ترتيبه الأول, فإن هذا هو الغريب, والله أعلم.

س114- إن القرآن يقر بأن عيسى أفضل من محمد, بدليل أنه ذكر مريم أم عيسى, وعظَّم شأنها, ولم يذكر آمنة أم محمد, ومعلوم أن العظيمة هى التى تلد العظيم.

ج114- إن هذا سؤال ساذج, يستطيع أن يرد عليه الأطفال فضلاً عن الكبار. إن تعظيم القرآن للسيدة مريم – رضى الله عنها – فى حين أن أم النبى r لم تُذكَر ولا فى آية واحدة, حجة لنا لا علينا, فإن السيدة مريم ذُكِرَت فى القرآن فى ثلاثين موضعاً, وهناك سورة باسمها, فلو أن الرسول r هو الذى ألف القرآن – كما تقولون – فلِمَ لم يذكر أمه, أو إحدى نسائه, أو بناته؟ ولِمَ لم يُسَمِّ بعض السور بأسمائهن؟ إن النساء اللاتى لهن تأثير فى حياته حوالى سبع عشرة امرأة على الأقل, هن أمهاته – سواء من النسب أو الرضاعة – وزوجاته, وبناته, فعدم ذكر أى واحدة منهن, وعدم ذكر أقاربه أو أصدقائه, لَهُوَ دليل على أنه لم يتكلف القرآن من تلقاء نفسه, ليس هذا فحسب, بل إنه عدد الكاملات من النساء ولم يذكر أمه, ولا زوجاته, ولا بناته, فقال: ((كَمُلَ من الرجال كثير, ولم يَكْمُل من النساء إلا آسية امرأة فرعون, ومريم بنت عمران)) [صحيح البخارى] وحين ذكر خير نساء العالمين, لم يذكر إلا السيدة خديجة, والسيدة فاطمة (رضى الله عنهما) ولم يذكر أمه, ولا بقية نسائه وبناته, فقال: ((خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران, وخديجة بنت خُوَيْلد, وفاطمة بنت محمد, وآسِيَة امرأة فرعون)) [صحيح الجامع:3328] أرأيتم كيف وصف الرسول r السيدة مريم بأنها من الكاملات؟ ومن خير نساء العالمين؟ لقد عظَّمها أكثر من ابنها الذى تنكَّر لها (بزعمكم) وخاطبها بقوله: (يا امرأة) كما خاطب الزانية, وها هى الأدلة:

وفيما هو يكلِّم الجموع إذ أمّه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه. فقال له واحد هُوَذا أمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك. فأجاب وقال للقائل له. من هى أمى ومن هم إخوتى. ثم مدَّ يده نحو تلاميذه وقال ها أمى وإخوتى. لأن من يصنع مشيئة أبى الذى فى السموات هو أخى وأختى وأمى (متى12: 46-50) فلما رأى يسوع أمّه والتلميذ الذى كان يحبه واقفاً قال لأمه يا امرأة (يوحنا19: 26) ولما فَرَغَت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لى ولك يا امرأة. لم تأتِ ساعتى بعد. (يوحنا2: 3-4)

أمّا خطابه للزانية فهو فى النَّص التالى: وبقى يسوع وحده والمرأة واقفة فى الوسط. فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحداً سِوَى المرأة قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليكِ. (يوحنا8: 9-10)

نعود فنقول: ليس شرطاً أن يكون الابن مثل أبيه فى الإيمان, مع أن تأثير الأب فى تربية الأبناء أشد من تأثير الأم, فإن ابن سيدنا نوح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – كان كافراً, رغم أن أباه كان من أُولِى العزم من الرسل, وكما هو مشاهد فى واقعنا أن الأب أو الأم الصالِحَيْن قد يكون لهما ولد فاسد, والعكس صحيح, حتى إنهم يقولون فى المثل: (يخلق من ظهر العالم فاسد ومن ظهر الفاسد عالم) ونحن نقرّ بأن أم سيدنا عيسى أفضل من أم سيدنا محمد – عليهما الصلاة والسلام – ولكن هذا لا يعنى أن سيدنا عيسى أعظم من سيدنا محمد, والله أعلم.

س115- يقول نبيكم: ((إن الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر)) [صحيح الجامع:2423] وقال: ((صَلُّوا خلف كل بَرّ وفاجر)) وهذا يدل على أن القدوة عندكم مفقودة, لأن كثيراً من الأئمة فَجَرَة, وإذا كان الإمام فاجراً, فالمأموم أفجر, كما قال الشاعر: (إذا كان رب البيت بالدف ضارباً… فشيمة أهل البيت كلهم الرقص)

ج115- لنفهم الحديث الأول أحدثكم عن واقعة حدثت فى مصر, عندما احتلها الفرنسيون بقيادة (نابليون بونابرت) عام (1798) فتصدى له المصريون (وخاصة علماء الأزهر) وقاتلوه وجنوده قتالاً مريراً بكل قوة وعنف, فكان الفرنسيون يُقتَلون فى كل يوم, فاستشار بعض المقربين إليه, وسألهم ما الذى يمكن أن يفعله ليقربه إلى المصريين ويحببه إليهم, فلا يقاوموه هذه المقاومة الشرسة, فقالوا له: إن أعظم شىء يحبه المصريون هو القرآن, يقرأونه آناء الليل وأطراف النهار, فلو طبعتَه لهم, ووزعتَه عليهم, فسوف تستجلب حبهم (وكان قد أحضر معه مطبعة) وكان المصحف قبل ذلك يُنسَخ باليد, تشترى الورق من الورّاق, ثم تذهب به إلى النسّاخ لينسخه, ثم الشكّال ليشكِّله (بالضمَّة والفتحة والكسرة… إلخ) ثم تذهب إلى الأزهر ليراجعه, وكل هذه المراحل كانت تتكلف أموالاً كثيرة, وتستغرق وقتاً طويلاً, فطبع نابليون المصحف بكميات كبيرة, ووزعه على المصريين تقرباً إليهم, فأصبح المصحف فى كل بيت, بعد أن كان عند الأثرياء فقط, ثم بعد سنوات طويلة جاء الاحتلال الانجليزى لمصر عام (1882) فوجد المقاومة الشرسة نفسها من المصريين, وخاصة من علماء الأزهر الذين يحفظون القرآن الكريم, ففكروا ما الذى يهدئ حِدَّة المقاومة, فوجدوا أن أكثر الذين يقاومونهم من حفظة القرآن, فقرروا ألا يُدْخِلوهم الجيش, ففرح الناس بذلك, لأن معظمهم لا يريدون أن يدخلوا أولادهم الجيش تحت إمْرَة الاستعمار, فاجتهدوا فى تحفيظ أولادهم القرآن, فامتلأت الكتاتيب بالأطفال, وأصبح غالبية المصريين من حفظة القرآن الكريم, وخرج منهم أئمة القرّاء فى العالم. أما الحديث الثانى الذى ورد فى السؤال بخصوص الصلاة خلف الفاجر, فقد ورد فى (السنن الكبرى للبيهقى) وضعَّفه الشيخ (الألبانى) ولكن العلماء أقروا العمل به لدرء الفتنة, وتوحيد كلمة المسلمين على إمام واحد, وهو الذى يُعَيَّن من قِبَل ولى الأمر, حتى لا نهجر المساجد, وحتى لا تحدث فُرْقة بين المسلمين, وكل مجموعة تختار لها إماماً, ويكون فى المسجد الواحد عدة جماعات فى وقت واحد.

وعلى أيَّة حال فصلاتنا خلف الفاجر أهون من نسبة الكذب والفُجْر – بل الكفر – لأنبياء الله ورسله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) كما اتهمهم بذلك الكتاب المقدس, وإذا كان الأنبياء كذبة وفجرة وكفرة.. فكيف بأتباعهم؟ وهذا بعض ما جاء عنهم: فقال لهم إيليا أمسكوا أنبياء البعل ولا يفلت منهم رجل. فأمسكوهم فنزل بهم إيليا إلى نهر قيشون وذبحهم هناك (الملوك الأول18: 40) (فيه نسبة الشرك بالله لبعض الأنبياء)

لأن النبى والكاهن كِليهما يطوفان فى الأرض ولا يعرفان شيئاً. (إرميا14: 18)

وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كَرْماً. وشرب من الخمر فسكر وتعرَّى داخل خِبائه. (تكوين9: 20-21)

هَأنذا بالإثم صُوِّرْتُ وبالخطيَّة حبلت بى أمى (مزمور51: 5) (ينسبون هذا لسيدنا داود, وهو منه براء)

الكاهن والنبى ترنَّحا بالمسكِر ابتلعتهما الخمر تاها من المسكِر ضَلا فى الرؤيا قَلِقا فى القضاء. (إشعياء28: 7)

لذلك أعطى نساءهم لآخرين وحقولهم لمالكين لأنهم من الصغير إلى الكبير كل واحد مُولَع بالربح من النبى إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب. (إرمياء8: 10)

وجاء فيه أيضاً تعيين القُضاة فى الكنيسة من الْمُحتَقَرِين, وأن الزوانى يسبقون إلى ملكوت الله (أى جنته): فإن كان لكم محاكَم فى أمور هذه الحياة الدنيا فأجلِسوا الْمُحتَقَرِين فى الكنيسة قُضاة. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس6: 4)

قال لهم يسوع الحق أقولُ لكم إن العشّارين والزوانى يسبقونكم إلى ملكوت الله. (متى21: 31), والله أعلم.

س116- يقول نبيكم: ((إذا جاء رمضان فُتِحَت أبواب الجنة, وغُلِّقَت أبواب النار, وصُفِّدَت الشياطين)) [صحيح مسلم] مع أن منكم من يرتكب الموبقات فى رمضان, من شرب للخمر, وسرقة, وغيرها, وتقوم بينكم الحروب, مثل حرب العراق وإيران التى استمرت 8 سنوات, بما فيها من أشهُر رمضان.. فكيف يكون كلام نبيكم صحيحاً؟

ج116- بالفعل نحن نرى المشاجرات وفعل الموبقات فى رمضان, ولكن من المسئول عن هذا؟ أهو الشيطان وحده؟ إن الشيطان أضعف الجنود {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] ويكفيك الاستعاذة بالله منه {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200] أما ما هو أشد من الشيطان.. فالنفس الأمارة بالسوء {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ} [يوسف:53] والهوى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] وحب الدنيا {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ{15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود:15-16] وكَمْ من الجرائم, والقتل, والسرقة, والزنى, وشرب الخمر, وغير ذلك, كانت نتيجة هذه الأشياء الثلاثة, حتى إن أول جريمة قتل عرفتها البشرية, كان سببها اتباع الهوى, وحب الدنيا, حينما أراد قابيل أن يتزوج أخته التى لا تحل له فى شرع سيدنا آدم, على نبينا وعليه الصلاة والسلام. ثم إن العلماء قالوا: إن الشياطين التى تُصَفَّدُ فى رمضان ليسوا قرناء بنى آدم, فكل إنسان له قرين يحاول أن يغويه, ويصده عن سبيل الله ما استطاع, وهذا القرين لا يفارقه فى رمضان وغيره, وقد جعله الله فتنة للإنسان ليختبره, وفى مقابل ذلك وهب له العقل الذى يميز به بين الخير والشر, وأرسل إليه الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – لتبين له الحق والباطل, وأنزل إليه الكتب, لتبشر المؤمنين بالنعيم المقيم, وتنذر الكافرين بالعذاب الأليم {فَأَمَّا مَن طَغَى{37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى{39} وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-41] بالإضافة إلى أنه فَطَرَه على توحيده وتعظيمه, وجعل له وازِعاً من نفسه يميل إلى الحق وينأى عن الباطل, ما لم يُغلِّب صاحبُه هواه على دوافع الخير فى نفسه, فيرى الحق باطلاً والباطل حقاً, قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس:7-10] وقال رسول الله r: ((كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يُهَوِّدانه, أو يُنَصِّرانه, أو يُمَجِّسانه)) [صحيح البخارى] وعلى أيَّة حال فقد أثبتت الدراسات هبوط معدل الجريمة فى الدول الإسلامية, وزيادة أعمال البر والإصلاح والتعاون على الخيرات فى هذا الشهر المبارك, والله أعلم.

س117- تقولون إن جبريل جاء لنبيكم, وسأله متى تكون الساعة, فقال له: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) قال: فأخبرنى عن أماراتها, فقال له: ((أن تلدَ الأمَةُ ربَّتها))… إلى بقية الحديث الذى ورد فى الصحيحين, وما رَأَينا للآن أن الأمة تلد ربَّتها!

ج117- الله أكبر.. صدق الله ورسوله.. إن هذا جزء من حديث صحيح, ولكنهم لم يفهموا معناه, وقد تحقق كما قاله الرسول r. لقد كان العلماء فى الماضى يقولون إن معنى هذا الحديث, ما نشاهده من أن الأم الأمية التى لا تعرف القراءة والكتابة, تلد الطبيبة والمهندسة والمعلمة… إلخ, أو أن المرأة تلد من تكون عاقَّة لها, متسلطة عليها, تأمرها وتنهاها, وكأنها سيدتها, وأمها تطيعها خوفاً منها, وكل هذا الكلام أثبته الواقع, ولكن ظهر فى عصرنا ما يناسب ويقارب معنى الحديث تماماً, وهو أن بعض نساء الخليج الغنيات المترفات لا يُرِدْن أن يشوِّهن أجسادهن بالحمل, ولا يردن أن يعطلهن عن السفر للنزهة واللهو واللعب.. فماذا فعلن؟ لجأ البعض منهن إلى ما يسمى (الأم البديلة) كيف هذا؟ يأخذ الطبيب منها البويضة, ويأخذ الحيوان المنوى من زوجها, ثم يقوم بعمل ما يُسَمَّى (طفل الأنابيب) بأن يضع الحيوان المنوى والبويضة متقاربين فى وعاء خاص, ويوضع هذا الوعاء فى ظروف معينة, حتى إذا تم التخصيب (اختراق الحيوان المنوى للبويضة) وبدأت الخلية المخصبة فى الانقسام إلى عدة خلايا.. قام بوضعها فى رحم الأمَة أو الخادمة,  فتنمو فى رحمها وتكبر إلى أن تلد (وهذا حرام) ففى هذه الحالة من تكون الأم الحقيقية؟ طبعاً هى المرأة الخليجية, وتصبح هذه المولودة سيدة من ولدتها (الأم البديلة) فسبحان من قال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4], والله أعلم.

س118- يقول القرآن عن النبى يوحنا (يحيى): {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [مريم:12] انظروا إلى أنبياء بنى إسرائيل, فإنهم يُؤْتََوْن النبوة من الصِّغَر, فى حين أن نبيكم تقولون إنه أُرسِلَ فى سن الأربعين, وكذلك فإن عيسى قد تكلم فى المهد, وموسى نجاه الرب فى التابوت وهو رضيع, ويونان (يونس) عاش فى بطن الحوت ثلاثة أيام, وولدت حِنَّة مريمَ وهى عاقر فى سن الخامسة والثمانين, وولدت أختها الياصابات يحيى من زوجها زكريا وعمره تسعون عاماً, وعمرها يقارب عمر أختها, فنحن شعب المعجزات, فأين نبيكم من هذه المعجزات؟

ج118- جميع الأنبياء – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – بما فيهم أنبياء بنى إسرائيل, لم يُبعَثوا رُسُلاً إلا فى سن الأربعين, وهناك قول بأن سيدنا نوحاً لم يبعث إلا بعد المائتى عام, أما سيدنا يحيى فإن الله قدَّر له الشهادة فى سن الخامسة والثلاثين, فكيف كان ينتظر ليكون رسولاً فى سن الأربعين؟ أما كلام سيدنا عيسى فى المهد فإنه حجة عليكم, لأنه ليس فى كتابكم المقدس ما يثبت ذلك, فإن الفضل فى إظهار هذه المعجزة هو القرآن. وهذه المعجزات التى تتكلمون عنها, صانعها هو الله, وليس الأنبياء, وقد كانت تأييداً لرسالتهم, وهى ليست قاصرة على أنبياء بنى إسرائيل, وشاهد على ذلك سفينة سيدنا نوح, وناقة سيدنا صالح, والنار التى كانت برداً وسلاماً على سيدنا إبراهيم, ولولا أن القرآن أخبرنا بهذه المعجزات ما صدَّقناها, لأنها انتهت بموت من عاصرها ورآها, أما القرآن فمعجزته باقية إلى يوم القيامة, وقد تكلمنا عن ذلك فى أكثر من موضع. ومعلوم أن ولادة سيدنا عيسى كانت معجزة, واليهود قوم ماديُّون, لا يؤمنون إلا بالمادة, فهم الذين قالوا لنبيهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] فلو وُلِدَ سيدنا عيسى بدون أب, بغير مقدمات تسبقه, لَمَا آمنوا به, فكان لابد من تمهيد لمعجزته بمعجزة يشاهدونها تثبت لهم قدرة الله جل وعلا, حتى إذا جاءت معجزته لا يستبعدون وقوعها, فكان حمل السيدة حِنَّة بنت فاقوس, وولادتها للسيدة مريم, وهى فى سن الثالثة والثمانين, من زوجها سيدنا عِمران الذى جاوز سن التسعين, معجزة تمهد لمعجزة ولادة سيدنا عيسى, وكذلك حمل وولادة أختها الياصابات – وهى أيضا فوق الثمانين – لسيدنا يحيى, من زوجها سيدنا زكريا, رغم أنها كانت عاقراً لا تحيض, وكان زوجها شيخاً كبيراً, حتى إنه حين دعا ربه لم يَدْعُهُ جهاراً {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً} [مريم:3] فإنه لو دعا جهاراً, لكان غريباً على الناس أن يدعو أحد بالذرية فى هذه السن, ولسخروا منه, كمن يرى شيخاً كبيراً قد انحنى ظهره, وهو متوكئ على عصا, ثم يدعو بالذرية! فكانت ولادة السيدة مريم وابن خالتها سيدنا يحيى, تمهيداً لمعجزة ولادة سيدنا عيسى, فلو جاءت معجزته فجأة بدون مقدمات, لكان صعباً على العقول استيعابها, ولكن رغم ذلك فإن الكثير منهم لم يؤمنوا به, واتهموا أمّه بالفاحشة, وهم أغبياء فى ذلك, ليس فقط لمعرفتهم السابقة بسيرتها الكريمة – رضى الله عنها – ولكن لنُطْق سيدنا عيسى فى المهد, فلو أنها كانت كما قالوا من الإفك والبهتان, لكان ولدها طفلاً عادياً كسائر الأطفال, ولكن كلامه فى المهد كان معجزة من الله عز وجل, فلِمَ صدقوا كلامه ولم يصدقوا براءتها؟

وقد ذكرنا بعض المعجزات التى صاحبت ولادة الرسول r فى الرد على الشبهة (130) وبعض المعجزات الأخرى فى الرد على الشبهة (258), والله أعلم.

س119- أنتم تقولون إن نبيكم أفضل الأنبياء, مع أنه كان أمِّيا, فأى أفضلية فى هذه الأمية؟ وهل تفضلون الأمى على المتعلم, باعتبار الأُميَّة ميزة عندكم؟

ج119- نحن لا نفضل الأميَّة, ولا نفتخر بها, إذن لتخلفت أمتنا عن ركب التقدم والحضارة, كما حدث اليوم فى كثير من البلدان الإسلامية, ولكن أميَّة الرسول r كانت ميزة, لأن الذى علمه هو الله, ولم يعلمه أحد من البشر, فكل متعلم له معلم, فالذى حصل على الدكتوراه فى أى مجال من مجالات العلم – ولو فى الذرَّة – فإن معلمه بشر, يصيب ويخطئ, أما رسول الله r فقد علمه الله سبحانه وتعالى (حتى لا يتفاخر أحد بأميته ويقول أنا أمى مثل الرسول) وقد مر بنا أن الرسول r كان يفك الأسير المشرك مقابل تعليمه القراءة والكتابة لعشرة من المسلمين. ولو علمه القراءة والكتابة أحد من البشر, لقالوا إنه هو الذى علمه القرآن أيضاً, فقد قالوها وهو أمِّى, فكيف لو تعلم من غيره؟ كما أنه لا يخفى على أحد أن أول آية نزلت على رسول الله r هى {اقْرَأْ}, والله أعلم.

س120- عندما أراد على بن أبى طالب أن يتزوج بأخرى على فاطمة بنت نبيكم, غضب نبيكم غضباً شديداً, ولم يأذن له, فحرَّم على غيره ما أحله لنفسه, وخالف بذلك القرآن فى إباحة التعدد.

ج120- إن الرسول r لم يغضب غضباً شديداً كما قلتم, ولم يحرم على غيره ما أحله لنفسه, ولم يخالف القرآن, ولكن على بن أبى طالب t أراد أن يتزوج بنت أبى جهل, فأبى الرسول r أن تجتمع بنت حبيب الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد, فقال: ((إن فاطمة بِضعَة منى, وأنا أتخوَّف أن تُفتَن فى دينها, وإنى لستُ أحرِّم حلالاً, ولا أحل حراماً, ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد أبداً)) [صحيح الجامع:2115] كما أنه لفرط حبه لها, خاف عليها من شدة الحزن, وقال: ((فإنما هى بضعة منى, يريبنى ما أرابها, ويؤذينى ما آذاها)) [صحيح البخارى] وهذا الأمر ليس خاصّاً بالنبى r فمن حق أى ولىّ أن يشترط على من يتقدم لخطبة ابنته – أو من تحت ولايته – ألا يتزوج عليها, ومن حقها هى أيضاً أن تشترط هذا الشرط, فإن قَبِلَه الخاطب فليس له الرجوع فيه, وإن رجع فيه فلها الحق فى طلب الطلاق, لعدم وفائه بشرطه, أما لو لم تشترط هى أو وليها, فله الحق أن يتزوج عليها, وليس لها الحق فى هذه الحالة أن تطلب الطلاق, والله أعلم.

س121- إن نبيكم لم يُبعَث إلا للعرب, بدليل قول القرآن: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف:2] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ} [الجمعة:2] {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} [السجدة:3] {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فهل من عدل الإله أن يطلب من أهل الكتاب أن يؤمنوا بنبى لم يُرسَل إليهم؟

ج121- غالباً ما يختار الخصم ما يخدمه – فى ظاهر الأمر – من الأدلة, ويُخفى ما عداها, وإلا- فأخبرونى ماذا تعنى هذه الآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]؟ إن من أدلة عالمية رسالة الرسول r قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:158] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ:28] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام:19] {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى:7] وقد مر بنا أن {أُمَّ الْقُرَى} هى مكة {وَمَنْ حَوْلَهَا} جميع اليابسة (فى الرد على الشبهة رقم 46) قال رسول الله r: ((أُعطِيتُ خمساً لم يُعطهنَّ أحد من الأنبياء قبلى: نُصِرْتُ بالرعبِ مسيرة شهر, وجُعِلَت لىَ الأرض مسجداً وطهوراً, فأيّما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصلِّ, وأُحِلَّت لىَ الغنائم ولم تَحِل لأحد قبلى, وأُعطيتُ الشفاعة, وكان النبى يُبعَثُ إلى قومِهِ خاصة, وبُعِثتُ إلى الناس عامَّة)) [صحيح الجامع:1056]‌ وقال: ((والذى نفس محمد بيدِهِ, لا يسمعُ بى أحد من هذه الأمة, لا يهودى, ولا نصرانى, ثم يموت ولم يؤمن بالذى أُرسِلْتُ بِهِ, إلا كان من أصحابِ النار)) [صحيح الجامع:7063]

إن التوراة أنزلت باللغة العبرية, والإنجيل باللغة الآرامية, وقد دخل فى اليهودية والنصرانية أناس تختلف لغاتهم عن لغة هذين الكتابين, فليس صحيحاً أنه طالما أنزل القرآن باللغة العربية ألا يؤمن به إلا العرب. أما أن الرسول r بُعِثَ بلسان قومه, فإن هذا بديهى, ليستطيع التحدث معهم, فيفهم عنهم, ويفهمون عنه, وتكون مهمة أتْباعه بعد ذلك أن يترجموا معانيه إلى اللغات الأخرى, أما لو أرسل فى بادئ الأمر إلى من تختلف لغتهم عن لغته, فكيف كان يبلغ رسالة ربه؟ وكيف كانوا يفهمونه؟ أما كونه قد أُمِرَ أن ينذر قومه وعشيرته الأقربين, فلأنهم أوْلى بذلك, كما أنك لو ملكتَ خيراً ينتفع به الناس, فإنك تبدأ بأهلك أولاً, فلا تتعداهم إلى غيرهم وتتركهم, لأنهم أوْلى الناس بك.

وكيف لا يكون عدلاً أن يأمر الله أهل الكتاب أن يؤمنوا به وقد أخذ الميثاق على جميع الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – أن يؤمنوا به إذا ظهر فى زمانهم, فكيف بأتْباعهم؟ {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81] أيؤمن به الأنبياء ويكفر به الأتباع؟ وقد كانت صفات الرسول r مكتوبة عندهم فى التوراة والإنجيل {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} [الأنعام:20] ولكنهم حرفوها, حتى لا تكون حجة عليهم, ورغم ذلك التحريف, فقد بقى فى الكتاب المقدس بعض ما بشر بنبوته r مثل ما ورد فى الرد على الشبهة رقم (169) ومثل:

وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك. فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحَق. وأقيم عهدى معه عهداً أبدياً لنسله من بعده. وأما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه. ها أنا أباركه وأُثَمِّره وأُكثِّره كثيراً جداً. اثنى عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة (تكوين17: 18-20) وجاء فيه أيضاً: وابن الجارية أيضاً سأجعله أمَّة لأنه نسلك (تكوين21: 13) وجاء فيه أيضاً: فسمع الله صوت الغلام. ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالِك يا هاجر. لا تخافى لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومى احملى الغلام وشدِّى يدك به. لأنى سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء. فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. (تكوين21: 17-19) فمن تكون هذه الأمة العظيمة إن لم تكن أمة سيدنا محمد r؟ وما هى هذه البئر إن لم تكن بئر زمزم؟

إن الإسلام هو الدين الخاتم الذى ارتضاه الله للناس إلى يوم القيامة, فإن الكتب التى سبقته قد حُرِّفت, ولم يصبح للكتب الأصلية أى أثر, فأنزل الله القرآن وتكفَّل بحفظه, وجعله أكمل كتاب, وجعل فيه من الشرائع ما يصلح للبشرية إلى نهايتها, فلا يوجد قبله كتاب تحدى الله البشر أن يأتوا بمثله كما تحداهم بهذا الكتاب العظيم, وقد جعله الله مصدقاً لما فيها ومهيمناً عليه {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48] {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] ثم إذا تدبرنا لفظة {عَرَبِيّاً} فسنجد أن من معانيها فى لغة العرب: أنه يُعْرِب, ويُعبِّر, وفى حالة إفصاح وتبيان وجَلاء, وكما نقول: إن فلاناً يُعْرِبُ عمّا فى نفسه, فيدلنا على مقصوده ومراميه, فلا يخفى علينا قوله.

ونقول لمثيرى هذه الشبهة: ارجعوا إلى كتابكم المقدس لتعلموا أن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لم يُرسَل إلا لبنى إسرائيل, فلماذا آمن به غيرهم؟ ولماذا تقومون بالحملات التنصيرية لتدخلوا من استطعتم فى دينكم, ولو لم يكن من بنى إسرائيل؟

فأجاب وقال لم أُرسَل إلا إلى خِراف بنى إسرائيل الضالَّة (متى15: 24)

هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً. إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرِىّ إلى خِراف بيت اسرائيل الضالَّة. (متى10: 5-6), والله أعلم.

س122- يقول نبيكم: ((أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة, فإن صلحت صلح له سائر عمله, وإن فسدت فسد سائر عمله)) [صحيح الجامع:2573]‌  ويقول: ((إن أول ما يُحكَم بين العباد فى الدماء)) [صحيح الجامع:2021]‌ فنحن لا ندرى أتكون المحاسبة أولاً على الصلاة, أم على الدماء؟

ج122- ((أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة)) إن هذا فى حق الله جل وعلا, أما الحديث الآخر المتعلق بالدماء فهو فى حق العباد, ويجمع بين الحديثين حديث واحد يوضح هذا المعنى, وهو قوله r: ((أول ما يُحاسب به العبد الصلاة, وأول ما يُقضى بين الناس فى الدماء)) ‌[سنن النسائى, صحيح الجامع:2572]‌, والله أعلم.

س123- تقولون إن نبيكم (أشجع الشجعان) مع أنه خرج فى الهجرة متخفياً من قومه, بينما خرج عمر بن الخطاب علانية, أليس كان الأجدر بنبيكم أن يفعل مثله, حتى يستحق هذا اللقب؟

ج123- إن الرسول r قدوة لكل الأمة, أقويائها وضعفائها, فقد خرج علانية على الشباب الواقفين ببابه, وهم مدججون بالسلاح ليقتلوه, غير خائفٍ منهم, بل كان متوكلاُ على الله سبحانه وتعالى, ولم يكتفِ بذلك, بل حثا على رءوسهم التراب, وقرأ عليهم {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس:9] فكان فى خروجه هذا أقوى وأشجع من عمر بن الخطاب t أمّا خروجه من عند أبى بكر t فكان خُفية, ولهذا يكون الله عز وجل قد جمع له بين الأمرين.. خروج الأقوياء وخروج الضعفاء, ليكون قدوة لكِلا النوعين من المسلمين. وفى خروجه متخفياً فوائد أخرى غير قدوته للضعفاء, فقد علَّم الأمة التخطيط الدقيق, والأخذ بالأسباب, مع التوكل على الله سبحانه وتعالى, فبعدما اجتهد فى التخفِّى, حتى وصل إلى غار ثَوْر, تتبّع الكفار آثاره, حتى وصلوا إلى الغار, ولكنه لم يَخَفْ منهم, وقال لأبى بكر بكل يقين: ((يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟)) [صحيح مسلم] فالمطلوب من العبد أن يبذل كل ما فى وسعه من الأسباب التى مكَّنه الله منها, ولكن لا يتوكل عليها, بل يتوكل على الله جل وعلا, لأنه هو الذى يكلل سعيه بالنجاح {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] ولو خرج الرسول r للهجرة بغير تدبير ولا تخطيط, لَمَا كان قدوة لأمته فى التدبير والتخطيط, وإعمال العقل, والأخذ بالأسباب, ولقالوا: لقد خرج بحفظ الله له لأنه نبى, وأنَّى لنا بذلك؟ وليس معنى هذا أن الأسباب التى اتخذها هى التى نَجَّته, أو أن الله لم يحفظه, ولكنه فعل أقصى ما فى وسعه – فكما قلنا – إن المشركين وصلوا إلى المكان الذى اختبأ فيه فى غار ثَوْر, ولولا الله سبحانه وتعالى ما نجا. وهناك دروس أخرى كثيرة من الهجرة المباركة يُرجَع إليها فى كتب السيرة.

والذين ينسبون الخوف لنبينا r لا ينسبون لمعبودهم الخوف فقط, بل وينسبون له الانزعاج, والاكتئاب, والحزن, والبكاء, فيقول كتابهم المقدس: فلما رآها يسوع تبكى واليهود الذين جاءوا معهما يبكون انزعج بالروح واضطرب وقال أين وضعتموه. قالوا له يا سيّد تعالَ وانظر. بكى يسوع. (يوحنا11: 33-35) فانزعج يسوع أيضاً فى نفسه وجاء إلى القبر. (يوحنا11: 38) ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يدهش ويكتئب. فقال لهم نفسى حزينة جداً حتى الموت. (مرقس14: 33-34) فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. فلم يكن يسوع أيضاً يمشى بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرية إلى مدينة يقال لها أفرايم ومكث هناك مع تلاميذه (يوحنا11: 53-54) وكان يسوع يتردد بعد هذا فى الجليل. لأنه لم يُرِد أن يتردد فى اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه (يوحنا7: 1) فرفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً فى وسطهم ومضى هكذا (يوحنا8: 59) ونحن نسألهم: لو كان المسيح إلهاً – كما تقولون – فلماذا كل هذا الخوف والحذَر من اليهود الذين أرادوا قتله؟ أليس المفروض أنه يعلم الغيب, ويعلم أنه لن ينجو منهم؟ وإذا كان قد جاء ليفتديكم بنفسه – كما تقولون- فلِمَ كان يهرب منهم؟, والله أعلم.

س124- يقول نبيكم: ((ما ملأ آدمى وعاءً شراً من بطنه, بِحَسْب ابن آدم أكلات يُقِمْنَ صُلبَه, فإن كان لا محالة فثلث لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث لنَفَسِه)) [صحيح الجامع:5674] معلوم أن التنفس يكون بالرئتين, فما دخل المعدة فيه؟

ج124- إن الذى يعرف – ولو قدراً يسيراً – من علم التشريح, يعلم أن بين المعدة والرئتين غشاءً يُسَمَّى (الحجاب الحاجز) وهذا الحجاب الحاجز يتحرك لأسفل ولأعلى مع الشهيق والزفير, فهو يهبط مع الشهيق, ليسمح للرئة أن تمتلئ بالهواء الذى يحتوى على الأكسجين, ثم يعلو مع الزفير, ليسمح لها أن تخرج ثانى أكسيد الكربون, وقد قدَّر المتخصصون حجم المعِدَة بألف وخمسمائة سنتيمتر مُكَعَّب تقريباً, وقدَّروا ما يحتاجه الإنسان فى تنفسه حوالى خمسمائة سنتيمتر مكعب تقريباً, فحين يملأ الإنسان ثلث معدته بالطعام (أى خمسمائة سنتيمتر مكعب) يحتاج (تقريباً) لمثلها ماء, فيتبقى الثلث الأخير من المعدة فارغاً, ليسمح للحجاب الحاجز أن ينزل مع الشهيق, ويتيح الفرصة للرئة أن تمتلئ بما يحتاجه الإنسان من الأكسجين, فحين تكون المعدة ممتلئة تماماً لا يستطيع الحركة بحرِّية (لأنه كما قلنا إن المعدة ملاصقة له من أسفل) فلا يسمح للرئة أن تأخذ القدر المطلوب من الهواء, وهذا يسبب ضيقاً فى التنفس, ونلاحظ هذا الأمر فيمن يملأون بطونهم من الطعام والشراب, فلا يستطيعون التنفس إلا بصعوبة, ويبحثون عن الأدوية التى تعينهم على هضمه من فوّار أو غيره, ولو أنهم امتثلوا أمر الرسول r لَمَا أصابهم هذا الضيق, ولَمَا أصيبوا بأمراض كثيرة, فإن معظم الأمراض من التُّخمة وكثرة الطعام.

وما رأيك أيها المعترض على حديث رسول الله r وما رأى الطب فيمن يأكل طعاماً واحداً لمدة 390 يوماً وهو متكئ على جنبه؟ وما رأيك فى الذى يأكل لحم الشاة ورأسها وأكارعها وأحشاءها مع الفطير بعَجَلَة (بسرعة) والذى يأكل الفطير لمدة سبعة أيام؟ ربما تتعجب وتقول: ما دخل هذا بموضوعنا؟ فأقول لك: إن هذا ما جاء به كتابك المقدس, ليس هذا فحسب, بل جاء فيه أن من يأكل خَميراً فى أيام مُعيَّنة يُقطَع من جماعة إسرائيل, وها هى الأدلة:

وخُذ أنت لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدَساً ودُخناً وكرسنة وضَعْها فى وعاء واحد واصنعها لنفسك خبزاً كعدد الأيام التى تتكئ فيها على جنبك. ثلاث مئة يوم وتسعين يوماً تأكله. (حزقيال4: 9)

تكون لكم شاة صحيحة ذَكَراً ابن سَنَة. تأخذونه من الخِرفان أو من المواعِز. ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل فى العَشَيَّة. ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العُليا فى البيوت التى يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويّاً بالنار مع فطير. على أعشاب مُرَّة يأكلونه. لا تأكلوا منه نيِّئاً أو طبيخاً مطبوخاً بالماء بل مشويّاً بالنار. رأسه مع أكارعه وجوفه. ولا تُبقوا منه إلى الصباح. والباقى منه إلى الصباح تحرقونه بالنار. وهكذا تأكلونه أحْقَاؤُكُم مشدودة وأحذيتكم فى أرجلكم وعصيُّكم فى أيديكم. وتأكلونه بعَجَلَة. هو فِصْحٌ للرب. فإنى أجتازُ فى أرض مصر هذه الليلة وأضربُ كل بِكْر فى أرض مصر من الناس والبهائم. وأصنعُ أحكاماً بكل آلهة المصريين. أنا الرب. ويكون لكم الدم علامة على البيوت التى أنتم فيها. فأرى الدم وأعْبُرُ عنكم. فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر. ويكون لكم هذا اليوم تذكاراً فتعيِّدونه عِيداً للرب. فى أجيالكم تعيِّدونه فريضة أبديَّة سبعة أيام تأكلون فطيراً. اليوم الأول تعزلون الْخَمير من بيوتكم. فإن كل من أكل خميراً من اليوم الأول إلى اليوم السابع تُقطَعُ تلك النفس من إسرائيل… وتحفظون الفطير لأنى فى هذا اليوم عَيْنِهِ أخرجتُ أجنادكم من أرض مصر. فتحفظون هذا اليوم فى أجيالكم فريضة أبدية. فى الشهر الأول فى اليوم الرابع عشر من الشهر مساء تأكلون فطيراً إلى اليوم الحادى والعشرين من الشهر مساء. سبعة أيام لا يوجد خَمِير فى بيوتكم. فإن كل من أكل مُختمِراً تُقطَعُ تلك النفس من جماعة إسرائيل الغريب مع مولود الأرض. لا تأكلوا شيئاً مُختمراً. فى جميع مساكنكم تأكلون فطيراً (خروج12: 5-20), والله أعلم.

س125- يقول نبيكم إن الأمراض تكفير للذنوب, فما بال الأطفال؟ هل يذنبون حتى يصابوا بالمرض؟ وما ذنب الأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية؟

ج125- أولاً: لقد مر بنا فى الرد على الشبهة رقم (9) أن كلمة (عيب خلقى) لا تصح, لأنها اتهام لله سبحانه وتعالى بالعيب فى صنعته.

ثانياً: إن مرض الطفل, أو ولادته مُعوَّقاً, فى ميزان حسناته يوم القيامة, وتكفير لذنوب والديه, قال رسول الله r: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة فى نفسه, وولده, وماله, حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:5815] والله سبحانه وتعالى {لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] فلن يضيع أجر هذا الطفل, فهو الذى لا يضيع حتى أجر الكافر, ولكنه يعجِّل أجره فى الدنيا من مال, وولد, وصحة, وشُهرة… إلى غير ذلك, قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ{15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود:15-16] وقال: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20] وقال رسوله r: ((إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة, يُعطَى عليها فى الدنيا, ويُثاب عليها فى الآخرة, وأما الكافر فيُطعَم بحسناته فى الدنيا, حتى إذا أفضى إلى الآخرة, لم تكن له حسنة يُعطَى بها خيراً)) [صحيح الجامع:1853]‌ والأمراض مفيدة للطفل فى تقوية جهازه المناعى, وتأهيله لمواجهة مصاعب الحياة من مرض وغيره, وقد يكون مرض الإنسان فى صغره, أو إعاقته الخِلْقية, مما يخفف عنه عقوبة ذنوبه عند كبره, بمعنى أنه إذا كبر وعمل ذنوباً تستوجب المؤاخذة عليها, فربما خفف الله عنه بهذه الأمراض والتشوهات التى أصابته فى الصغر, لأن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده الخير عجَّل له العقوبة فى الدنيا, كما قال رسول الله r: ((إذا أراد الله بعبده الخير, عجَّل له العقوبة فى الدنيا, وإذا أراد بعبده الشر, أمسك عنه بذنبه, حتى يُوافَى به يوم القيامة)) [صحيح الجامع:308]‌ وربما منعته هذه الإعاقة عن بعض المعاصى, وكانت سبباً فى تقربه لله سبحانه وتعالى, فكان ذلك خيراً له, وربما عوضه الله مَلَكات أخرى خيراً مما فقدها, وربما كانت حافزاً له على العلم والتفوق, وهذا الأمر مُشاهد فى كثير ممن أصيبوا بأمراض خِلْقية, فنبغوا فى علوم شتى, لأن إصابتهم أقعدتهم عن اللهو واللعب, وجعلتهم يتفرغون للمذاكرة والعلم والبحث, وأزْكَت فيهم رغبة التحدى والتميُّز على غيرهم من الأسْوياء. وكذلك فإن التشوهات الخلقية, والأمراض التى تصيب الأطفال, تحفِّز العلماء على الأبحاث والفحوصات والتحاليل, ودراسة هذه الأمراض, وكيفية الوقاية منها, وطرق علاجها, فتتقدم بذلك العلوم, وتزداد خبرة العلماء, ولو كان الأطفال كلهم يولدون على هيئة واحدة لا تتغير, لقال الملحدون إنها الطبيعة, وكأنه (أكلاشيه) يطبع نُسَخاً متشابهة, أو لقالوا إن الله ليست له طلاقة القدرة على التغيير. ولو لم تأتهم الأمراض, لَمَا وُجِدَ طب الأطفال, وجراحة الأطفال, وغير ذلك, ولكان عدم إصابتهم بالأمراض أمراً محيِّراً, إذ كيف يصاب الكبار بالبكتيريا (مثلاً) أو الفيروسات, أو الحوادث, أو غير ذلك, ولا يصاب الصغار؟ أمّا الذين يموتون وهم صغار, فربما لو عاشوا لفسدوا, أو أفسدوا فى الأرض, وأصبحوا من أهل النار, فحين يقبضهم الله فى الصغر, فهذا رحمة بهم, وبمن حولهم, مثل الولد الذى قتله الخضِر, ووردت قصته فى سورة (الكهف) وأطفال المسلمين فى الجنة, يسرحون فيها حيث شاءوا (والجمهور على أن أطفال الكفار أيضاً فى الجنة) قال رسول الله r: ((صغاركم دعاميص الجنة, يتلَّقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه, فلا ينتهى حتى يدخله الله وأباه الجنة)) [صحيح الجامع:3764] (الدعموص) قيل إنه نوع من السمك الصغير كثير الحركة, أو هو الزوّار للملوك, الذى يدخل ويخرج من عندهم كما يشاء, بغير إذن ولا حاجب يحجبه, وقد شبّه بذلك الأطفال لكثرة دخولهم وخروجهم ولعبهم فى الجنة.

والذين يشفقون على الأطفال من الأمراض, عندهم فى كتابهم المقدس ما هو أشد من ذلك, وهو أكل الآباء والأمهات لأولادهم فى الحصار, كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم (148) وعندهم أيضاً:

تُجازَى السامرة لأنها قد تمرَّدت على إلهها. بالسيف يسقطون. تُحَطَّم أطفالهم والحوامل تُشَق (هوشع13: 16) نلاحظ شق بطون الحوامل, كما فعل الصِّرب بمسلمى البوسنة.

طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة (مزمور137: 9)

فتحطِّم القِسِىّ الفتيان ولا يرحمون ثمرة البطن. لا تشفق عيونهم على الأولاد. (إشعياء13: 18)

حتى الحيوانات لم يرحمها الكتاب المقدس, إذ يقول: وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى. فطلب إليه كل الشياطين قائلين أَرسِلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذِنَ لهم يسوع للوقت. فخرجت الأرواح النجسة ودخلت فى الخنازير. فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحر. وكان نحو ألفين. فاختنق فى البحر.  (مرقس5: 11-13) ونحن نتساءل: ما ذنب الخنازير؟ ألم يستطع معبودكم أن يخرج الشياطين من الرجل الممسوس دون أن يدخلها فى هذه الخنازير؟ ثم ما ذنب صاحبها؟ أليس هذا إضراراً بثروته؟ وما تأثير ذلك على الاقتصاد العام؟ وماذا تقول جمعية الرفق بالحيوان عن هذا التصرف؟, والله أعلم.

س126- كيف يدَّعى القرآن أن نبيكم على خُلُق عظيم, فى حين أنه عبس فى وجه الرجل الأعمى الفقير عبد الله بن أم مكتوم؟

ج126- إن رسول الله r هو أعظم الناس خُلُقا, حقاً, وصدقاً, ويقيناً, كما وصفه ربنا تبارك وتعالى, وعُبوسُه فى وجه عبد الله بن أم مكتوم t كان لحرصه الشديد على هداية قومه, وعلى السّادة منهم, لأنهم لو أسلموا لاتبعهم الكثير والكثير, لشرفهم فى قومهم, وكثرة أتباعهم من الزوجات والأولاد والعبيد, والرسول r لم ينهر عبد الله, ولم يسبّه, ولم يأمر أحداً بإخراجه من عنده, بل غاية ما فعله أنه عبس, لأن عبد الله قطع عليه الكلام, وكان الرسول r يَوَدّ أن ينتظره حتى يكمل حديثه, فإن الإنسان حين يكظم غيظه يظهر على وجهه بعض العبوس, ولا يستطيع إخفاءه كُليَّة, وعُبوس الرسول r لم يكن احتقاراً له, فهو الذى جعله يؤذن لصلاة الفجر, فقال: ((إن بلالاً يؤذِّن بليل, فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) [متفق عليه] ولو كان النبى r هو الذى ألَّف القرآن – كما يدَّعى المغرضون – لَمَا أخبرنا عن هذا العبوس, ولو أنه قصَّر فى تبليغ آيات الله, أو حذف شيئاً منها, لحذف هذه الآية.

والذين يعتبرون مجرد عبوس الرسول r فى وجه الأعمى الذى لا يراه ينافى حُسْن الخلق, ماذا يقولون عن سَبّ معبودهم لتلاميذه ومحبِّيه؟ فقد جاء فى كتابهم المقدس: فالتفت وقال يا بطرس اذهب عنى يا شيطان. أنت مَعثرَة لى (متى16: 23) مع العلم أن (بطرس) مُعظَّم عندهم بنَصّ كتابهم الذى قال: وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً فى السموات. وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً فى السموات. (متى16: 18-19), والله أعلم. 

س127- تقولون إن نبيكم كان متواضعاً, وأنه كان يعطف على الفقراء والمساكين, ثم ينفى القرآن صفة التواضع عنه, فيقول: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52] وها هو يطردهم يريد زينة الحياة الدنيا {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28]

ج127- إن ما حدث هو أن بعض السادة من المشركين طلبوا من الرسول r أن يجعل لهم يوماً يستمعون فيه إلى حديثه, ويجعل للفقراء والعبيد يوماً, فقد كان هناك تفاوت طبقى رهيب بين السادة والعبيد, فلما رأى السادة من المشركين أن بلالاً وصُهَيباً وخبّاب ابن الأَرَت, وغيرهم من العبيد, يجلسون بجوار أبى بكر وعمر وعثمان, وغيرهم من وُجهاء القوم من المسلمين – رضى الله عنهم أجمعين – لم يعجبهم هذا الأمر, وقالوا له: (أتُجْلِسُنا بجوار هؤلاء العبيد؟ إن رائحتهم تؤذينا, فإن أردتَ أن نسمع منك, فاجعل لنا يوماً ولهم يوماً) وذلك (بمنطق المتكبرين) كما لو أردتَ أن تجلس جُندياً بجانب لِواء, أو عامل نظافة بجانب وزير, والرسول r كان حريصاً كل الحرص على هداية الناس أجمعين, فهو الذى رأى النار وأهلها بعينيه ليلة المعراج, وهو الذى قال: ((والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً, وما تلذذتم بالنساء على الفُرُش, ولخرجتم إلى الصَعُدات تجأرون إلى الله)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:2449] فالرسول r لم يجبهم إلى طلبهم, ولكنه فكر فيه مجرد تفكير, ولم يكن ذلك لمصلحته الشخصية, ولكن حرصاً على هدايتهم كما قلنا, فقد كان حزيناً عليهم أشد الحزن, لدرجة أن حزنه عليهم كاد يقتله, كما قال له ربنا تبارك وتعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] فمجرد تفكيره هذا لم يُرضِ الله عز وجل, فأنزل عليه هذه الآيات لئلا يجيبهم إلى ما طلبوه, فإن الميزان عند الله سبحانه وتعالى بالتقوى والعمل الصالح, وليس بالجاه أو المال أو الولد, قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وقال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37] وقال رسوله r: ((إن الله تعالى لا ينظر إلى صُوَركم وأموالكم, ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) [صحيح الجامع:1862] فهو سيّد المتواضعين, صلوات ربى وسلامه عليه, وهو الذى رأته امرأة ذات مرة يأكل وهو جالس القُرفُصاء, فقالت: إنه يجلس جِلسة العبد (لأن العبد يجلس هذه الجلسة ليكون مستعداً للقيام بسرعة إذا طلب منه سيده أى شىء) فقال: ((آكُل كما يأكل العبد, وأجلس كما يجلس العبد, فإنما أنا عبد)) [مصنف عبد الرزاق, أخرجه الألبانى فى السلسلة الصحيحة برقم441], أما قوله تعالى: {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فهو لِلَفت نظره أن هذا فعل من يريدون زينة الحياة الدنيا, لئلا يكون مثلهم, كما أن أى توجيه للرسول r هو توجيه لأمَّته من باب أوْلى.

إن الرسول r لم يثبت عنه قط أنه طرد أحداً من المسلمين, ولو كان أفقر الفقراء, حتى ولا أحداً ممن عُرِفوا بالنفاق, أين هذا مما جاء فى كتابكم المقدس, من وصف معبودكم للمرأة التى استنجدت به بالكلاب؟ وها هو الدليل:

ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحى صور وصيداء. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة ارحمنى يا سيد يا ابن داود. ابنتى مجنونة جداً. فلم يُجِبها بكلمة. فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال لم أُرسَل إلا إلى خِراف بيت إسرائيل الضالَّة. فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعِنِّى. فأجاب وقال ليس حسناً أن يؤخذ خُبز البنين ويُطرَح للكلاب. فقالت نعم يا سيد. والكلاب أيضاً تأكل من الفُتات الذى يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيمٌ إيمانُكِ. ليكن لك كما تريدين. فشُفِيَت ابنتها من تلك الساعة (متى15: 21-28) وقد أمر تلاميذه ألا يسلِّموا على أحد فى الطريق, فقال: ولا تسلِّموا على أحد فى الطريق (لوقا10: 4) أين هذا من قول رسولنا r لمن سأله أىّ الإسلام خير: ((تُطعِم الطعام, وتقرأ السلام على من عرفتَ ومن لم تعرف)) [متفق عليه], والله أعلم.

س128- إن نبيكم كان قاطع طريق, ألا ترون ما فعله هو وأصحابه من الخروج لقطع الطريق على قافلة أبى سفيان؟

ج128- إن ما فعله الرسول r وأصحابه yلم يكن قطعاً للطريق – وإن بدا ذلك فى ظاهر الأمر – لأن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم, فراراً بدينهم من تعذيب المشركين لهم, ولم يكتفِ المشركون بذلك, بل إنهم استولوا على تلك الأموال والديار وباعوها, حتى بيت النبى r لم يَنجُ من سَطْوِهم, وقصة صهيب الرومى t معروفة, حين منعوه من الهجرة, إلا أن يترك لهم جميع أمواله, فتركها وهاجر إلى الرسول r فلما رآه الرسول قال له: ((رَبِحَ البيع أبا يحيى, ربح البيع أبا يحيى)) فهل إذا سطا عليك أحد, وأخذ منك جميع ما تملك, ثم وجدتَ فرصة لاسترداد بعض ما أخذه منك, أيكون هذا قطعاً للطريق؟

وإننا لنتعجب ممن يلصقون التُّهَم بأشرف الخلق أجمعين, صلوات ربى وسلامه عليه إلى يوم الدين, ويخفون ما جاء فى كتابهم المقدس من قتل الأطفال والشيوخ, وحرق الْمُدُن, وخطف النساء والاعتداء عليهن, لدرجة اتهام سيدنا داود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – بخطف امرأة من زوجها, وها هى الأدلة:

كل من وُجِدَ يُطعَن وكل من انحاش يسقط بالسيف. وتُحَطَّم أطفالهم أمام عيونهم وتُنهَب بيوتهم وتُفضَح نساؤهم (إشعياء13: 15-16)

وأوصوا بنى بنيامين قائلين امضوا واكْمنوا فى الكروم. وانظروا فإذا خرجت بنات شيلوه ليَدُرنَ فى الرقص فاخرجوا أنتم من الكروم واخطفوا لأنفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوه واذهبوا إلى أرض بنيامين. (قضاة21: 20-21)

فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها. لم يُبْقِ شارداً بل حَرَّم كل نَسَمَة كما أمر الرب إله إسرائيل. (يشوع10: 40)

ويكون عند أخذكم المدينة أنكم تضرمون المدينة بالنار. كقول الرب تفعلون. انظروا. قد أوصيتكم. (يشوع8: 8)  

فأرسل أبنير من فوره رُسُلاً إلى داود قائلاً لمن هى الأرض. يقولون اقطع عهدك معى وهُوَذا يدى معك لردّ جميع إسرائيل إليك. فقال حسناً. أنا أقطع معك عهداً إلا إنى أطلبُ منك أمراً واحداً وهو أن لا ترى وجهى ما لم تأتِ أولاً بميكال بنت شاول حين تأتى لترى وجهى. وأرسل داود رُسُلاً إلى أيشبوشث بن شاول يقول أعطنى امرأتى ميكال التى خطبتها لنفسى بمئة غُلفَة من الفلسطينيين. فأرسل أيشبوشث وأخذها من عند رَجُلِها من فلطيئيل بن لايش. وكان رَجُلُها يسير معها ويبكى وراءها إلى بحوريم. فقال له أبنير اذهب. ارْجِعْ. فَرَجَعَ (صموئيل الثانى3: 12-16) والدليل عل أن كلمة (رَجُلِها) تعنى (زوجها) ما جاء فى الكتاب المقدس عن السيدة حواء, حيث قال: فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهيَّة للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل. (تكوين3: 6), والله أعلم.

س129- إن ربكم قد أخرج نبيكم من حِنثه فى اليمين كما تخرج الشعرة من العجين, وذلك حين قال له: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2]

ج129- إن هذا تيسير على الأمة كلها, ورفع الحرج عنها, وليس خاصاً بالرسول r وحده, فهل قالت الآية (قد فرض الله لك تَحِلَّة أيمانِك) أم قالت: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}؟ وتَحِلَّة الأيْمان قد ذكرها الله سبحانه وتعالى فى قوله: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89] ففى هذه الآية الكريمة رفع للحرج عن المؤمنين من جهة, والتوسعة عليهم من جهة أخرى, أمّا رفع الحرج فقد وضحه الرسول r فى قوله: ((من حلف على يمين, فرأى غيرها خيراً منها, فليأتِ الذى هو خير, وليكفِّر عن يمينه)) [صحيح مسلم] وأما التوسعة على المؤمنين, ففى طريقة التكفير عن اليمين, فهى إما بإطعام المساكين, أو كسوتهم, أو تحرير رقبة, وهذا فيه النفع لفقراء الأمة ورَقيقِها, ومن لم يستطع الإطعام أو الكسوة أو العتق, فليَصُم ثلاثة أيام, وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه, وهذا الأمر ليس قاصراً على كفارة اليمين, بل إن معظم الكفارات قائمة على نفع المخلوقين بالصدقة والعتق والإطعام والكسوة, أكثر من القيام بالعبادة المحضة, التى لا يعود نفعها إلا على فاعلها, كالصلاة والصيام. وآية كفارة اليمين نزلت قبل أن يحرم الرسول r على نفسه العسل, فلم تنزل له خاصة, بل هى للمؤمنين عامة.

وقد جاء فى الكتاب المقدس – ليس فقط سهولة كفارة اليمين – بل سهولة كفارة القتل, إذ يقول:

إذا وُجِدَ قتيل فى الأرض التى يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعاً فى الحقل لا يُعلَم من قَتَلَهُ يخرج شيوخك وقُضاتُك ويقيسون إلى الْمُدُن التى حول القتيل. فالمدينة القُرْبى من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عِجْلة من البقر لم يُحرَث عليها لم تَجُرَّ بالنِّير وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعِجْلَة إلى وادٍ دائم السَّيَلان لم يُحرَث فيه ولم يُزرَع ويكسرون عُنُق العِجْلة فى الوادى… ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العِجْلة المكسورة العُنُق فى الوادى ويُصرِّحون ويقولون أيدينا لم تسفِك هذا الدم وأعيننا لم تُبصِر. اغفِر لشعبكِ إسرائيل الذى فديتَ يا رب ولا تجعل دم برى فى وسط شعبكَ إسرائيل. فيُغفَر لهم الدم. فتنزعُ الدم البرى من وسَطِك إذا عملتَ الصالح فى عَيْنى الرب (تثنية21: 1-9) ونحن نتساءل: ما ذنب العِجْلة أن يُكسَر عُنُقها؟ ألا كان يكفى أن يُقْسِموا أنهم لم يقتلوه؟, والله أعلم.

س130- إن ميلاد محمد ليس فيه أى خارقة كميلاد عيسى وموسى, فأما عيسى فقصته معلومة, وأما موسى فقد وُلِدَ فى عام الذبح, ولكنه لم يُذبَح, بل تربَّى فى قصر فرعون, فلو كان شأن نبيكم عظيماً – كما تدَّعون – لكان لولادته شأن عظيم أيضاً.

ج130- إن هذا من باب الأسئلة الطفولية, التى نضطر أن نجيب عليها, حتى لا يُقال إننا هربنا منها, ونجيبكم بسؤالكم: هل تؤمنون بنبى الله إبراهيم, أم أنكم لا تؤمنون به؟ بالطبع ستكون إجابتكم أن نعم, فنسألكم: هل حدثت فى ولادته أى خارقة, أو أى شىء غير طبيعى؟ وهل كانت فى ولادة نوح, أو إدريس, أو إسحاق, أو يعقوب, أو هارون, أو أى نبى من أنبياء بنى إسرائيل – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – أى خارقة؟ ثم من قال: إن ولادة سيدنا محمد r لم تكن فيها معجزات؟ لقد كانت هناك معجزات كثيرة, ولكننا لا نعوِّل عليها, لأنها مضت, فربما جحدها الجاحدون, ولأن المعجزة الأهم والأبقى هى معجزة القرآن, ومن هذه المعجزات أن جميع الأصنام التى كانت فى الكعبة وقعت يوم ولادته, حتى (هُبَل) الذى كان أضخمها, وكان مُثبّتاً فى الأرض بالأوتاد وقع على وجهه. وغارت بحيرة (ساوا) التى كانت تُعبَد من دون الله, وسقطت كل الكنائس التى حولها. واهتز إيوان (كسرى) عظيم الفرس, وسقطت منه بعض الشُّرُفات, وأُطفِئَت نار المجوس التى مر عليها ألف عام وهى موقدة, وقد كان الفرس يعبدونها من دون الله, ولم تكن ناراً عادية, فقد كان لها معبد ضخم البنيان, ومصادر لتغذيتها بالوقود من الزيت والخشب, وكان لها دوريات تحرسها ليل نهار, فانطفأت فجأة, مما أثار تشاؤم كسرى, الذى كان يسمى (أنوشروان) وكاد يفتك بالجند الموكلين بحراستها, ولكنه سأل الكهنة والسحرة عن السبب فى هذا, فقالوا له: إن نبى العرب قد وُلِدَ. وقد نزل الرسول r شاخصاً ببصره إلى السماء, واضعاً كفّيه على الأرض, كأنه ساجد لله تعالى, ولم تشعر أمه بحمله ولا ولادته, مما جعلها تقول: (حملته خِفّاً ووضعته خِفّاً) وقد حدثت هذه الأشياء كلها كإشارة إلى التوحيد الذى جاء به هذا النبى الخاتم r, والله أعلم.

س131- يقول نبيكم: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة: المصوِّرون, يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) [مسند أحمد, صحيح الجامع:999]‌ فلو كان محمد مرسلاً من عند الله, لَمَا حرَّم عملاً رائعاً تقوم عليه حضارة الدنيا الآن, وهو ضرورة حتمية من ضرورات الحياة الحديثة, مثل تحقيق الشخصية, وتعليم الطب والجراحة, وعالم الحيوان والبحار… إلخ, ونحن نرى شيوخ الإسلام فى الفضائيات, فهل تعتبرونهم عُصاة؟ حقاً.. إنه لأمر مضحك.  

ج131- إن هذا فهم خاطئ لكلمة (صورة) فكلمة (صورة) تعنى تمثالاً أو صنماً, أى ما له ظِل, وبناءً على ذلك, فالمقصودون فى الحديث الشريف هم صناع التماثيل, أو النحّاتون, لأنهم يحاولون تقليد صنع الله, وهى مَدْعاة لتعظيمها وعبادتها من دون الله, ولذلك يقال لهم يوم القيامة: ((أحيوا ما خلقتم)) إذن فالحديث لا يمنع تطور العلم, لأنه لا يمنع هذه الصور التى قصدها السائل, فالذى سأل عنه هو التصوير الفوتوغرافى, الذى لم يكن موجوداً على عهد رسول الله r, وهو ليس بتصوير حقيقى, ولكنه نقل للصورة عن طريق آلة التصوير, ولا يحتاج لأى مهارة, فلو وقع طائر – مثلاً – على زِر التقاط الصورة لصوَّرها, ولو ضغط على الزر طفل لصورها, إذن فهو ليس محاولة لتقليد خلق الله, ولم يحرمه فقهاء المسلمين, طالما أن له نفعاً وضرورة, أما إذا استُخدِم فى تصوير محرَّم, فيكون محرَّماً (رياض الصالحين بشرح ابن العثيمين, الجزء الرابع: ص240-242) وحتى التماثيل, لو أن هناك ضرورة لصنعها, فقد أباحها العلماء, بشرط ألا تكون على هيئة يحيا عليها الإنسان أو الحيوان, أى أنها لا تكون كاملة, فيقطعون رءوسها – مثلاً – أو يصنعون يداً أو قدماً, كعلاج لبتر الأطراف, أو غير ذلك مما تدعو إليه الحاجة. وكذلك فإن لعب الأطفال مباحة, لأنها تهان, ولكنها لا تُكَرَّم بوضعها على مكان عالٍ, أو بأى طريقة, وبشرط ألا يُبَالغ فى مضاهاتها لصنع الله جل وعلا. إن من أسماء الله تعالى (المصوِّر) فهل يصوِّر صُوَراً كهذه الصور الفوتوغرافية؟ أم أنه يخلق خلقاً متكاملاً؟ ومما يدل على هذا المعنى, قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران:6] وقوله: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [التغابن:3] فهل صوَّرنا فى أرحام أمهاتنا صوراً فوتوغرافية؟ أم أنه صورنا بمعنى أنه خلقنا فأحسن صورنا؟

وليس غريباً على من يصنعون التماثيل للفئران والبواسير أن ينكروا علينا تحريم التماثيل, فقد جاء فى كتابهم المقدس:

واصنعوا تماثيل بواسيركم وتماثيل فيرانكم التى تفسد الأرض واعطوا إله اسرائيل مجداً لعله يخفف يده عنكم وعن آلهتكم وعن أرضكم (صموئيل الأول6: 5)

ووضعوا تابوت الرب على العجلة مع الصندوق وفيران الذهب وتماثيل بواسيرهم (صموئيل الأول6: 11)

وهذه هى بواسير الذهب التى ردها الفلسطينيون قُربان إثم للرب. (صموئيل الأول6: 17)

فقالوا وما هو قربان الإثم الذى نردّه له. فقالوا حسب عدد أقطاب الفلسطينيين خمسة بواسير من ذهب وخمسة فيران من ذهب. لأن الضربة واحدة عليكم جميعاً وعلى أقطابكم (صموئيل الأول6: 4) وحتى لا يظن أحد – من دهشته – أن البواسير ربما كان لها معنى آخر عندهم, فليرجع إلى الإصحاح الذى قبله. ولكن مع هذا فقد حرم كتابهم المقدس التماثيل فى موضع آخر, فقال: ملعون الإنسان الذى يصنع تمثالاً منحوتاً أو مسبوكاً رِجساً لدى الرب عَمَلَ يَدْىّ نحّات ويضعه فى الخفاء. ويجيب جميع الشعب ويقولون آمين. (تثنية27: 15), والله أعلم.

س132- إن الإدمان مرض يعانى منه كثير من الشعوب, وتقام لعلاجه المصحات, ولكن نبيكم بدلاً من أن يعالج المدمنين يأمر بقتلهم, مع أنهم كانوا يشربون الخمر قبل الإسلام شربهم للماء, فيقول: ((من شرب الخمر فاجلدوه, فإن عاد الثانية فاجلدوه, فإن عاد الثالثة فاجلدوه, فإن عاد الرابعة فاقتلوه)) [صحيح الجامع:6309] فهل هذا {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}؟

ج132- إن المستدل بالحديث ليس عنده علم, ولكنه تلقّفه ليطعن فى الرسول r, فبالرغم من صحة الحديث, إلا أنه منسوخ, لأن الرسول r عُرِضَ عليه الذى شرب الخمر أكثر من ثلاث مرات فلم يقتله, فكان فعله نسخاً لقوله, وهذا من رحمته r, حتى إن رجلاً لعن شارب الخمر الذى أقيم عليه الحد عدة مرات, فقال الرسول r: ((لا تلعنوه, فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله)) [صحيح البخارى] فلم يقتل الرسول r مدمناً قط, ولم يقتل بعده أحد من الخلفاء الراشدين أى مدمن. والسائل يعلم أن التاريخ كله لم يعرف نجاح أحد مثل نجاح سيدنا محمد r فى القضاء على الخمر, حتى إن (برنارد شو) المفكر الانجليزى قال: (لو كان محمد عَلَى قيد الحياة لحل مشاكل البشرية كلها وهو يشرب فنجاناً من القهوة) ولما سُئِلَ عن هذه المقولة قال: (إن محمداً استطاع أن يحرم الخمر على أمة عاشقة للخمر, ولكن العالم المتحضر كله لا يزال يعانى من مشكلة إدمان الخمور, ولم تفلح معهم أى قوانين) ويكفى السائل أن يعلم أن حوادث السيارات المترتبة على شرب الخمر فى أمريكا وأوربا تفوق قتلى الحربين العالميتين الأولى والثانية, بل وكل الحروب على مر السنين, فأين هى معاجتهم؟

وسبحان الله! إنهم يعيبون علينا حديثاً منسوخاً لم يعمل به أحد, وينسَون أن عقوبة شارب الخمر عندهم الرجم بالحجارة حتى الموت, وهذا نَصّ ما جاء فى كتابهم المقدس:

إذا كان لرجل ابن معاند ومارد لا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمه ويؤدّبانه فلا يسمع لهما. يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به الى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه ويقولان لشيوخ مدينته. ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكِّير. فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت. فتنزع الشر من بينكم ويسمع كل إسرائيل ويخافون (تثنية21: 18-21) أما عقوبة الجلد التى يتأففون منها, ويتهموننا بالوحشية فى تطبيقها, فهى فى كتابهم المقدس, إذ يقول: إذا كانت خصومة بين أناس وتقدموا إلى القضاء ليقضى القضاة بينهم فليبرروا البارّ ويحكموا على المذنب. فإن كان المذنب مستوجب الضرب يطرحه القاضى ويجلدونه أمامه على قدر ذنبه بالعدد. (تثنية25: 1-2), والله أعلم.  

س133- إن محمداً ينصح أتباعه بشرب ألبان الإبل وأبوالها إذا اصابهم مرض الاستسقاء, أليس هذا أمراً مقززاً تشمئز منه النفوس؟ ثم ما دخل ألبان الإبل وأبوالها بالاستسقاء؟

ج133- إن السائل قد تعجب من هذا العلاج, ولم يذكر أن الذين وصف لهم الرسول r هذا الدواء قد صحَّت أبدانهم بعدما شربوها, ونقول له ولأمثاله: إن هذا الحديث غير مُلزِم, أى أنه ليس فرضاً على من أصيب بالاستسقاء أن يشرب ما تعافه نفسه, فقد أحلّ رسول الله r أكل الضَّب, ولكنه لم يأكله, وقال عنه: ((لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه)) [متفق عليه] ولكن بعض المرضى لا يأنفون من هذا العلاج, لأنه أهون عليهم من المرض, وأيسر من التداوى بالحقن, وأرخص من الأدوية المكلفة, حيث أن العلاج ببديل الزُلال الناقص عندهم يتكلف آلافات الجنيهات. وقد أثبتت دراسة علمية أجرتها كلية (المختبرات الطبية) بجامعة (الجزيرة) بالسودان عن استخدامات قبيلة (البطانة) فى شرق السودان (بول الإبل) فى علاج بعض الأمراض, حيث أنهم يستخدمونه لعلاج الاستسقاء والحميات والجروح. وقد كشف البروفسور (أحمد عبد الله محمدانى) تفاصيل تلك الدراسة العلمية التطبيقية المذهلة داخل ندوة جامعة الجزيرة, حيث ذكر أن الدراسة استمرت 15 يوماً حيث اختير 25 مريضاً مصابين بمرض الاستسقاء, وكانت بطونهم منتفخة بشكل كبير قبل بداية التجربة العلاجية, وبدأت التجربة بإعطاء كل مريض يومياً جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطاً بألبانها, ليكون طعمه مستساغاً, وبعد 15 يوماً من بداية التجربة, أصابهم الذهول من النتيجة, إذ انخفضت بطونهم, وعادت لوضعها الطبيعى, وشفى جميع أفراد العيّنة من الاستسقاء, وتصادف – بقَدَر الله – وجود بروفسور انجليزى أصابه الذهول, وأشاد بالتجربة العلاجية. وقال البروفسور أحمد: أجرينا قبل الدراسة تشخيصاًً لكبد المرضى بالموجات الصوتية, فاكتشفنا أن كبد 15 من الـ25 مريضاً يحتوى (شمعاً) وبعضهم كان مصاباً بتليف فى الكبد, بسبب مرض البلهارسيا, وجميعهم استجابوا للعلاج بـ(بول الابل) وبعض أفراد العينة استمروا برغبتهم فى شرب جرعات بول الإبل يومياً, لمدة شهرين آخرين, وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم من تليف الكبد, وسط دهشتنا جميعاً.

ويخبرنا البروفسور أحمد عبد الله, عميد كلية المختبرات الطبية, عن تجربة علاجية أخرى عن طريق لبن الإبل, وهى تجربة قامت بها طالبة ماجستير بجامعة الجزيرة, لمعرفة أثر لبن الإبل على معدل السكر فى الدم, فاختارت عدداً من المتبرعين المصابين بمرض السكر, لإجراء التجربة العلمية, واستغرقت الدراسة سنة كاملة, حيث قسمت المتبرعين لفئتين: كانت تقدم للفئة الأولى جرعة من لبن الإبل, بمعدل نصف لتر يومياً شراباً على (الرِّيق) وحجبته عن الفئة الثانية, وجاءت النتيجة مذهلة بكل المقاييس, إذ أن نسبة السكر فى الدم انخفضت بدرجة ملحوظة وسط الفئة الأولى ممن شربوا لبن الإبل, عكس الفئة الثانية, وهكذا عكست التجربة العلمية لطالبة الماجستير مدى تأثير لبن الابل فى تخفيض أو علاج نسبة السكر فى الدم.

وأوضح د. أحمد المكونات الموجودة فى بول الإبل, حيث قال إنه يحتوى على كمية كبيرة من البوتاسيوم, يمكن أن تملأ جرادل, ويحتوى أيضاً على زلال بالجرامات, ومغنسيوم, إذ أن الإبل لا تشرب فى فصل الصيف سوى 4 مرات فقط, ومرة واحدة فى الشتاء, وهذا يجعلها تحتفظ بالماء فى جسمها, فالصوديوم يجعلها لاتدر البول كثيراً, لأنه يرجع الماء إلى الجسم. ومعروف أن مرض الاستسقاء إما نقص فى الزلال أو فى البوتاسيوم, وبول الإبل غنى بالاثنين معاً.

وجاء فى برنامج (نشرة الجزيرة الطبية) على قناة الجزيرة يوم 4/1/2007 أن الأطباء اكتشفوا فوائد كثيرة لأبوال الإبل, منها علاج بعض الأمراض, مثل الدمامل والجروح التى تظهر فى جسد الإنسان وشَعره, وأمراض الكبد والاستسقاء, واكتشفوا فيها أيضاً مادة مقاومة للخلايا السرطانية فى الدم, هذا فضلاً عما اكتشفوه من الفوائد الجَمَّة لألبان الإبل.

وقد جاء فى الكتاب المقدس أكْل العَذرة (الغائط) وشُرب بول الإنسان, إذ يقول:

فقال لهم ربشاقى هل إلى سيدك وإليك أرسلنى سيدى لكى أتكلم بهذا الكلام. أليس إلى الرجال الجالسين على السور ليأكلوا عذرتهم ويشربوا بولهم معكم. (الملوك الثانى18: 27)

وجاء فيه من المخالفات العلمية التى لا أصل لها فى (عدد5: 11-32) أن الرجل إذا شك فى خيانة امرأته يأخذها للكاهن فتعرِّى رأسها أمامه, فيسقيها ماء اللعنة, وهو ماء مخلوط بالتراب, فإن كانت خائنة ورم بطنها وشُلّ فخذها. ونحن نتساءل: هل شرب الماء المخلوط بالتراب يحدث بالبطن ورماً؟ وبالفخذ شللاً؟ وهل للتراب دخل فى الأعمال, فيصيب الخائنة دون غيرها؟ وكيف الحال لو أن هذا التراب كان مُلوَّثاً بالجراثيم وغيرها؟, والله أعلم.

س134- يقول نبيكم: ((الدنيا سجن المؤمن, وجنة الكافر)) [صحيح مسلم] وهذا لا يتناسب مع الواقع الذى نعيشه, فعلى سبيل المثال دول الخليج المسلمة, بالمقارنة مع الدول البوذية الْمُعدَمة, أين هى جنة البوذيين, وسجن المؤمنين؟

ج134- إن ما فيه المؤمنون من هذا النعيم, لا يساوى شيئاً بالنسبة لما أعدَّه الله لهم من النعيم المقيم, وما فيه الكافرون من الفقر والمرض, يعتبر جنة بالمقارنة لما ينتظرهم من العذاب الأليم. كذلك فإن القيود التى يتقيد بها المسلم من الأوامر والنواهى تجعله (بالنسبة للآخرة) وكأنه فى سجن, وانطلاق الكافر فى ملذاته وشهواته تجعل الدنيا جنته, والله أعلم.

س135- يقول نبيكم: ((بيت لا تَمْرَ فيه جياع أهله)) [صحيح مسلم] ما هذا يا مسلمون؟ أيكون الأغنياء جياعاً إن لم يكن عندهم تمر؟ إن هذا لمضحك حقاً!

ج135- إن التمر من أفضل الثمار المفيدة للإنسان على مر الأزمان, وقد كان التمر أغلب قوت بلاد الحجاز فى زمن الرسول r, وقد قال العلماء: إن هذا الحديث ينطبق على من ليس عنده غالب قوت بلده, فمن كان غالب قوت بلده البُر.. يقال: بيت لا بُرَّ فيه جياع أهله, ومن كان غالب قوت بلده الأرز (مثل مصر) يقال: بيت لا أرز فيه جياع أهله… وهكذا. وهناك تفسير آخر للحديث الشريف, وهو أن البيت الذى فيه التمر (ولو كان غنياً) فهو يسد جوع أهله مؤقتاً ريثما يُطهَى الطعام,  فلو دخل رب البيت (مثلاً) وهو جائع, وزوجته لم تكمل طهى الطعام, فإنه يتصبَّر ببضع تمرات, حتى تنتهى من تحضير طعامها, والله أعلم.

س136- إن نبى الرحمة – كما تقولون – يهدد أهل مِلَّتِه, ويريد إحراقهم بالنار إن لم يصلوا فى مسجده, كما ورد ذلك فى الصحيحين.

ج136- إن الرسول r لم يحرق أحداً أبداً, بل ولم يحرق أى كائن حى, حتى إنه نهى عن حرق قرية النمل, وقال: ((إنه لا ينبغى أن يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار)) [صحيح الجامع:2425] ويبدو أن السائل لا علم له باللغة العربية, لأن الحديث يقول: ((أُحَرِّق عليهم بيوتهم)) ولابد للموجود فيها أن يخرج حتى لا تصيبه النار, وكأن البيوت سبب انقطاع الرجال عن المسجد, فالرسول r همَّ بأن يحرِّق السبب وهو البيوت, ولم يَهِمّ بحرق الناس, لأن صلاة الجماعة لها فى الإسلام شأن عظيم, وأجر كبير, وفوائد متعددة, وهى أفضل العبادات, ويضيق المقام عن ذكر فوائدها. والرسول r هو القدوة, فلم يأمرهم بالصلاة فى المسجد ويصلى هو فى البيت, بل هو إمام المسلمين فى كل الصلوات. ثم إنه r همَّ بالتحريق فقط, ولم ينفِّذ ما همَّ به, وذلك من شدة غضبه عليهم, كمن يغضب على ابنه غضباً شديداً ويقول: لأفعلنَّ به كذا وكذا, ثم لا يفعل شيئاً, فمجرد الهمّ بالشىء لا يؤاخذ عليه الإنسان, كما ورد ذلك فى أحاديث الرسول r. وقد ذكرنا فى الإجابة على الشبهة رقم (179) وغيرها أن الكتاب المقدس أمر بإحراق المدن بمن فيها وما فيها. وجاء فيه أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعاقب قوماً, ثم رجع فى كلامه (بزعمهم) ولم يعاقبهم:

فتمرد الأبناء علىَّ. لم يسلكوا فى فرائضى ولم يحفظوا أحكامى ليعملوها التى إن عملها إنسان يحيا بها ونجسوا سُبوتى فقلتُ إنى أسْكُبُ رِجْزِى عليهم لأُتِمَّ سخطى عليهم فى البريَّة. ثم كففتُ يدى (حزقيال20: 21-22) مع أن هذا يتناقض مع النَّص التالى الذى يؤكد أن الله لا يرجع فى كلامه:

ليس الله إنساناً فيكذب ولا ابن انسان فيندم. هل يقول ولا يفعل. أو يتكلم ولا يَفِى. (عدد23: 19), والله أعلم.   

س137- ذكر ابن هشام فى السيرة أن نبيكم كان يشك فى ما رآه, هل هو مَلَك أم شيطان؟ فطلب من خديجة أن تكشف له عن حقيقته, فأجلسته على فخذها, وكشفت شعرها, وعندها ذهب عنه ما رآه, أخبرته أنه ملك, فهل ما فعلته دليل على نبوَّته؟

ج137- لقد جاءت هذه الرواية فى سيرة ابن هشام عن طريقين كلاهما لا يُحتَجُ به, لأنه ضعيف, فالرواية الأولى عن طريق ابن إسحاق قال: حدثنى إسماعيل بن أبى حكيم آل الزبير أنه حُدِّثَ عن خديجة – رضى الله عنها – أنها قالت لرسول الله r: أى ابن عم.. أتستطيع أن تخبرنى بصاحبك هذا الذى يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم, قالت: فإذا جاءك فأخبرنى به, فجاءه جبريل u كما كان يصنع, فقال رسول الله r لخديجة: يا خديجة هذا جبريل قد جاءنى, قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذى اليسرى, قال فقام رسول الله r فجلس عليها, قالت: هل تراه؟ قال: نعم, قالت فَحَوِّل فاجلس على فخذى اليمنى, قال: فتحول رسول الله r فجلس على فخذها اليمنى, فقالت: هل تراه؟ قال: نعم, قالت: فتحَوَّل فاجلس فى حجرى, قال: فتحول رسول الله r فجلس فى حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم, فحَسَرَت وألقت خمارها ورسول الله r جالس فى حجرها, ثم قالت له: هل تراه؟ قال: لا, قالت: يا ابن عم اثبت وأبشر, فوالله إنه لملك, وما هذا بشيطان.

الطريق الثانية: عن ابن إسحاق قال: حدثت عبد الله بن حسن, فقال قد سمعت أمى بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة, إلا أنى سمعتها تقول: أدخلت رسول الله r بينها وبين درعها, فذهب عند ذلك جبريل, فقالت لرسول الله r: إن هذا لملك, وما هو بشيطان.

وإليكم الدليل على ضعف الروايتين: الرواية الأولى بها انقطاع, لأن اسماعيل بن حكيم لم يسمع من السيدة خديجة – رضى الله عنها – وقال إنه (حُدِّثَ) ولم يذكر مَن حَدَّثه, وهذا كافٍ لإبطال هذا الطريق. أما الرواية الثانية فهى عن فاطمة بنت حسين عن خديجة, وفاطمة هى بنت الحسين بن على بن أبى طالب y وهى تابعية وُلِدَت بعد وفاة السيدة خديجة بنحو ثلاث وأربعين سنة, ففاطمة لم تسمع من خديجة, فيصبح هذا من المراسيل, وهذا كافٍ لتضعيف هذا الطريق أيضاً, وحتى الحسين t لم يرَ السيدة خديجة, لأنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات, والحسين ولد فى شعبان سنة أربع من الهجرة, أى بعد وفاتها بسبع سنين, فإذا كان لم يسمع منها فكيف بابنته؟ وبفرض صحة هذين الحديثين, فإن هذا كان فى بادئ الأمر, عندما جاءه جبريل u فى غار حراء, وهو وحده وليس معه أحد, فخاف على نفسه أن يكون أصابه شىء من الجن. ثم إن الرسول r لم يطلب من السيدة خديجة أن تكشف له عنه, ولكنها هى التى طلبت منه ذلك, كما يتضح من الرواية.

ثم إنكم قد تعجبتم من كشف الشعر أمام الملك كدليل على النبوة, رغم ضعف الروايتين, مع أن كتابكم المقدس يقول إن أول آية ظهرت على يد المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – كانت تحويل الماء إلى خمر, كما جاء فى الرد على الشبهة التالية, فأيهما أكثر إثارة لتعجبكم ودهشتكم؟, والله أعلم.  

س138- إن رسولكم قد شرب الخمر, فقد شرب النبيذ, وأمركم بشربه, وما النبيذ إلا خمراً.

ج138- إن السائل لم يفهم معنى كلمة نبيذ, وقد قرأ الرواية التى وردت عن رسول الله r وطار بها, ألا وهى: ‏حدثنا ‏روح ‏حدثنا ‏حماد‏ ‏عن‏ ‏حميد‏ ‏عن‏ ‏بكر بن عبد الله‏ ‏أن أعرابياً قال‏ ‏لابن عباس:‏ ‏ما شأن آل‏ ‏معاوية‏ ‏يسقون الماء والعسل, وآل فلان يسقون اللبن, وأنتم تسقون ‏النبيذ, ‏أمِنْ بُخل بكم أو حاجة؟ فقال ‏‏ابن عباس: ‏ما بنا بخل ولا حاجة, ولكن رسول الله‏ ‏r ‏‏جاءنا ورديفه ‏أسامة بن زيد, فاستسقى, فسقيناه من هذا -‏ ‏يعنى ‏ ‏نبيذ‏ ‏السقاية – فشرب منه, وقال: ((أحسنتم هكذا فاصنعوا)) [مسند الإمام أحمد]

إن معنى كلمة (نبيذ) هو ما يُنبَذ (أى يُنقَع) فى الماء أو اللبن أو العسل, سواء كان من التمر, أو الزبيب, أو الشعير… إلخ. ومن الواضح أن النبيذ الذى ورد فى الحديث كان شيئاً زهيد السعر, فلو كان خمراً كما فهم هذا الناقد, لَمَا اتهم الأعرابى عبد الله بن عباس (رضى الله عنهما) بأن قومه بخلاء, إذ كيف يتهمه بالبخل, والخمر أغلى من الماء واللبن والعسل؟ ومن المعروف عن بنى هاشم أنهم كانوا ينقعون التمر فى الماء, ويسقونه للحجيج. ثم كيف يشرب الرسول ‏r شيئاً نهى عن شربه, حيث قال: ((كل مُسكِر حرام)) [متفق عليه] وقال: ((كل شراب أسكر فهو حرام)) [متفق عليه] أما النبيذ (وهو ما يصنعه المسلمون فى رمضان) فقد أحله الرسول r بشروط, فقال: ((نهيتكم عن النبيذ إلا فى سقاء, فاشربوا فى الأسقية كلها, ولا تشربوا مُسكراً)) [صحيح مسلم] ((لا تجمعوا بين الرطب والبُسْر, وبين الزبيب والتمر نبيذاً)) [صحيح مسلم]‌ ((من يشرب النبيذ منكم فليشربه زبيباً فرداً, أو تمراً فرداً, أو بُسْراً فرداً)) [صحيح الجامع:6615]‌

وأخيراً ننصحكم أن ترجعوا لكتابكم المقدس, لتقرأوا فيه أن أول آية (بزعمكم) ظهرت على يد المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – كانت تحويل الماء إلى خمر: وفى اليوم الثالث كان عُرس فى قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. ودُعِىَ أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العُرس. ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لى ولكِ يا امرأة. لم تأتِ ساعتى بعد. قالت أُمُّه للخُدّام مهما قال لكم فافعلوه. وكانت سِتّة أجْرَان من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يَسَع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتَّكأ. فقدموا. فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحوِّل خمراً ولم يكن يعلم من أين هى. لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا. دعا رئيس المتكأ العريس وقال له. كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً ومتى سكروا فحينئذ الدُّون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن. هذه بداية الآيات فعلها يسوع فى قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه (يوحنا2: 1-11) يا للعجب! أول آية كدليل على النبوة (أو الألوهية بزعمكم) تكون فى صالح السكارى! فماذا يفعل التلاميذ إذا كان مُعلِّمهم هو الذى شجعهم على شرب الخمر, وجعلها آية؟ ولم يساعدهم على شربها فقط, بل شربها هو أيضاً (بزعمهم) حيث يقول: جاء ابن الانسان يأكل ويشرب فتقولون هُوَذا إنسان أكول وشرِّيب خمر. مُحِب للعشّارين والْخُطاة. (لوقا7: 34), والله أعلم.

س139- تروى كتب الأحاديث عن عائشة أنها كانت حائضاً, فأمرها نبيكم أن تكشف عن فخذها, ثم نام عليه وغطته بثوبها.

ج139- تقول الرواية: ‏حدثنا ‏عبد الله بن مسلمة‏ ‏حدثنا ‏عبد الله يعنى ابن عمر بن غانم ‏عن ‏عبد الرحمن يعنى ابن زياد ‏عن ‏عمارة بن غراب ‏قال إن ‏عَمَّة ‏له ‏حدثته أنها سألت ‏عائشة ‏‏قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد, قالت أُخبركِ بما صنع رسول الله ‏r دخل فمضى إلى مسجده -‏ ‏قال ‏ ‏أبو داود:‏ ‏(تعنى مسجد بيته)‏ ‏فلم ينصرف حتى غلبتنى عينى وأوجعه البرد, فقال ادْنى منى, فقلت إنى حائض, فقال:‏ ‏وإن.. اكشفى عن فخذيك, فكشفت فخذى, فوضع خده وصدره على فخذى, وحنيتُ عليه حتى دفئ ونام. (رواه أبو داود والبيهقى, وضعفه الألبانى) كلمة ((وإن)) أى وإن كنتِ حائضاً.

عبد الرحمن بن زياد: وهو الأفريقى مجهول, قال البخارى فى كتاب الضعفاء الصغير307: فى حديثه بعض المناكير. وقال الترمذى: ضعيف فى الحديث عند أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل. وقال البزار: له مناكير (كشف الأستار رقم2061) وقال النسائى: ضعيف (الضعفاء والمتروكون337) وقال الدار قطنى فى سننه (1/379): ضعيف لا يُحتَجّ به.

وبفرض صحة الحديث, فإن هذا لا يشين النبى r فى شىء, بل هو من كمال تواضعه r إذ لم يستنكف من زوجته – رضى الله عنها – وهى حائض, بعكس ما جاء فى الكتاب المقدس من نجاسة المرأة أيام حيضها, ونجاسة كل ما تلمسه ويلمسها (كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم 278) ولا يشينها هى أيضاً, لأنها ذكرته لتعلِّم الأمة سيرته. والعجيب أن السائل يستنكر الحلال, ولا يستنكر ما جاء فى كتابه المقدس من الحرام, وإليكم بعضه:

خُذى الرَّحَى واطحنى دقيقاً. اكشفى نقابك شمّرى الذيل. اكشفى الساق. اعبرى الأنهار. تنكشف عورتكِ وتُرَىَ مَعَاريكِ. (إشعياء47: 2-3)

ما أجمل رجليكِ بالنعلين يا بنت الكريم. دوائر فَخِذَيكِ مثل الحلى صنعة يَدَىْ صنّاع. سُرَّتكِ كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنكِ صبرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياكِ كخشفتين توأمى ظبية. عنقكِ كبرج من عاج… ما أجملكِ وما أحلاكِ أيتها الحبيبة باللذّات. قامُتِكِ هذه شبيهة بالنخلة وثدياكِ بالعناقيد. قلتُ إنى أصعدُ إلى النخلة وأمسكُ بعذوقها. وتكون ثدياكِِ كعناقيد الكرم ورائحة أنفكِ كالتفاح وحنككِ كأجود الخمر. لحبيبى السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين أنا لحبيبى وإلىَّ اشتياقه. تعالَ يا حبيبى لنخرج إلى الحقل وَلْنَبِتْ فى القرى… هنالك أعطيكَ حُبِّى. اللفاح يفوح رائحة وعند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة ذخرتها لكَ يا حبيبى (نشيد الأنشاد: الإصحاح7)

لأنى من كوَّة بيتى من وراء شبّاكى تطلعت فرأيت بين الجهال لاحظت بين البنين غلاماً عديم الفهم عابراً فى الشارع عند زاويتها وصاعداً فى طريق بيتها فى العشاء فى مساء اليوم فى حدقة الليل والظلام. وإذا بامرأة استقبلته فى زِىّ زانية وخبيثة القلب. صخّابة هى وجامِحَة. فى بيتها لا تستقر قدماها. تارة فى الخارج وأخرى فى الشوارع. وعند كل زاوية تكمن. فأمسكَتْه وقبَّلته. (أمثال7: 6-13)

فى الليل على فراشى طلبتُ من تحبُّه نفسى طلبتُه فما وجدتُه. إنى أقوم وأطوف فى المدينة فى الأسواق وفى الشوارع أطلبُ من تحبه نفسى. طلبتُه فما وجدتُه. وجدنى الحرس الطائف فى المدينة فقلت أرأيتم من تحبه نفسى. فما جاوزتُهم إلا قليلاً حتى وجدتُّ من تحبه نفسى فأمسَكْتُه ولم أُرْخِهِ حتى أدْخلتُه بيتَ أمى وحجرة مَن حَبَلَت بى. أُحَلِّفكُنَّ يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائِل الحقل ألا تُيَقِّظنَّ ولا تُنبِّهنَ الحبيب حتى يشاء (نشيد الأنشاد3: 1-5)

كما جاء فى الكتاب المقدس أيضاً – زوراً وبهتاناً – أن سيدنا داود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – نام بجوار فتاة عذراء, جميلة, لا تحل له, ليدفأ من البرد, وقد أوردنا الدليل على ذلك فى الرد على الشبهة (278), والله أعلم.

س140- إن نبيكم اضطجع مع زوجة عمه أبى طالب فى قبرها, أهكذا تكون العفَّة؟

ج140- عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال: لما ماتت فاطمة أم على بن أبى طالب, ألبسها رسول الله r قميصه, واضطجع معها فى قبرها, فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه, فقال: ((إنه لم يكن أحد بعد أبى طالب أبَرّ بى منها, إنما ألبستُها قميصى لتُكْسَى من حُلَل الجنة, اضطجعتُ معها ليُهَوَّن عليها)) (الاستيعاب فى معرفة الأصحاب لابن عبد البر) عن ابن عباس قال: لما ماتت أم على بن أبى طالب, فاطمة بنت أسد بن هاشم, وكانت ممن كَفَلَ النبى r وربَّته بعد موت عبد المطلب، كفَّنها النبى r فى قميصه، وصلى عليها, واستغفر لها, وجزاها الخير بما وَلِيَتْه منه، واضطجع معها فى قبرها حين وُضِعَت, فقيل له: صنعت يا رسول الله بها صنعاً لم تصنع بأحد! قال: ((إنما كفنتها فى قميصى, ليدخلها الله الرحمة, ويغفر لها، واضطجعتُ فى قبرها, ليخفف الله عنها بذلك)) (كنز العمال)

لنسأل أولاً: ما معنى الاضطجاع؟ الاضطجاع هو الاستلقاء أو النوم على الجنب, قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] وقال رسوله r: ((إن هذه ضجعة يبغضها الله تعالى)) [صحيح الجامع:2271] (أى أن الله يبغض النوم على البطن) إذن ليس هناك شىء مما ذهب إليه السائل من عدم العفة, فالرسول r نام فى قبرها وهى مُكفَّنة, على مَرأى من الصحابة y لعل الله يرحمها, وذلك من تمام وفائه لها إذ ربَّته, وأحسنت إليه, وجعلته كابنها, وليس عملاً يؤخذ عليه. وقد أساء السائل الظن بالرسول r لأن الاضطجاع عنده فى الكتاب المقدس يعنى الجماع, وغالباً ما يطلق على الزنى, بدليل:

وخرجت دينة ابنة ليئة التى ولدتها ليعقوب لتنظر بنات الأرض. فرآها شكيم ابن حَمُور الحِوِّى رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلَّها. (تكوين34: 1-2)

وحدث إذ كان إسرائيل ساكناً فى تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سريَّة أبيه. (تكوين35: 22)

راعوث تضاجع (بوعز) بوصية من حماتها: ومتى اضطجع فاعلمى المكان الذى يضطجع فيه وادخلى واكشفى ناحية رجليه واضطجعى وهو يخبرك بما تعلمين. (راعوث3: 4), والله أعلم.

س141- روى البخارى فى صحيحه أنه ذُكِرَ عند نبيكم رجل نام ليله حتى أصبح (أى لم يُصَلِّ الفريضة) فقال: ((ذاك رجل بال الشيطان فى أذنه)) فهل الشيطان يبول؟

ج141- إذا كان الشيطان يأكل ويشرب, فما الغرابة فى أن يبول؟ وإذا كان لا يُرَى ولا يُشعَر به, فهل يُرَى بوله أو يُشعَر به؟

لقد وجَّه العلماء الأفاضل معنى بول الشيطان فى أُذُن من نام حتى فاتته الفريضة عدة توجيهات, منها: الأول: أن يُقال بأن هذا مثل مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم, كمن وقع البول فى أذنه, فثقَّل أذنه وأفسد حِسّه, والعرب تُكنِّى عن الفساد بالبول. وقال الطيبى: خُصَّ الأُذُن بالذكر, وإن كانت العين أنسب بالنوم, إشارة إلى ثقل النوم, فإن المسامع هى موارد الانتباه. الثانى: أن يقال بأن الأمر هو على حقيقته. قال القرطبى وغيره: لا مانع من ذلك, إذ لا إحالة فيه, لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح, فلا مانع من أن يبول. الثالث: أن يقال بأن ذلك هو كناية عن سَدّ الشيطان أُذُن الذى ينام عن الصلاة, حتى لا يسمع الذكر. الرابع: أن يقال بأن معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل, فحجب سمعه عن الذكر. الخامس: هو أن الأمر كناية عن ازدراء الشيطان به. السادس: هو أن يقال بأن المعنى أن الشيطان استولى عليه, واستخف به, حتى اتخذه كالكنيف الْمُعَد للبول, إذ من عادة المستخف بالشىء أن يبول عليه.

وقد جاء فى كتابكم المقدس أن معبودكم رأى الشيطان على هيئة البرق, فلماذا لم تنكروا عليه ذلك؟: فقال لهم رأيتُ الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء. (لوقا10: 18), والله أعلم.

س142- إن نبيكم قابل زيد بن حارثة وحضنه وهو عريان.

ج142- إليكم الرواية الضعيفة التى يحتجون بها: حدثنا ‏‏محمد بن إسمعيل ‏حدثنا ‏إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المدنى ‏حدثنى ‏‏أبى يحيى بن محمد ‏‏عن ‏‏محمد بن إسحاق ‏‏عن ‏محمد بن مسلم الزهرى ‏‏عن ‏عروة بن الزبير ‏عن ‏‏عائشة – رضى الله عنها – ‏قالت: ‏قَدِمَ ‏زيد بن حارثة‏ ‏المدينة, ‏ورسول الله ‏r ‏ ‏فى بيتى, فأتاه فقرع الباب, فقام إليه رسول الله ‏‏r ‏عرياناً يجر ثوبه, والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده, فاعتنقه وقبَّله. ‏‏قال ‏أبو عيسى ‏هذا ‏حديث حسن غريب‏, ‏لا نعرفه من حديث ‏الزهرى ‏إلا من هذا الوجه.

هذا الحديث أخرجه الترمذى، ولم تثبت صحته, ففى سنده أبو يحيى بن محمد، قال عنه الذهبى ضعيف, وقال عنه الساجى: فى حديثه مناكير وأغاليط. وفى الحديث علة أخرى: إبراهيم بن يحيى بن محمد ليِّن الحديث, وقال عنه الرازى ضعيف, وقد أورد العلامة الألبانى هذا الحديث ضمن سلسلة الأحاديث الضعيفة [ضعيف الترمذى:516] وهكذا يتبين مدى ضعف هذه الرواية, ومدى سقوط الاحتجاج بها. ثم إن الرسول r قد عصمه الله من أن يُرَى عرياناً قبل النبوة, فكيف بعدها؟ والقصة معروفة من كتب السيرة, حين كان ينقل حجارة الكعبة مع فتيان قريش, فأمره عمه أن يخلع إزاره, ويضعه على كتفه, ليضع عليه الحجارة, وبمجرد أن همَّ الرسول r بخلع إزاره, وقع على الأرض, ولم يره أحد.

والآن ننقل لكم ما جاء به الكتاب المقدس من نسبة التعَرِّى للمسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ولأكبر تلاميذه (بطرس) بل ولله سبحانه وتعالى:  

قام عن العَشَاء وخلع ثيابه وأخذ مِنشفة واتَّزر بها. ثم صب ماء فى مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمِنشفة التى كان مُتَّزراً بها. (يوحنا13: 4-5)

فأخذ عسكر الوالى يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة. فعرُّوه وألبسوه رداءً قرمزياً. (متى27: 27-28)

بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية. ظهر هكذا. كان سمعان بطرس وتوما الذى يقال له التوأم ونثنائيل الذى من قانا الجليل وابنا زبدى واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم. قال لهم سمعان بطرس أنا أذهب لأتصيَّد. قالوا له نذهب نحن أيضاً معك. فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفى تلك الليلة لم يمسكوا شيئاً. ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ. ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع. فقال لهم يسوع يا غلمان ألعل عندكم إداماً. أجابوه لا. فقال لهم ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا. فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك. فقال ذلك التلميذ الذى كان يسوع يحبه لبطرس هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب اتَّزَر بثوبه لأنه كان عُرياناً وألقى نفسه فى البحر. (يوحنا21: 1-7) ونحن نسأل: هل كان التعرى أمام المسيح حراماً, وأمام غيره حلالاً؟

أمشى حافياً وعرياناً. (ميخا1: 8) أتدرون لمن ينسبون هذا الكلام؟ إنهم ينسبونه لله سبحانه وتعالى, ومن لم يصدق فليقرأ الكلام الذى قبله والذى بعده من الإصحاح نفسه, والله أعلم.

س143- إن نبيكم أمر سهلة بنت سهيل امرأة حذيفة أن ترضع سالم ابن حُذَيفة من التبنى, وهو رجل كبير, هل هذا يتفق مع ما تدَّعونه من العفة؟

ج143- لقد اتفق الصحابة y وأئمة المذاهب الفقهية وأتباعهم, على أن الرَّضاع الْمُحَرِّم هو الذى يناله الرضيع وهو دون السنتين من عمره‏،‏ لصريح قول الله تعالى:‏ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}‏ [البقرة:233] ولقول رسوله r: ((إنما الرَّضاعة من المجاعة))‏‏ [صحيح مسلم] أى أن الرضاعة التى تُحَرِّم هى ما كانت فى فترة الصِّغَر, حتى يكون اللبن سبباً فى بناء لحم الطفل, فتكون الْمُرضِعَة قد أنبتت من لبنها لحم الطفل, كما أن الأم أنبتت من رحمها لحمه, فتكون المرضعة كالأم فى هذه الحالة. وفى الترمذى وصححه عن أم سلمة مرفوعاً: ((لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء, وكان قبل الفطام)) وللدار قطنى عن ابن عباس يرفعه: ((لا رضاع إلا فى الحوْلين)) وعند أبى داود عن ابن مسعود يرفعه: ((لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم)) فكل هذه الأحاديث تدل على أن الرضاعة الْمُحَرِّمَة هى ما كانت دون السنتين قبل الفطام، وما بعد ذلك فلا أثر لها. وأما ما جاء فى حديث سهلة بنت سهيل امرأة أبى حذيفة, من قصة سالم مولى أبى حذيفة, من أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً، فلما صارت امرأة أبى حذيفة يشق عليها دخول هذا الغلام الذى كبر, لِمَا رأت من تَغيّر فى وجه زوجها أبى حذيفة، استفتت النبى r فى ذلك، فقال لها: ((أرضعيه تحرُمى عليه)) وكيف أن أمّ المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – قد رأت أن هذا الأمر عامّاً (كما فى سنن أبى داود) فكانت تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يُرضِعنَ من أحبَّت أن يراها، أو يدخل عليها, وإن كان كبيراً خمس رضعات. فالجواب على ذلك أن جمهور العلماء ذهب إلى أن قصة سالم t هى واقعة خاصة بسالم لا تتعداه إلى غيره، ولا تصلح  للاحتجاج بها. قال الحافظ ابن عبد البر: (عدم تحديث أبى مليكة بهذا الحديث لمدة سنة, يدل على أنه حديث تُرِكَ قديماً ولم يُعمَل به، ولا تلقَّاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تلقَّوْه على أنه مخصوص) (شرح الزرقانى على الموطأ 3/292) وقال الحافظ الدارمى عقب ذكره الحديث فى سننه: (هذا لسالم خاصة) وبذلك صرَّحت بعض الروايات، ففى صحيح مسلم عن أم سلمة – رضى الله عنها – أنها قالت: (أبَىَ سائر أزواج النبى r أن يُدخِلن عليهن أحداً بهذه الرضاعة, وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله r لسالم خاصة, فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا) وبالتالى يكون عمل أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها – ‏إن صح الخبر‏ -‏ اجتهاداً منها ليس إلا, وكان فهم وعمل الصحابة وسائر أزواج النبى r على خلافه‏. وقد قيل: إن ما روى عن عائشة (رضى الله عنها) محمول على أنها إذا تفرَّست بطفل خيراً, وأرادت أن يدخل عليها بعد بلوغه, تأمر بنات أخيها أن يرضعنه وهو صغير، فإذا كبر دخل عليها. فالظاهر أن تخصيص الرخصة بسالم t من دون الناس هو الراجح, من حيث اختيار معظم أمهات المؤمنين له، وذهاب معظم الصحابة y وجمهور العلماء إلى القول به، وهو المفهوم من ظاهر النصوص المعارضة لحديث سهلة بنت سهيل، ولو كان الأمر على إطلاقه, لشاع بين الصحابة الكرام ومَن بعدهم من السلف، ولتعدّدت طرقه، ورُوِيَت أخباره.

ولقد فهم أعداء الإسلام من قوله r لسهلة: ((أرضعيه)) أنه يتحتم ملامسة الثدى, فتعجبوا لهذا. ومِن أحسن ما قيل فى توجيه ذلك, قول الإمام النووى – رحمه الله – فى شرحه على صحيح مسلم (10 / 31) (قال القاضى: لعلها حَلَبَتْهُ ثم شَرِبَهُ, دون أن يَمسَّ ثديَها، ولا التَقَت بَشْرتاهُما, إذ لا يجوز رؤية الثدى ولا مَسّه ببعض الأعضاء) وقال أبو عمر: (صفة رضاع الكبير أن يُحلَب له اللبن ويُسقاه, فأمّا أن تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغى عند أحد من العلماء، وهذا ما رجحه القاضى والنووى) (شرح الزرقانى3/316) وقد روى ابن سعد فى طبقاته عن محمد بن عبد الله ابن أخى الزهرى عن أبيه قال: كانت سهلة تحلب فى مِسْعَط أو إناء قَدْر رضعته, فيشربه سالم فى كل يوم, حتى مضت خمسة أيام, فكان بعد ذلك يدخل عليها وهى حاسرة, رخصة من رسول الله r لسهلة. (الطبقات الكبرى8/271 الإصابة لابن حجر7/716) ثم إن النص لم يصرح بأن الإرضاع كان بملامسة الثدى, فنحن نشرب لبن البقر والجاموس, فهل ننزل تحتها لنشربه؟ وسياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبى حذيفة, فكيف يَغار أبو حذيفة من دخول سالم على امرأته, ثم يرضى بالرضاع المباشر؟ لقد حرم النبى r مجرد المصافحة, حيث قال: ((لأن يُطعَن فى رأس أحدكم بمِخيَط من حديد, خير له من أن يمس امرأة لا تَحِلّ له)) [صحيح الجامع:5045]‌ وقال: ((إنى لا أصافحُ النساء)) [صحيح الجامع:5213] فكيف يجيز لمس الثدى, بينما يحرم لمس اليد؟ ثم نسأل هؤلاء: هل الطفل الذى يشرب الحليب من غير ارتضاعه من الثدى مباشرة, يثبت له حكم الرضاعة أم لا؟ والجواب عند جمهور العلماء أنه يثبت، وبالتالى نقول إنه إذا كان شرب اللبن بدون مباشرة الثدى يثبت حكم الرضاع للصغير.. فمن باب أولى أن يثبته للكبير, ذلك لأن شرب اللبن بدون مباشرة الثدى يصح أن يكون رضاعاً. قال العالم النحوى ابن قتيبة الدينورى فى توجيهه لحديث سهلة: أراد رسول الله r بمحلّها عنده، وما أحَبَّ من ائتلافهما، ونَفْى الوحشة عنهما, أن يزيل عن أبى حذيفة هذه الكراهة، ويطيب نفسه بدخوله, فقال لها: ((أرضعيه)) ولم يَرِد: ضعى ثديك فى فِيهِ، كما يفعل بالأطفال, ولكن أراد: احلبى له من لبنك شيئاً، ثم ادفعيه إليه ليشربه. ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له, وما لا يُؤمَن معه من الشهوة؟ (تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص308-309)

إن هذا من رحمة الرسول r بسهلة وابنها من التبنى, لأنه كانت هناك بينهما أُلفة, كالألفة التى بين الأم وابنها, لأنها هى التى ربته منذ صغره, فأصبحت مثل أمه, ويصعب عليها وعليه أن يفترقا, وخاصة بعد أن كبرت سنها, وأصبحت وزوجها محتاجين لهذا الغلام عوناً لهما, ولا يُظَنُّ أبداً أن ينظر إليها أو تنظر إليه نظرة شهوة, ولذلك فهى حالة خاصة تحتاج لحكم خاص, وكأنه تدريج فى التشريع, كما حدث فى تحريم الخمر, ومعلوم أن تعلق المرأة بابنها, والابن بأمه, أشد من تعلق الإنسان بشرب الخمر.

والذين يتعجبون من أمر الرسول r للسيدة سهلة بأن ترضع ابنها من التبنى قبل تحريمه, جاء فى الكتاب المقدس – زوراً وبهتاناً – أن الله سبحانه وتعالى يأمر بالزنى, كما جاء فى (صفات الرب فى الكتاب المقدس) فى الرد على الشبهة رقم (19) وجاء فيه أيضاً:

وافرح بامرأة شبابك الظبية المحبوبة والوعلة الزهية. لِيُرْوِكَ ثدياها فى كل وقت وبمحبتها اسكر دائماً. (أمثال5: 18-19)

لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان. فماذا نصنع لأختنا فى يوم تُخطَب (نشيد الأنشاد8: 8)

لذلك هكذا قال الرب امرأتك تزنى فى المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف (عاموس7: 17)

وقال الرب من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق وغامزات بعيونهن وخاطرات فى مشيهن ويخشخشن بأرجلهن يُصلِعُ السيد هامَة بنات صهيون ويُعَرِّى الرب عورتهن (إشعياء3: 16-17)

ثم ذهب شمشون إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها. (قضاة16: 1) مع العلم بأن شمشون نبى, بنص كتابهم الذى يقول: فنزل شمشون وأبوه وأمه إلى تِمنة وأتوا إلى كروم تِمنة. وإذا بشبل أسد يزمجر للقائه. فحَلَّ عليه روح الرب (قضاة14: 5-6)  

وأخيراً نقول لمن يطنطن حول هذه الشبهة ويتغنى بها: إن ما لا يقبله عقل, ولا يُقِرُّه شَرْع, أن ينزل الله سبحانه وتعالى, ويرضع من ثدى امرأة, كما تزعمون فى كتابكم المقدس: وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبى للبطن الذى حملك والثديين اللذَيْن رضعتهما (لوقا11: 27), والله أعلم.

س144- يثبت نبيكم فى الحديث الصحيح أنه عاشق للنساء, إذ يقول: ((حُبِّبَ إلىَّ من دنياكم الطِّيبُ والنساء)) وأنتم ترفضون هذا القول رغم صحته.

ج144- يبدو أن السائل قد تعمد ألا يكمل الحديث, حيث يقول: ((حُبِّبَ إلىَّ من دنياكم النساء والطيب, وجُعِلَت قُرَّة عينى فى الصلاة)) ‌[صحيح الجامع:3124] أى أن أحب شىء إليه r الصلاة, ولو أنه فهم اللغة العربية لَمَا سأل هذا السؤال, لأن الرسول r قال: ((حُبِّبَ إلىَّ)) ولم يقل (أحببتُ) أى أن الذى وضع هذا الحب فى قلبه هو الله سبحانه وتعالى. ولكن لماذا حببه الله فى النساء؟ لأن العرب كانوا ينظرون للمرأة نظرة احتقار, ولا يجعلون لها حظاً فى الميراث, بل كانوا يتوارثونها هى نفسها, فنهاهم الله عن ذلك فى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً} [النساء:19] وكانوا ينظرون إليها على أنها دون الرجل فى كل شىء, ويأكلون مهرها, ولا يعطونها حقها, بل ويَئِدونها فى مهدها {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8-9] فأراد الله أن يجعل لها مكانة فى قلب الرسول العظيم الأسوة, ليُعْلِىَ قدرها, وليتأسَّى به أصحابه y وأتباعه من بعده, فيرتفع قدرها فى قلوب الأمة, فالمرأة هى الأم والأخت والزوجة والابنة والعمة والخالة, ولكلٍّ منهن حقها, والآيات والأحاديث فى تكريم المرأة كثيرة جداً يضيق المقام عن ذكرها, ففى القرآن الكريم سورة طويلة تسمى (النساء) وليس فيه سورة تسمى (الرجال) ومن الآيات والأحاديث التى تحث على تكريمها: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هُنَّ عَوان عندكم)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:7880] ((إنى أُحَرِّج عليكم حق الضعيفين, اليتيم والمرأة)) [السنن الكبرى للبيهقى, صحيح الجامع:2447] ((ثلاثة يؤتَوْن أجرهم مرتين, رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبى r فآمن به واتبعه وصدقه, فله أجران, وعبد مملوك أدَّى حق الله وحق سيده, فله أجران, ورجل كانت له أمَة, فغذّاها فأحسن غذاءها, ثم أدّبها فأحسن تأديبها, وعلَّمها فأحسن تعليمها, ثم أعتقها وتزوجها, فله أجران)) [صحيح الجامع.:3073] ((حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طَعِم, ويكسوها إذا اكتسى, ولا يضرب الوجه ولا يُقبِّح, ولا يهجر إلا فى البيت)) [صحيح الجامع:3149]‌ ((من ابتُلِىَ من هذه البنات بشىء, فأحسن إليهن, كُنَّ له سِتراً من النار)) ‌[صحيح الجامع:5932] وليس معنى قوله r: ((ابتُلى)) أنهن شر, ولكن الابتلاء هو الاختبار, قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35]

ونقول للسائل: إن الرسول r لم يثبت عنه قط أنه أحب امرأة من غير محارمه, أما الكتاب المقدس فقد جاء فيه:

وأحَبَّ يعقوبُ راحيل. (تكوين29: 18)

كان لأبشالوم بن داود أخت جميلة اسمها ثامار فأحبها أمنون بن داود. (صموئيل الثانى13: 1)

أحلِّفكن يا بنات أورشليم إن وجدتن حبيبى أن تخبرنه بأنى مريضة حُبّاً (نشيد الأنشاد5: 8)

حلقه حلاوة وكله مُشتهيات. هذا حبيبى وهذا خليلى يا بنات أورشليم (نشيد الأنشاد5: 16)

ليتكَ كأخ لى الراضع ثديى أمى فأجدكَ فى الخارج وأُقبِّلكَ ولا يخزوننى. وأقودكَ وأدخل بكَ بيت أمى وهى تعلمنى فأسقيكَ من الخمر الممزوجة من سلاف رمانى. شماله تحت رأسى ويمينه تعانقنى. أُحَلِّفكن يا بنات أورشليم ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها… لأن المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها… أنا سُور وثدياى كبُرْجين. (نشيد الأنشاد8: 1-10)

ها أنتِ جميلة يا حبيبتى ها أنتِ جميلة عيناكِ حمامتان من تحت نقابكِ. شعركِ كقطيع معز رابض على جبل جلعاد. أسنانكِ كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل اللواتى كل واحدة متئم وليس فيهن عقيم. شفتاكِ كسلكة من القِرمز. وفمكِ حلو. خدّكِ كفلقة رمّانة تحت نقابكِ. عنقكِ كبرج داود… ثدياكِ كخشفتى ظبية توأمين يرعيان بين السوسن… كلّكِ جميل يا حبيبتى ليس فيكِ عيبة (نشيد الأنشاد4: 1-7), والله أعلم.

س145- إن القرآن يُبَرِّئ محمداً من سرقة الشملة التى غلَّها من المغانم يوم بدر, حتى لا يفتضح أمره.

ج145- لقد جاء فى تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [آل عمران:161] أن المنافقين اتهموا رسول الله r فى قطيفة حمراء, قالوا إنه غلَّها من غنائم بدر, فنزلت هذه الآية لتبرِّئه من هذه الفعلة الشنيعة, ولم تبرِّئه r وحده, ولكنها بَرَّأت جميع أنبياء الله ورسله, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وكيف يغل رسول الله r وهو الذى نهى عن الغلول فى أكثر من حديث, وحذر منه أشد التحذير, فقال: ((ليس لى من هذا الفَىْء شىء, ولا هذه الوبرة, إلا الخمس, والخمس مردود فيكم, فأدوا الخياط والمخيط, فإن الغُلول يكون على أهله عاراً, وناراً, وشناراً, يوم القيامة)) ‌[صحيح الجامع:7883] ونهى عن هدايا العمال فقال: ((أما بعد.. فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أُهْدِىَ إلىَّ, أفَلا قعد فى بيت أبيه وأمه, فينظر هل يُهدَى له أم لا؟ فوالذى نفس محمد بيده لا يَغُل أحدكم منها شيئاً, إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه, إن كان بعيراً جاء به له رُغاء, وإن كانت بقرة جاء بها لها خُوار, وإن كانت شاة جاء بها تَيْعر, فقد بلَّغتُ)) [صحيح الجامع:1357] وقال:‌ ((هدايا العمال غُلول)) [صحيح الجامع:7021]

إن القرآن الكريم يعظم الأنبياء ويجلّهم, أما الكتاب المقدس فيقذفهم بقبائح الأفعال والخِصال, فقد جاء فيه أن سيدنا يعقوب – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – كذب على أبيه, وسرق النبوة من أخيه, فقال:

وحدث لما شاخ إسحَق وكلَّت عيناه عن النظر أنه دعا عيسو ابنه الأكبر وقال له يا ابنى. فقال له هَأنذا. فقال إننى قد شِخْتُ ولست أعرف يوم وفاتى. فالآن خُذ عدتك جعبتك وقوسك واخرج إلى البرية وتصيد لى صيداً. واصنع لى أطعمة كما أحب وأتنى بها لآكل حتى تباركك نفسى قبل أن أموت وكانت رِفقةُ سامعةً إذ تكلم إسحَق مع عيسو ابنه. فذهب عيسو إلى البرية كى يصطاد صيداً ليأتى به. وأما رِفقة فكلمت يعقوب ابنها قائلة إنى قد سمعت أباك يكلم عيسو أخاك قائلاً. ائتنى بصيد واصنع لى أطعمة لآكل وأباركك أمام الرب قبل وفاتى. فالآن يا ابنى اسمع لقولى فى ما أنا آمرك به. اذهب إلى الغنم وخذ لى من هناك جديين جيدين من المِعزى. فاصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب. فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك قبل وفاته. فقال يعقوب لرِفقة أمه هُوَذا عيسو أخى رجل أشْعَر وأنا رجل أمْلَس. ربما يجسّنى أبى فأكون فى عينيه كمتهاون وأجلب على نفسى لعنة لا بركة. فقالت له أمه لعنتك علىَّ يا ابنى. اسمع لقولى فقط واذهب خذ لى. فذهب وأخذ وأحضر لأمه. فصنعت أمه أطعمة كما كان أبوه يحب. وأخذت رِفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التى كانت عندها فى البيت وألبست يعقوب ابنها الأصغر. وألبست يديه ومَلاسَة عنقه جلود جديى المِعزى. وأعطت الأطعمة والخبز التى صنعت فى يد يعقوب ابنها فدخل إلى أبيه وقال يا أبى. فقال هَأنذا. من أنت يا ابنى. فقال يعقوب لأبيه أنا عيسو بِكْرُك. قد فعلت كما كلمتنى. قم اجلس وكُلْ من صيدى لكى تباركنى نفسك. فقال إسحَق لابنه ما هذا الذى أسرعت لتجد يا ابنى. فقال إن الرب إلهك قد يسَّر لى. فقال إسحَق ليعقوب تقدم لأجسّك يا ابنى. أأنت هو ابنى عيسو أم لا. فتقدم يعقوب إلى إسحَق أبيه. فجسّه وقال الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو. ولم يعرفه لأن يديه كانتا مشعرتين كيدى عيسو أخيه. فباركه. وقال هل أنت هو ابنى عيسو. فقال أنا هو. فقال قدِّم لى لآكل من صيد ابنى حتى تباركك نفسى. فقدم له فأكل. وأحضر له خمراً فشرب. فقال له إسحَق أبوه تقدم وقبِّلنى يا ابنى. فتقدم وقبَّله. فشمَّ رائحة ثيابه وباركه… ليُستَعبَد لك شعوب. وتسجد لك قبائل. كن سيداً لأخوتك. وليسجد لك بنو أمك. ليكن لاعِنوك ملعونين. ومُبارِكوك مُبارَكين… فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخة عظيمة ومُرَّة جداً. وقال لأبيه باركنى أنا أيضاً يا أبى. فقال قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك… فحقد عيسو على يعقوب من أجل البركة التى باركه بها أبوه. وقال عيسو فى قلبه قربت أيام مناحة أبى. فأقتل يعقوب أخى. فأُخبِرَت رِِفقة بكلام عيسو ابنها الأكبر. فأرسلت ودعت يعقوب ابنها الأصغر وقالت له هُوَذا عيسو أخوك مُتَسَلٍّ من جهتك بأنه يقتلك. فالآن يا ابنى اسمع لقولى وقُم اهرب إلى أخى لابان إلى حاران. وأقِم عنده أياماً قليلة حتى يرتد سخط أخيك. (تكوين27: 1-44) يزعمون فى هذا النَّص أن سيدنا إسحاق – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – شرب الخمر, وأن النبوَّة يهبها الإنسان لمن يشاء, إذ أن سيدنا إسحاق كان يريد أن يهبها لابنه البِكر عيسو, ولكن سيدنا يعقوب احتال عليه, فوهبها له بدلاً من أخيه, والله أعلم.

س146- إن يوم القيامة لم يأتِ بعد, فمن الذين رآهم نبيكم فى الجنة والنار ليلة المعراج؟

ج146- إن أول شىء خلقه الله القلم, وأمره أن يكتب كل شىء, قال رسول الله r: ((إن أول ما خلق الله القلم, فقال له اكتب, قال ما أكتب؟ قال اكتب القَدَر ما كان وما هو كائن إلى الأبد)) [صحيح الجامع:2017] إن كل شىء فى الوجود منذ خلق الله السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة فى كتاب عند الله جل وعلا, قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس:61] وقال: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] قال ابن عباس – رضى الله عنهما – وغيره فى تفسيرها: تكتب الملائكة أعمال العباد, ثم تصعد بها إلى السماء, فيقابلون الملائكة الذين فى ديوان الأعمال على ما بأيدى الكتبة مما قد أُبرِزَ لهم من اللوح المحفوظ فى كل ليلة قدر مما كتبه الله فى القِدَم على العباد قبل أن يخلقهم, فلا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً, ثم قرأ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ومعنى كلامه t أن الملائكة تكتب أعمال العباد, ثم تصعد بها إلى السماء, فتجدها مطابقة تماماً لما كُتِبَ فى اللوح المحفوظ من القِدَم, ولكن ليس معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى فرض الأعمال على العباد, ولكنه عَلِمَها قبل أن يعملوها. إذن فأعمال العباد, ومآلهم إلى الجنة أو النار, مكتوبة عند الله سبحانه وتعالى, ولذلك فقد تمكن الرسول r من رؤيتها ليلة المِعراج, ولا يستبعد ذلك أحد, فالله على كل شىء قدير, وقد وصل الإنسان إلى تصوير الأحداث بكاميرات الفيديو, وكأنها ماثلة أمام العيون حال وقوعها, وقد تمكن من تسجيلها لساعات طويلة على أقراص الليزر الصغيرة, وتوصل إلى اختراع جهاز الموجات الصوتية ثلاثى الأبعاد, وكذلك التلفاز ثلاثى الأبعاد, الذى يجعل المشاهد يرى الأشياء مجسَّمة, وكأنها أمامه وليست مُصوَّرة, فإذا كان هذا تصوير العبد الضعيف الفقير قاصر العلم, فكيف بالله سبحانه وتعالى؟, والله أعلم. 

س147- يقول نبيكم: ((يقطعُ الصلاةَ الحمار, والمرأة, والكلب)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:8128]‌ لقد ساوى نبيكم بين المرأة والكلب والحمار.

ج147- لقد ذُكِرَ ما يقطع الصلاة أمام السيدة عائشة – رضى الله عنها – فقالت: (لقد جعلتمونا كلاباً, لقد رأيت النبى r يصلى وإنى لبينه وبين القِبلة, وأنا مضطجعة على السرير, فتكون لى الحاجة, فأكره أن أستقبله, فأنْسَلّ انسلالاً) [صحيح البخارى] وفى رواية أخرى للبخارى أيضاً أنها قالت: (أعَدَلتمونا بالكلب والحمار؟ لقد رأيتنى مضطجعة على السرير, فيجىء النبى r فيتوسَّط السرير فيصلى, فأكره أن أُسَنِّحَهُ, فأنْسَلُّ من قِبَل رِجْلَى السرير, حتى أنْسَلّ من لحافى) قولها (أُسَنِّحَهُ) أى أظهر له من أمامه, قال الخطابى: هو من قولك سنح لى الشىء إذا عرض لى، وقولها (أنسل) أى أخرج بخفة أو برفق. قال (ابن رشيد) قصد البخارى أن شغل المصلى بالمرأة إذا كانت فى قبلته على أى حالة كانت أشد من شغله بالرجل، ومع ذلك فلم تضر صلاته r لأنه غير مشتغل بها، فكذلك لا تضر صلاة من لم يشتغل بها، والرجل من باب الأولى.

أما قطع الحمار للصلاة.. فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: (أقبلتُ راكباً على حمار أتان, وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام, ورسول الله r يصلى بالناس بِمِنَى إلى غير جدار, فمررتُ بين يدى بعض الصف, وأرسلتُ الأتان ترتع, فدَخَلَت فى الصف, فلم ينكر ذلك علىَّ أحد) [صحيح البخارى] قوله: (ناهزت الاحتلام) أى قاربته, وقوله: (يصلى بالناس بمنى) أى فى حجة الوداع, وقوله: (فلم ينكر ذلك علىَّ أحد) قال ابن دقيق العيد: (استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة, لأن ترك الإنكار أكثر فائدة) أى أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط, لا على جواز المرور، وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معاً. ويُستفاد منه أن ترك الإنكار دليل على جواز المرور, ولا يُقال ربما لم يعلم النبى r بمروره, لأن النبى r كان يرى فى الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه. وفى رواية أخرى أنه مر بين يدى بعض الصف الأول، وعلى ذلك فليس هناك احتمال لعدم رؤية النبى r له. وقد استدل العلماء بهذا الحديث على أن مرور الحمار بين يدى المصلى لا يقطع الصلاة. وقد قال العلماء (ومنهم الطحاوى وغيره): إن هذا الحديث, وحديث السيدة عائشة – رضى الله عنها – ينسخان الحديث الذى ذُكِرَ فى السؤال. ومالَ الشافعى وغيره إلى تأويل القطع فى الحديث, بأن المراد به نقص الخشوع, لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أن الصحابى راوى الحديث سأل عن الحكمة فى التقييد بالكلب الأسود, فأجيب بأنه شيطان, أى فى قوله r: ((إذا قام أحدكم يصلى, فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرَّحْل, فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرَّحل, فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود)) قيل: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر؟ قال: ((الكلب الأسود شيطان)) [صحيح الجامع:719] ‌وقد عُلِمَ أن الشيطان لو مر بين يدى المصلى لم تفسد صلاته, كما فى قوله r: ((إذا نودى بالصلاة, أدبر الشيطان وله ضُراط, حتى لا يسمع التأذين, فإذا قضى النداء أقبل, حتى إذا ثُوِّبَ بالصلاة أدبر, حتى إذا قضى التثويب أقبل, حتى يخطر بين المرء ونفسه, يقول: اذكر كذا واذكر كذا لِما لم يكن يذكر, حتى يظل الرجل لا يدرى كم صلى)) [صحيح الجامع:817]‌ وقال الإمام أحمد رحمه الله: (يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفى النفس من الحمار والمرأة شىء) ووجَّهه ابن دقيق العيد وغيره بأنه لم يجد فى الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد فى الحمار حديث ابن عباس، يعنى الذى تقدم فى مروره وهو راكب بمنى، ووجد فى المرأة حديث عائشة رضى الله عنها، والله أعلم.

س148- يقول نبيكم: ((إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم فليَغمِسْه, فإن فى أحد جناحيه داء, وفى الآخر شفاء, وإنه يتقى بجناحه الذى فيه الداء, فليغمسه كله, ثم لينزعه)) [صحيح الجامع:835] أليس هذا مقززاً؟ ثم إنه من المعلوم أن الذباب ينقل الأمراض, فكيف يكون فيه دواء؟

ج148- إن الذين ينكرون على رسولنا r هذا الحديث, عندهم فى الكتاب المقدس أن الرب يصفِّر للذباب, وقد ذكرنا هذا وغيره فى (صفات الرب فى الكتاب المقدس) فى الرد على الشبهة رقم (19) وعندهم أيضاً: وتأكل كعكاً من الشعير. على الْخُرْء الذى يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم. وقال الرب. هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم. (حزقيال4: 12-13) أتدرون ما هو الْخُرْء؟ إنه البراز!

ماذا يفعل من فقد الماء فى الصحراء؟ وماذا يفعل الجنود الذين حاصرهم العدو, ومنع عنهم الماء والغذاء؟ هل ترون أنهم يتقززون من شرب أى نوع من الماء, حتى لو كان ملوثاً؟ إن الأمر قد يصل بهم أحياناً إلى شرب بولهم, لينقذهم من الهلاك.

لقد جاء فى الكتاب المقدس أن الآباء والأمهات يأكلون أبناءهم, وتأكل المرأة مشيمتها فى الحصار, بل ويبخل الآباء والأمهات على بقية أولادهم أن يأكلوا معهم من لحم إخوتهم:

فتأكل ثمرة بطنك لحم بنيك وبناتك الذين أعطاك الرب إلهك فى الحصار والضِّيقَة التى يضايقك بها عدوك. الرجل المتنعِّم فيك والمترفِّه جداً تبخل عينه على أخيه وامرأة حضنه وبقيَّة أولاده الذين يبقيهم بأن يعطى أحدهم من لحم بنيه الذى يأكله لأنه لم يبق له شىء فى الحصار والضيقة التى يضايقك بها عدوك فى جميع أبوابك. والمرأة المتنعِّمة فيك والمترفِّهة التى لم تجرِّب أن تضع أسفل قدمها على الأرض للتنعُّم والترفُّه تبخل عينها على رجل حضنها وعلى ابنها وبنتها بمشيمتها الخارجة من بين رجليها وبأولادها الذين تلدهم لأنها تأكلهم سِرّاً فى عِوَز كل شىء فى الحصار والضيقة التى يضايقك بها عدوك فى أبوابك. (تثنية28: 53-57) ثم قال لها المَلَك مالِك. فقالت إن هذه المرأة قد قالت لى هاتى ابنك فنأكله اليوم ثم نأكل ابنى غداً. فسَلَقْنا ابنى وأكلناه ثم قلتُ لها فى اليوم الآخر هاتى ابنك فنأكله فخبّأَت ابنها. (الملوك الثانى6: 28-29) فأين هذا من شرب الماء الذى وقع فيه الذباب؟

إن حديث الذبابة الذى تتكلمون عنه, وتشنعون به على نبينا محمد r ليس مُلزِماً, فمن يتقزز من هذا الأمر, فليس فرضاً عليه, فإن الرسول r نفسه وضعوا له ضبّاً فلم يأكله, لأنه لم يكن فى قومه, فعافَتْه نفسه (أى تقزز منه) ولكنه لم يحرِّمه, وقد قيل هذا الحديث فى بيئة شحيحة الماء, ومنهم من يعيشون فى الصحراء. وقد أثبت العلم الحديث, بعد تجارب معملية عديدة, أن كلام الرسول r حق, فقد أجروا تجارب على كؤوس كثيرة مليئة بالماء, وغمسوا فى بعضها أحد جناحى الذبابة, وفى الأخرى الذبابة كلها, ثم نزعوا الذباب, وعملوا مزارع بكتيرية على الكؤوس كلها, فوجدوا النتيجة التى أبهرتهم, وهى أن الكؤوس التى وضع بها أحد جناحى الذباب مليئة بالجراثيم, أما الأخرى فتكاد تكون خالية من الجراثيم, وقد عرض نتيجة هذه الأبحاث الدكتور (يحيى ابراهيم محمد عيد) فى المؤتمر السابع للإعجاز العلمى فى القرآن والسنَّة, الذى أقيم فى دُبَى, فى الفترة (22-25 مارس2004) وقال إن الذين أجروا هذه الأبحاث متخصصون فى علم البكتريا, بجامعة الملك عبد العزيز, وجامعة القاهرة, وقد استخدموا ماءً معقماً, وآخر غير معقم, وعملوا مزارع بكتيرية على بيئات مختلفة (وهى ما تسمى أجار وبلاد أجار) ودرجات حموضة مختلفة, فوجدوا النتيجة نفسها, وكان المفروض أن غمس الذباب يزيد من عدد البكتيريا, لأن الغمس يكون بمثابة غسل للذباب فى الماء, ولكنهم وجدوا العكس, وهو (كما قلنا) أن التى غُمِسَت – ولو لعدة مرات – تركت وراءها كمية قليلة من الميكروبات, أما التى لم تغمس, أو التى طارت بنفسها, فقد خلَّفت وراءها كمية كبيرة جداً من هذه الميكروبات. وقد اتضح لهم الإعجاز العلمى فى هذا الحديث الشريف من ناحيتين: أن الرسول r أخبر بأن الذباب يحمل أمراضاً, وهى التى تسببها الجراثيم التى لا تُرَى بالعين المجردة, والتى لم يتعرف عليها الإنسان قبل اختراع الميكروسكوبات, فكيف تَسنَّى للرسول r معرفتها مُسبقاً, إلا بوحى الله له؟, والإعجاز الثانى أن غمس الذباب ليخلف وراءه كمية قليلة من الميكروبات, هى فكرة التطعيم ضد الأمراض المعدية, وهى أن يعطوا الإنسان جرعة صغيرة من الميكروبات, لتنشِّط عنده الجهاز المناعى, فيقوم بعمل أجسام مضادة لهذه الميكروبات, والله أعلم.

س149- إذا سلَّمنا أن محمداً هو أحد الأنبياء, فكيف يفضل نفسه على سائر البشر والأنبياء والمرسلين؟ حتى إنه ليستعلى على آدم أبى البشر, وإبراهيم أبى الأنبياء, وأضف إليهم موسى وعيسى, وذلك بقوله: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر, وبيدى لواء الحمد ولا فخر, وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائى, وأنا أول شافع وأول مُشفَّع ولا فخر)) [صحيح الجامع:1468]

ج149- إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج منا إلمامة سريعة بمهمة هذا الرسول العظيم r وأن نعقد مقارنة بينه وبين سائر الرسل (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) مع التزامنا بقول ربنا تبارك وتعالى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة:285] (أى لا نفرق بينهم فى الإيمان بهم) ونحن نقدم هذه المقارنة فى صورة نقاط, تحت عنوان الفرق بين محمد r وسائر الرسل:

1- كل نبى أُرسِلَ إلى قومه خاصة, وأرسل سيدنا محمد r إلى الناس كافة, بل وللجن أيضاً {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]

2- أنه تفوق على سيدنا آدم فى أنه رسول معه رسالة, وآدم ليس معه رسالة, ولكنه نبى فقط.

3- أنه تفوق على إخوانه من أُولى العزم من الرسل بأنه قاتل أعداء الله, ولم يقاتلوا.

4- أنه تفوق على جميع الأنبياء والمرسلين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – بأنه كان وحيداً لم يساعده أحد من الرسل, وقد ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم (113).

5- أنه r تفوق على كل الأنبياء والمرسلين فى أنه أرسل إلى قوم لم يأتِهِم رسول من قبله, كما قال تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} [السجدة:3] أى أنه مثل من تعامل مع أرض بُور لم تزرع من قبل, ولم يساعده فيها أحد.

6- أنه r هو النبى الخاتم {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] وكتابه هو الكتاب الخاتم والمهيمن على سائر الكتب قبله {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48] ولن يأتىَ بعده نبى ولا كتاب, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

7- أنه النبى الوحيد الذى أخذ الله ميثاق جميع الأنبياء أن يؤمنوا به, ويتبعوه إذا ظهر فى زمانهم {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81]

8- أنه النبى الوحيد الذى لم يخاطبه الله باسمه مجرَّداً, بل خاطبه بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} أو {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} فى حين أنه خاطب بقية الأنبياء يأسمائهم, مثل: {يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ} [البقرة:33] {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [هود:76[ {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ} [هود:48] {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل:9] {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55] ولم يذكره باسمه إلا وقَرَنَه بالنبوَّة أو الرسالة, مثل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144] {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} [الفتح:29]

9- أنه النبى الوحيد الذى أقسم الله بحياته, فقال سبحانه وتعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72].

10- أن الله سبحانه وتعالى خصَّه بالشفاعة العُظمَى, بعد أن اعتذر عنها أُولو العزم من الرسل, فى الحديث الذى ذكرناه فى الرد على الشبهة رقم (50).

11- أن أتْباعه r أكثر من أتباع الرسل قبله, وسيكون يوم القيامة أكثرهم تابعاً, قال r: ((عُرِضَت علىَّ الأُمَم, فرأيتُ النبى ومعه الرَّهْط, والنبى ومعه الرَّجل والرَّجُلان, والنبى وليس معه أحد, إذ رُفِعَ لى سَوادٌ عظيم, فظننتُ أنهم أمَّتى, فقيل لى: هذا موسى وقومه, ولكن انظُر إلى الأُفُق, فإذا سَوادٌ عظيم, فقيل لى: انظُر إلى الأُفُق الآخر, فإذا سَوادٌ عظيم, فقيل لى:  هذه أمّتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب, هم الذين لا يرقون, ولا يسترقون, ولا يتطيَّرون, ولا يكتوون, وعلى ربهم يتوكلون)) ‌[صحيح الجامع:3999]

ثم إن الرسول r حين قال هذا الكلام الذى ورد فى السؤال, لم يقدح فى نبوة أحد ممن كانوا قبله, أما معبودكم فقد جاء فى كتابكم المقدس أنه سَبَّ الأنبياء الذين سبقوه: فقال لهم يسوع أيضاً الحق الحق أقول لكم إنى أنا باب الخِراف. جميع الذين أتوا قبلى هم سُرّاق ولصوص. (يوحنا10: 7-8) (ولا ندرى ما وجه الشَّبَه بين الأنبياء والخِراف؟) وقال: أنا الكَرْمَة الحقيقية وأبى الكَرّام (يوحنا15: 1) وقال: لأنى وديع ومتواضع القلب. (متى11: 29), والله أعلم.

س150- يزعم نبيكم أن الرعد مَلَك من الملائكة, فيقول: ((الرعد مَلَك من ملائكة الله مُوَكَّل بالسحاب, معه مَخاريق من نار, يسوق بها السحاب حيث شاء الله)) ‌[صحيح الجامع:3553]‌ مع أن الحقيقة العلمية تقول إن الرعد عبارة عن صوت الكهرباء الناشئة عن تصادم السحاب, فكيف يكون الرعد ملكاً؟

ج150- لقد وَكَّلَ الله سبحانه وتعالى بكل شىء مَلَكاً لينفذ أمره فيه, فالمطر له ملك, وهو ميكائيل u وهناك ملك للرياح, وآخر للجبال, وآخر للزرع, وآخر للأرحام… إلخ, فإن كانت كل الظواهر الطبيعية لها أُسُس علمية, فإن من ورائها هؤلاء الملائكة يقومون بتنفيذها, دون أن نشعر بهم أو نراهم. وربما يكون الملك الموكَّل بالرعد اسمه (رعد) ولذلك سمى الرعد باسمه, فهناك أشياء كثيرة فى واقعنا سُمِّيَت باسم من صنعها أو اخترعها. ألا تطلب من البائع أن يعطيك سندوتش؟ هل علمت لماذا سُمِّىَ سندوتش؟ لأن الذى ابتكره كان اسمه (سندوتش) وتطلب من البقال أن يبيع لك بسطرمة, هل تعلم لماذا سميت بسطرمة؟ لأن أول من صنعها كان اسمه (بسطرمة) وعندما تذهب إلى الصيدلية لتشترى حقنة بنسلين, هل تعلم لماذا سميت بنسلين؟ لأن مخترعها كان اسمه (بنسِليَم لوتاتم) وهناك بلد فى صعيد مصر تسمى إدفو.. هل تعلم لماذا سميت إدفو؟ لأن الصحابة y دخلوها فى الشتاء, وكان جوها دافئاً, فقال بعضهم لبعض: (ادخلوا ادفو) أى ليستدفئوا من البرد. هل تعلم لماذا سميت الفيوم بهذا الاسم؟ لأن سيدنا يوسف (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) بناها فى سبع سنين, أى حوالى ألفى يوم, ثم حُوِّرَت إلى (الفيوم) إذن.. فكثير من الأشياء تسمى باسم فاعلها أو مخترعها, لدرجة أن هناك أماكن على سطح القمر سُمِّيَت باسم العلماء الذين نزلوا عليه. قال رسول الله r: ((الحمْو الموت)) [متفق عليه] وكلمة ((الحمو)) معناها أقارب الزوج, فهل هم الموت حقيقة, أم أن الرسول r شبَّه خطورة دخولهم على النساء بالموت؟ وقد كان العرب يسمون الشىء باسم من اشتهر به, فكانوا يقولون مثلاً: (الجُودُ حاتم) لأنه كان كريماً, و(الشجاعة عنتر) لأنه كان شجاعاً.. وهكذا. فقول الرسول r: ((الرعد ملك)) تسمية مجازية بمعنى أنه بِيَد مَلَك, أما كونه ((معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب)) فهذه هى التى تسبب تصادم السحاب ببعضه.

وقد جاء فى كتابكم المقدس تسمية مجازيَّة أشد غرابة من هذه بكثير, حيث قال: الله قائم فى مجمع الله. فى وسط الآلهة يقضى. (مزمور82: 1) (الله) فى هذا النَّص معناه القاضى, أى أنه يحكم بحكم الله, و(الآلهة) بمعنى وجهاء القوم.

ولقد تعجبتم من المخالفة الظاهرية فى هذا الحديث للحقيقة العلمية, فى حين أن كتابكم المقدس ملىء بالمخالفات العلمية, ولكنكم لا تعلمون, ومن هذه المخالفات:

وكل دبيب الطير الماشى على أربع فهو مكروه لكم. إلا هذا تأكلونه من جميع دبيب الطير الماشى على أربع… لكن سائر دبيب الطير الذى له أربع أرجل فهو مكروه لكم. (لاويين11: 20-23) هل هناك طيور تمشى على أربع؟

فأخذ يعقوب لنفسه قُضباناً خضراً من لبنى ولوز ودُلب وقشر فيها خطوطاً بيضاً كاشطاً عن البياض الذى على القضبان. وأوقف القضبان التى قشرها فى الأجران فى مساقى الماء حيث كانت الغنم تجىء لتشرب. تجاه الغنم. لتتوحَّم عند مجيئها لتشرب. فتوحَّمت الغنم عند القضبان وولدت الغنم مخططات ورقطاً وبلقاً. (تكوين30: 37-39) ونحن نسألكم: هل الغنم تتوحَّم؟ ولو توحَّمَت.. هل يفهمها أحد؟, والله أعلم.

س151- إن نبيكم يقسِّم الكذب إلى نوعين, أبيض وأسود, والمعروف أن الكذب مذموم عند كل الناس, فكيف يحلله نبيكم؟

ج151- لا يوجد دين حارب الكذب مثل الإسلام, أما الكتاب المقدس فقد وصف كثيراً من الأنبياء بأنهم كَذَبَة, وقد أوردنا أدلة كثيرة على ذلك, فى الرد على الشبهة رقم (48) وقد جاء فيه أيضاً أن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – كذب على إخوته حينما دعوه للصعود معهم فى عيد (المظال) وتظاهر بأنه لن يذهب معهم, ثم ذهب: اصعدوا أنتم إلى هذا العيد. أنا لستُ أصعدُ بعد إلى هذا العيد لأن وقتى لم يكمل بعد. قال لهم هذا ومكث فى الجليل ولما كان إخوته قد صعدوا حينئذ صعد هو أيضاً إلى العيد لا ظاهراً بل كأنه فى الخفاء. (يوحنا7: 8-10)

إن أدلة تحريم الكذب فى الإسلام لا تعد ولا تحصى, منها قوله r: ((عليكم بالصدق, فإن الصدق يهدى إلى البر, وإن البر يهدى إلى الجنة, وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتَب عند الله صِدِّيقاً, وإياكم والكذب, فإن الكذب يهدى إلى الفجور, وإن الفجور يهدى إلى النار, وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذاباً)) [صحيح مسلم]‌ وجعل الكذب من صفات المنافقين فى قوله: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا ائتُمِنَ خان)) [صحيح الجامع:16] حتى إنه r نهى عن الكذب ولو فى المزاح, فقال: ((ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك به القوم, ويل له, ويل له)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:7136]‌ وقال: ((أنا زعيم ببيت فى رَبَض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان مُحِقّاً, وبيت فى وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً, وبيت فى أعلى الجنة لمن حَسُن خُلُقه)) [صحيح الجامع:1464] ولكن هناك أنواعاً من الكذب ترتاح لها الفطرة السليمة, جَمَعَهَا قوله r: ((كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاثاً: الرجل يكذب فى الحرب, فإن الحرب خُدعة, والرجل يكذبُ المرأةَ فيرضيها, والرجل يكذب بين الرجلين ليصلح بينهما)) ‌الحديث ضعَّفه الألبانى, ولكن معناه صحيح, وهذه الأنواع الثلاثة من الكذب هى التى أحلَّها علماء المسلمين, حتى ولو كان قائلها وَلِىّ من أولياء الله الصالحين. أما النوع الأول فهو الكذب على الأعداء, بشرط ألا يكون فيه نقض لعهد أو أمان, قال رسول الله r: ((الحرب خُدعة)) [متفق عليه] ولا شك أن هذا الكذب من المباحات, إذ كيف نصدُق مع عدونا؟ أنفشى له أسرارنا ليغصب أرضنا, ويسفك دماءنا, ويهتك أعراضنا؟ وهل إفشاء الأسرار من خطط حربية, ومواقع عسكرية, وأنواع الأسلحة والذخيرة, وأماكن وجودها, وأماكن منصّات إطلاق الصواريخ… إلخ يقوله عاقل؟ إن هذا يعتبر من الجرائم العُظمى, التى يُعاقَب عليها فى بعض البلدان بالقتل. والْمُخادَعة فى الحرب فيها حقن للدماء وتحقيق للغاية أكثر من المواجهة. أما النوع الثانى فهو الكذب على الزوجة, كأن تكون دميمة فيقول لها إنها جميلة, أو أنه لا يحبها فيكذب عليها ويقول إنه يحبها, وذلك لعمارة البيوت, ودوام العِشرة, وتربية الأولاد. ولكن لا يعنى هذا أنه يكذب عليها فى كل شىء, بل هو مباح فى مثل ما قلناه, أو ما شابهه من الإصلاح وتجنب الخلافات. وهى أيضاً يمكنها أن تكذب عليه فتقول إنها تحبه وهى على غير ذلك, حتى لا يغضب عليها أو يطلقها. أما النوع الثالث فهو للصلح بين المتخاصمين, كأن تقول لأحدهما: إن فلاناً يحبك ويمدحك, ويقول عنك كذا وكذا, وتقول للآخر مثل ذلك, وهذا لإصلاح ذات البَيْن, فقد قال الله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [الأنفال:1] وقال رسوله :r ((ليس بالكاذب الذى يُصلح بين الناس فيقول خيراً أو يُنمِى خيراً)) [رواه الطبرانى فى الكبير] وقال: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البَيْن, فإن فساد ذات البين هى الحالقة)) [صحيح الجامع:2595] ((الحالقة)) أى أنها تحلق الدين ولا تحلق الرأس (كما جاء فى رواية أخرى) لأن المشاحن يغتاب صاحبه, ويتربص به الدوائر, ويتمنى له الشر, وغير ذلك مما يثير الأحقاد والعداوة بين المسلمين, وكذلك فإن الخصومة بين المسلمين تعرضهم لعدم مغفرة ذنوبهم, قال رسول الله r: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس, فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً, إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء, فيقال: أَنْظِروا هذَيْن حتى يصطلحا, أَنْظِروا هذين حتى يصطلحا)) [موطأ مالك, صحيح الجامع:2970]‌ إذن هم ثلاثة أنواع فقط, ليس لهم رابع, وليس من عاقل فى الدنيا يعتبر هذه الأنواع كذباً مذموماً. ولكن هناك نوعاً آخر لا يسمى كذباً, ولكنه تعريض, وهذا لا يُستعمل إلا فى الضرورة القصوى, كأن يتعرض الإنسان لمهلكة, ويريد أن ينجو منها, أو لأنه لو قال الحق الصريح, فسيعرِّض غيره للخطر أو يفشى سره, ففى هذه الحالة يقول كلمة صادقة, ولكنها تُفهَمُ بمعنى آخر, وذلك كما فعل الصدِّيق t حين هاجر مع النبى r إذ لقيه رجل وسأله من هو؟ فلو قال له إنه رسول الله لبلَّغ عنه قريشاً, ولتعقبته لتقطع عليه هجرته, فقال له: (إنه هادٍ يهدينى إلى الطريق) فهو صادق فى قولته, ولكن الرجل فهمها على أنه دليل يريه الطريق الذى يريد أن يسلكه. ولكن لا يجوز استخدام المعاريض فى الشهادة, أو لتضييع الحقوق, أو غير ذلك مما يغضب الله جل وعلا, قال رسول الله r: ((إن فى المعاريض لمندوحةً عن الكذب)) وقد ضعفه الألبانى, ولكنه معمول به عند أهل العلم, بشرط ألا يتعود عليه الإنسان, لأنه يُفضى به إلى الكذب, ولا يكون إلا فى الضرورة كما قلنا, وألا يوقِع به ضرراً على أحد, والله أعلم.

س152- عندما أتى ماعِز لنبيكم يعترف له بالزنى حتى يقيم عليه الحد, سأله نبيكم وقال له: ((لعلك قبَّلت, أو غَمَزْت, أو نظرت)) فقال له: لا, فسأله نبيكم وقال له كلمة شنيعة, أول حرف فيها ألف, والثانى نون, والثالث كاف, والرابع تاء, والخامس هاء, والسادس ألف. فهل يصح أن ينطق بهذه الكلمة نبى؟ وحتى لا تكذبوننا.. فالحديث فى (صحيح البخارى) الذى تعتبرونه أصح كتب الحديث.

س152- لقد نسبتم الزنى لأنبيائكم (وحاشاهم) وقد ذكرنا الأدلة على ذلك فى أكثر من موضع, ولم تستطيعوا أن تنسبوه لنبينا r رغم عداوتكم له, وعدم الإيمان به, ولم ينسبه له أحد من قبلكم على مر العصور والأيام, رغم العداوة المطلقة له r من المشركين والملحدين والمستشرقين وغيرهم, أتكون هذه الكلمة أشد عندكم من الزنى؟ إن الرسول r كان أشد الناس حياءً, حتى وصفه أصحابه y بأنه ((كان أشد حياءً من العَذراءِ فى خِدْرها)) [صحيح الجامع:4799] وكان كثيراً ما يُكنِّى ويستخدم ألفاظاً غير صريحة للتعبير عمّا يريده, وذلك مثل قوله: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل)) [صحيح الجامع:385] وقوله فى الحديث الذى ذكرناه فى حد الزنى: ((إذا رأى أحدكم المرأة التى تعجبه, فليرجع إلى أهله حتى يقع بهم, فإن ذلك معهم)) [صحيح ابن حِبّان, صحيح الجامع:552] وحين سألته امرأة عن التطهر من حيضها, أمرها بالغسل, ثم قال لها: ((خذى فِرصَة من المسك فتطهرى بها)) قالت: كيف أتطهر؟ قال: ((تطهرى بها)) قالت كيف؟ قال: ((سبحان الله! تطهرى)) فاجتبذتها السيدة عائشة – رضى الله عنها – وقالت لها: (تتبعى بها أثر الدم) [صحيح البخارى] وفى رواية أخرى فى [صحيح مسلم] أنه قال لها: ((تطهرى بها, سبحان الله!)) واستتر. أى غطى وجهه, فعرفت السيدة عائشة ما يريد… إلى آخر الحديث. ولا يظن أحد أنه علَّمها كيفية الغُسل بألفاظٍ صريحة, فقد وضحت الرواية التالية, التى وردت فى [سنن ابن ماجه] كيفية شرحه لهذا الغسل: ((تأخذ إحداكن ماءها وسِدْرها فتطهر فتحسن الطهور, ثم تصب على رأسها, فتدلكه دلكاً شديداً, حتى يبلغ شئون رأسها, ثم تصب عليها الماء, ثم تأخذ فِرصَة مُمَسَّكَة فتطهر بها)) ‌[صحيح الجامع:2903] ((فِرصة)) هى قطعة من القطن, ((مُمَسَّكَة)) أى بها مسك, (فاجتبذتها) أى شدَّتها إليها.

إن الرسول r لم ينطق بالكلمة التى وردت فى السؤال إلا مرة واحدة فى حياته, وقد قالها حتى يتأكد من أن ماعز t زنى, لأنه ربما كان يجهل شروط إقامة حد الزنى, ويظن أنه يُقام على من قبَّل, أو غير ذلك من الأفعال التى لا تعنى الجماع, فأراد النبى r ألا يقيم عليه الحد – إبقاءً على حياته – حتى يستوثق تماماً من فعلته, ولم يكن هناك بديل لهذه الكلمة, التى تعنى إتمام الجماع, كما يحدث بين الرجل وزوجته. ومعلوم أن بعض الألفاظ تكون مُستقبحة فى بعض المجتمعات دون غيرها, فربما كانت هذه الكلمة غير مُستقبحة فى عهده r, فمثلاً كلمة (نسوان) مستقبحة عندنا فى مصر, رغم أنها كلمة عربية مثل (نساء) وفى بعض البلدان العربية يقولون عن المرأة (مَرَة) ولا يجدون فيها أى عيب, فى حين أنها مستقبحة جداً فى مصر, ويعتبرونها شتيمة للمرأة, ولكنها فى الحقيقة ليست كذلك, لأنها اختصار أو تحوير لكلمة (امرأة) وكذلك فإن كلمة (لباس) قد استُخدِمَت فى مصر فى غير معناها, ولو نطق بها أحد لكانت عيباً, فى حين أن معناها الحقيقى لا يعنى معناها العامِّى, فمعناها الأصلى هو ما يلبسه الإنسان, قال تعالى عن أهل الجنة: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر:33] وقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة:187] أى أنه سبحانه وتعالى شبَّه المرأة بأنها لباس لزوجها, وهو لباس لها, بمعنى أنها سِترٌ له, وهو سِترٌ لها, كما يستر اللباس صاحبه. ربما يقول مجادل: لماذا لم يقل له: أجامعتها؟ فنقول له: إن كلمة (الجِمَاع) لم تُطلَق قط على الزنى, ولكنها تطلق على العلاقة الحلال بين الرجل وزوجته, ومن تصفَّح كتب الفقه من أولها إلى آخرها لا يجد أحداً استخدمها للتعبير عن الزنى.

والآن نجد أنفسنا مضطرين لأن نذكر بعض الألفاظ الجنسية التى وردت فى الكتاب المقدس, ولولا الدفاع عن نبينا وحبيبنا وقرَّة أعيننا r ما ذكرناها:

وكانت إلىَّ كلمة الرب قائلة. يا ابن آدم عَرِّف أورشليم برجاساتها وقُلْ. هكذا قال السيد الرب لأورشليم… أما ميلادُكِ يوم وُلِدْتِ فلم تُقطَع سُرَّتكِ ولم تُغسَلى بالماء للتنظف ولم تُمَلَّحى تمليحاً ولم تُقمَّطى تقميطاً. لم تشفق عليكِ عين لتصنع لكِ واحدة من هذه لترق لكِ. بل طُرِحْتِ على وجه الحقل بكراهة نفسكِ يوم ولدتِ. فمررتُ بكِ ورَأيتُكِ مَدُوسَة بدمكِ فقلتُ لكِ بدمكِ عيشى. قلتُ لكِ بدمكِ عيشى. جَعَلتُكِ ربوة كنبات الحقل فرَبَوْتِ وكَبُرْتِ وبلغتِ زينة الأزيان. نَهَدَ ثدياكِ ونبت شعرُكِ وقد كنتِ عريانة وعارية. فمررتُ بكِ ورَأيتُكِ وإذا زمنكِ زمن الحب. فبَسَطتُ ذيلى عليكِ وسترتُ عورتكِ وحَلفتُ لكِ ودخلتُ معكِ فى عهد يقول السيد الرب فصِرْتِ لى. فحمَّمْتُكِ بالماء وغسلتُ عنكِ دماءكِ ومَسَحتُكِ بالزيت… فاتَّكلتِ على جمالِك وزنيتِ على اسمك وسكبتِ زناكِ على كل عابرٍ فكان له. وأخذتِ من ثيابكِ وصنعتِ لنفسكِ مُرتفعات موشاة وزنيتِ عليها. أمرٌ لم يأتِ ولم يكن. وأخذتِ أمتعة زينتكِ من ذهبى ومن فضتى التى أعطيتُكِ وصنعتِ لنفسكِ صُوَر ذكور وزنيتِ بها… وفرَّجتِ رجليكِ لكل عابر وأكثرتِ زناكِ. وزنيتِ مع جيرانكِ بنى مصر الغِلاظ اللحم وزدتِ فى زناكِ لإغاظتى… وزنيتِ مع بنى أشور إذ كنتِ لم تشبعى فزنيتِ بهم ولم تشبعى أيضاً. وكثرتِ زناكِ فى أرض كنعان إلى أرض الكلدانيين وبهذا أيضاً لم تشبعى… أيتها الزوجة الفاسقة تأخذ أجنبيين مكان زوجها. لكل الزوانى يُعطُون هدية. أما أنتِ فقد أعطيتِ كل محبيكِ هداياكِ ورشيتهم ليأتوكِ من كل جانب للزنا بكِ. وصار فيكِ عكس عادة النساء فى زناكِ إذ لم يُزنَ وراءكِ بل أنت تُعطِين أجرة ولا أجرة تُعْطَى لكِ. فصرتِ بالعكس فلذلك يا زانية اسمعى كلام الرب. هكذا قال السيد الرب… لذلك هَأنذا أجمعُ جميع محبّيكِ الذين لذذتِ لهم وكل الذين أحببتِهم مع كل الذين أبغضتِهم فأجمعهم عليكِ من حولكِ وأكشفُ عورتكِ لهم لينظروا كل عورتكِ… ويتركونكِ عريانة وعارية… وأٌحِلُّ غضبى بكِ فتنصرف غيْرتى عنكِ فأسكنُ ولا أغضبُ بعد. (حزقيال16: 1-42) إن هذه القصة – بالإضافة إلى ما فيها من ألفاظ جنسية صارخة – تنسبُ لله سبحانه وتعالى – زُوراً وبُهتاناً – أنه مَرَّ بأورشليم, فوجدها مُلقاه فى الحقل, لم تُقطَع سُرَّتها, ولم يغسلها أحد, فبسط ذيله عليها, وسترها, ونظفها بالماء, ومسحها بالزيت, وألبسها لباساً جميلاً, وأطعمها طعاماً لذيذاً, وحلاها بالذهب والفضة, واتخذها زوجة, وولدت له بنين وبنات, ثم خانته فزنت, وفعلت ما جاء فى النَّص لتغيظه, فعاقبها بأشد العقوبات حتى تذهب عنه غيْرته, ثم غفر لها. وقد اختصرنا بعض الفقرات حتى لا نطيل على القارئ, فمن أراد الاطلاع على القصة كاملة, فليقرأ الإصحاح من أوله إلى آخره.

وهاكُم مختصر قصة أخرى وردت فى الكتاب المقدس: وكان إلىَّ كلام الرب قائلاً. يا ابن آدم كان امرأتان ابنتا أم واحدة. وزنتا بمصر. فى صِباهما زنتا. هناك دُغدِغت ثديّهما وهناك تزغزغت ترائب عِذرتِهما. واسمها أهولة الكبيرة وأهوليبة أختها وكانتا لى وولدتا بنين وبنات… وزنت أهولة من تحتى وعشقت محبّيها أشور الأبطال… كلهم شُبّان شهوة… ولم تترك زناها من مصر أيضاً لأنهم ضاجعوها فى صباها وزغزغوا ترائب عِذرَتِها وسكبوا عليها زناهم… هم كشفوا عورتها… فلما رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت فى عشقها أكثر منها وفى زناها أكثر من زنى أختها. عشقت بنى أشور… كلهم شُبّان شهوة… عشقتهم عند لمح عينيها إياهم… فأتاها بنو بابل فى مضجع الحب ونجسوها بزناهم فتنجست بهم وجفتهم نفسها. كشفت زناها وكشفت عورتها فجفتها نفسى كما جفت نفسى أختها… وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومَنِيّهم كَمَنِىّ الخيل. وافتقدتِ رذيلة صباكِ بزغزغة المصريين ترائبكِ لأجل ثدى صباكِ لأجل ذلك يا أهوليبة هكذا قال السيد الرب. هَأنذا أُهَيِّج عليكِ عُشّاقكِ الذين جفتهم نفسكِ وآتى بهم عليكِ من كل جهة… كل بنى أشور شُبّان شهوة… وأجعلُ غيْرتى عليكِ… ويتركونك عريانة وعارية فتنكشف عورة زناكِ ورذيلتكِ وزناكِ… وتجتثين ثدييكِ لأنى تكلمتُ يقول السيد الرب. لذلك هكذا قال السيد الرب من أجل أنكِ نسيتنى وطرحتنى وراء ظهركِ فتحملى أيضاً رذيلتكِ وزناكِ (حزقيال23: 1-35), والله أعلم.

س153- يقول نبيكم: ((تزوجوا الودود الولود, فإنى مُكاثِر بكم الأمم)) [صحيح الجامع:2940] أنَّى لكم معرفة خصوبتها وهى بكر؟ وأما ((الودود)) وتعنى (المتحببة) فكيف تعرفونها وأنتم تحرِّمون الاختلاط؟

ج153- لقد تطورت الأبحاث العلمية لمعرفة خصوبة المرأة, ولو كانت بكراً, أما فى الماضى فكانت تعرف من قريباتها, وخصوصاً أمها, وأخواتها, وخالاتها, لأن الخصوبة من الصفات الوراثية. أمّا ((الودود)) فلا تحتاج للاختلاط لمعرفة أخلاقها, بل تُعرَف من معاملتها لزوجها السابق, إن كانت ثيِّباً, أو بمعاملة أمها مع أبيها, لو كانت بكراً, لأن البنات غالباً ما يأخذن صفات أمهاتهن, وكذلك من معاملة أخواتها مع أزواجهن, وتُعرَفُ أيضاً بسؤال جيرانها, أو أقاربها, أو صديقاتها, عن أخلاقها وتصرفاتها, والله أعلم.

س154- جاء فى كتب السيرة فى صلح الحديبية أن نبيكم كان إذا تنخَّم نخامة, أخذها أصحابه, ومسحوا بها وجوههم, وإذا توضأ كادوا يقتتلون على فضل وضوئه, فهل كان نبيكم يرضى عن هذه الأفعال المقززة؟

ج154- إن ما فعله الصحابة y لم يكن بأمر النبى r ولكنه من فرط حبهم له, والتبرك به, وتعظيمه, كما كانوا يقسِّمون بينهم شعر رأسه عندما يحلقه, ومن أمثلة ذلك أيضاً أن جاءه سيدنا قتادة بن النعمان t فى غزوة أحد, وهو يحمل عينه على كفه, وقال: يا رسول الله.. قُلِعَت عينى, فبلَّلَها الرسول r بريقه الشريف, ووضعها مكانها, فبرِئَت بإذن الله, حتى إنه t قال عنها: فوالله إنها كانت أحَدَّ من السليمة. وقد فعل الصحابة y هذا الأمر فى صلح الحديبية بالذات لأن عروة بن مسعود الثقفى الذى أرسلته قريش ليتفاوض مع الرسول r قال له متهكماً على أصحابة y: يا محمد.. جمعتَ أوباش الناس ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها, إنها قريش قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبداً, وأيم الله لكأنى بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً. فرد عليه أبو بكر t بكلمة شنيعة تناسب قولته, وقال له: أنحن ننكشف عنه؟ وأراد الصحابة y أن يظهروا له شدة تعظيمهم لنبيهم r وحبهم له, ففعلوا ما ذُكِرَ فى السؤال, وبالفعل أدهشه ما رأى, وذهب إلى قومه يقول لهم: يا معشر قريش.. إنى جئت كسرى فى ملكه, وجئت قيصر والنجاشى فى ملكهما, والله ما رأيت ملكاً قط مثل محمد فى أصحابه, ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشىء أبداً [مسند أحمد]

إن أحوال الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – غير سائر البشر, فها هو سيدنا أنس بن مالك t يقول: (خدمتُ النبى r عشر سنين, فما قال لى أُفّ قط, وما قال لشىء صنعتُه لِمَ صنعتَه؟ ولا لشىء تركتُه لِمَ تركتَه؟ وكان رسول الله r أحسن الناس خُلُقاً, ولا مسستُ خزّاً قط, ولا حريراً, ولا شيئاً, كان ألْيَن من كف رسول الله r ولا شممتُ مسكاً قط, ولا عطراً, كان أطيب من عَرَق رسول الله r) [رواه الترمذى فى سننه وقال حسن صحيح] فكما أن عرقه ليس كسائر البشر, فكذلك نخامته r ليست كسائر البشر. ثم إنكم قد حكمتم على تصرفات هؤلاء الصحابة y بمنطقكم, لأنكم لم تشعروا بفرط حبهم له, وتعظيمهم إياه, فمن الصعب عليكم تصور ما فعلوه, رغم أن فى واقعنا ما يشابهه, فها هى الأم تأكل ما يلفظه ابنها من فمه دون أدنى حرج, فى حين أن أباه لا يستطيع ذلك, وذلك لفرط حبها له أكثر من أبيه.    

والذين يتعجبون من فعل هؤلاء الصحابة y جاء فى كتابهم المقدس رش الفَرْث على الوجوه, وقد ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم (70) وجاء فيه أيضاً أن المسيح (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) وضع طيناً على عين الأعمى فأبصر, وَتَفَلَ على الأصم فتكلم: فقالوا له كيف انفتحت عيناك. أجاب ذاك وقال. إنسان يقال له يسوع صنع طيناً وطلى عينى وقال لى اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت. (يوحنا9: 10-11) وجاءوا إليه بأصم أعقد وطلبوا إليه أن يضع يده عليه. فأخذه من بين الجمع على ناحية ووضع أصابعه فى أذنيه وتفلَ ولمس لسانه. ورفع نظره نحو السماء وأنَّ وقال له إفَّثا. أى انفتح. وللوقت انفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وتكلم مستقيماً. (مرقس7: 32-35), والله أعلم.

س155- تروى كتب الأحاديث أن الناس كانوا يبعثون إلى نبيكم بالهدايا فى يوم عائشة, لعلمهم بحبه لها, فغارت بعض نسائه من ذلك, فأرسلن له أم سلمة نائبة عنهن, لتكلمه فى ذلك, فقال لها: ((لا تؤذينى فى عائشة, فإن الوحى لم يأتنى وأنا فى ثوب امرأة إلا عائشة)) وهذا يثبت أنه كان يرتدى ثوبها, ويأتيه الوحى وهو على ذلك, رغم أنكم تقولون إنه نهى عن تشبُّه الرجال بالنساء.

ج155- إن قوله r: ((فى ثوب عائشة)) لا يعنى أنه كان يأتيه الوحى وهو لابس ثوبها, كما ظن السائل بفهمه السطحى, ولكن هذا يُعتبر من التعبير المجازى, فحينما ذكر الله سبحانه وتعالى قول فرعون: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] هل يعنى ذلك أن فرعون صلبهم داخل النخل, أم أنه صلبهم عليه؟ وحين قال سبحانه وتعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة:187] فهل معنى ذلك أن المرأة لباس لزوجها, وهو لباس لها, بهذا المعنى السطحى, أم أن معنى (اللباس) فى الآية الستر والعفة, وغير ذلك مما يكون من ستر المرأة لزوجها, وستره لها؟ وهناك حديث آخر يوضح معنى هذا الحديث, وهو قول السيدة عائشة رضى الله عنها: كان الناس يتحرُّون بهداياهم يوم عائشة, قالت: فاجتمع صواحباتى إلى أم سلمة, فقلن: يا أم سلمة.. إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة, وإنا نريد الخير كما تريد عائشة, فقولى لرسول الله r يأمر الناس يُهدون إليه أينما كان, فذكرت ذلك أم سلمة, فأعرض عنها, ثم عاد إليها, فأعادت الكلام, فقالت: يا رسول الله إن صواحباتى قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة, فَأْمُر الناس يُهدون أينما كنتَ, فلما كانت الثالثة قالت ذلك, قال: ((يا أم سلمة لا تؤذينى فى عائشة, فإنه ما أنزل علىَّ الوحى وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها)) [صحيح البخارى] واللحاف هو الغطاء, ولا يخفى على أحد معرفته. وبهذا يتضح أن الحديث الذى ذُكِرَ فى السؤال, معناه أن الوحى لم ينزل عليه إلا فى بيتها, أو وهو بجانبها, وذلك لفضلها, وفضل أبيها, رضى الله عنهما. وقد ذكرنا أن الكتاب المقدس قال عن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – إنه خلع المنشفة التى كان متَّزراً بها, ومسح بها أرجل تلاميذه, وذلك فى الرد على الشبهة رقم (142), والله أعلم.     

س156- يقول القرآن: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:73-74] إن هذا اعتراف بأن نبيكم كاد يُفتَن.

ج156- إن هذا إن كان يعنى شيئاً, فإنما يعنى فى المقام الأول أن الرسول r صادق فيما بلغ عن ربه جل وعلا, لأنه لو تكلف القرآن, أو أخفى شيئاً منه, لَمَا ذكر هذه الآية. ومما قيل فى سبب نزولها, إن وَفْدَ ثقيف قالوا للرسول r: أجِّلنا سنة حتى نقبض ما يُهدَى لآلهتنا من الأصنام, فإذا قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا, فهَمَّ r بقبول ذلك, فنزلت الآية. فقوله تعالى: {لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} أى هممت أو قاربت أن تميل لقبول ما عرضوه عليك, لولا تثبيت الله لك, ولو فعلت ذلك {إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} [الإسراء:75] ومعلوم من اللغة العربية أن (الهمَّ) معناه مقاربة فعل الشىء, أى أنه لم يقع, ولكن صاحبه نوى على فعله, وهذا فى حد ذاته لا يعتبر معصية ولا يؤاخَذ المرء عليه إلا إذا فعله, وذلك لقول الرسول r: ((إن الله تجاوز لأمتى عمّا حدَّثت به أنفسها, ما لم تتكلم به, أو تعمل به)) [صحيح الجامع:1730] بل إن المرء إذا هَمَّ بسيئة ولم يعملها – خوفاً من الله جل وعلا – كُتِبَت له حسنة كاملة, كما جاء فى الحديث الصحيح عن الرسول r, والله أعلم.

س157- لقد حاول نبيكم الانتحار بعدما رأى جبريل فى غار حراء.

ج157- إن ما ورد عنه r من أنه حاول الانتحار بعدما رأى جبريل u فى غار حراء, فهى روايات غير صحيحة, وإلا- فما الذى منعه من الانتحار؟ ولو صحَّت هذه الروايات – جدلاً – فهى لا تعدو كونها خاطرة من شدة خوفه على نفسه أن يكون قد أصابه مس من الشيطان أو الجنون, وكان أبغض شىء إليه أن يُصاب فى عقله, فقد كان جالساً وحده فى الغار, فظهر له جبريل u على هيئته التى خلقه الله عليها, وله ستمائة جناح تملأ الأفق, فكان منظراً مُرَوِّعاً, وخصوصاً أنه أتاه فى ظلام الليالى الأخيرة من رمضان. ثم إنه لا يُؤاخَذ على ذلك لسببين: الأول: أنه لم يكن حينها مُكَلَّفاًً. الثانى: أن الإنسان لا يؤاخَذ بما حدثته به نفسه, كما ورد فى الحديث الذى ذكرناه فى الرد على الشبهة السابقة.

وقد ورد فى الكتاب المقدس أن شاول – وهو أحد أنبيائكم – مات منتحراً: فقال شاول لحامل سلاحِهِ اسْتَلَّ سيفَكَ واطْعَنِّى به لئلا يأتى هؤلاء الغُلْف ويطعنونى ويقبِّحونى. فلم يشأ حامل سلاحه لأنه خاف جداً. فأخذ شاول السيف وسقط عليه. ولَمّا رأى حامل سلاحِهِ أنه قد مات شاول سقط هو أيضاً على سيفِهِ ومات معه. (صموئيل الأول31: 4-5) مع أن طريقة الانتحار هذه تتناقض مع الطريقة التى جاءت فى الرد على الشبهة رقم (313) والدليل على نبوَّة شاول ما يلى:

وكان عندما جاء الروح من قِبَل الله على شاول (صموئيل الأول16: 23) فخلع هو أيضاً ثيابه وتنبّأ هو أيضاً أمام صموئيل وانطرح عرياناً ذلك النهار كله وكل الليل. لذلك يقولون أشاول أيضاً بين الأنبياء (صموئيل الأول19: 24) ونحن نتساءل.. هل بداية النبوة عندكم بالتعرِّى؟ إن هذا هو التجنِّى!, والله أعلم.

س158- إن نبيكم كان يستقبل ضيوفه وهو لابس ثوب عائشة.

ج158- لقد جاء فى صحيح الإمام مسلم, رحمه الله: حدثنا عبد الملك بن شعيب ابن الليث بن سعد حدثنى أبى عن جدى حدثنى عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن يحيى ابن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبى وعثمان حدَّثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله r وهو مضطجع على فراشه لابس مِرط عائشة, فأذن لأبى بكر وهو كذلك, فقضى إليه حاجته ثم انصرف, ثم استأذن عمر, فأذن له وهو على تلك الحال, فقضى إليه حاجته ثم انصرف, قال عثمان ثم استأذنتُ عليه, فجلس وقال لعائشة: ((اجمعى عليكِ ثيابك)) فقضيتُ إليه حاجتى ثم انصرفت, فقالت عائشة: يا رسول الله مالى لم أركَ فزعتَ لأبى بكر وعمر كما فزعتَ لعثمان؟ قال رسول الله r: ((إن عثمان رجل حَيِىّ, وإنى خشيت إن أَذِنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلىَّ فى حاجته)) لقد ظن السائل أن الرسول r كان لابساً مِرط عائشة – رضى الله عنها – بمعنى أنه كان لابساً ثوبها, أو بالمعنى الحالى (فستانها) فلما حضر سيدنا عثمان t أعطى المِرط لعائشة, وقال لها: ((اجمعى عليك ثيابك)) أى أنها كانت بغير ثياب حين دخل سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر – رضى الله عنهما – ولَمّا دخل سيدنا عثمان خلع المِرط (أى تعرَّى) ثم أعطاه إياها لترتديه. إن رَكاكَة هذا الفهم السقيم لا يليق بالأطفال, فضلاً عن الكبار, وقد ورد هذا الحديث فى صحيح مسلم أيضاً بطريقة أخرى وهى أن ‏السيدة عائشة (رضى الله عنها) ‏قالت: ‏كان رسول الله ‏مضطجعاً فى بيتى, كاشفاً عن فخذيه ‏أو ساقيه, ‏فاستأذن أبو بكر ‏فأََذِن له وهو على تلك الحال, فتحدث ثم استأذن عمر, ‏‏فأَذِن له وهو كذلك فتحدث, ثم استأذن‏ ‏عثمان, فجلس رسول الله ‏‏وسَوَّى ثيابه, فلما خرج قالت عائشة: ‏دخل ‏أبو بكر ‏‏فلم ‏تهتش ‏له, ولم ‏تُبالِهِ, ‏ثم دخل ‏عمر ‏فلم ‏تهتش‏ ‏له, ولم ‏تبالِه, ‏ثم دخل ‏عثمان فجلست وسوَّيت ثيابك, فقال: ((ألا أستحى من رجل تستحى منه الملائكة؟))

إن المِرط ليس فستاناً ولا ثوباً، المِرط هو كساء من صوف أو خَز أو كِتان, يضعه الرجل عليه كما تضعه المرأة، ويلتحف به الرجل والمرأة على السواء، كما ورد فى سنن الترمذى – رحمه الله – عن السيدة عائشة قالت: (خرج النبى r ذات غداة, وعليه مِرط من شعر أسود) [قال الترمذى: حديث حسن غريب صحيح] والعرب تقول: (لابس) لمن وضع الشىء عليه, أو جلس عليه, كما ورد فى الحديث: (جالس على حصير بَلِىَ من طول ما لُبِسَ) أى أن الحصير تلف من كثرة جلوسه عليه. فمعنى كلمة (لبس) أعَم فى لغة العرب من معناها فى اللهجات العامية، فهى تشمل فى اللغة العربية وضع الرداء أو اللحاف على الجسد، وتشمل الجلوس على الحصير, أو أى سجاد, وهو ما فعله النبى r من أنه كان ملتحفاً بالمِرط (أى بالكساء)

والقصة واضحة, لا إشكال فيها, إذ كانت السيدة عائشة فى ناحية البيت, مرتدية حجابها، والنبى r مضطجع وعليه لحافها، فدخل سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر – رضى الله عنهما – والنبى r على هذا الحال، والسيدة عائشة على حجابها، ثم لَمّا دخل سيدنا عثمان t وهو شديد الحياء, خشى الرسول r أن يراه مضطجعاً ملتحفاً, فيمتنع من قول حاجته، كمن يدخل على رجل نائم على سريره, ومغطى بغطائه, فيتحرج من ذلك, ويشعر أنه قد أقلق صاحب البيت, فيعتذر ولا يذكر حاجته, فأراد النبى r أن يُظهر له أنه فى وضع استعداد لمقابلة الضيوف, وأنه ليس نائماً, وأمر زوجته ألا تكتفى بالحجاب, ولكن تجمع عليها ثيابها أكثر, حتى تبدو هى أيضاً فى حال استقبال, كَمَن تسوِّى ثيابها إذا دخل ضيف, حتى لا تبدو غير مُهَندَمة.  

أما ماجاء فى الرواية الأخرى, من أنه كان كاشفاً فخذه, فإن النبى r بشر كسائر البشر، ومن طبيعة البشر أنهم يُسقِطون بعض الكُلْفة أمام خاصتهم, بما لايفعلونه أمام غيرهم، والنبى r كان يرى فى سيدنا عثمان حياءً شديداً، فهو يستحى أن يراه فى مثل هذا الحال، فخاف النبى r أن تمنعه رؤيته على هذا الحال أن يذكر حاجته، فجلس وتهيأ له بما يناسب طبيعته t ثم قال: ((إن هذا الرجل تستحى منه الملائكة)) وكأن النبى r يقول: إننى أُقَدِّر شدة حيائه, وأستحى منه كما تستحى منه الملائكة، والله أعلم.  

س159- لقد وضع محمد فى القرآن ما يوافق هواه, بدليل أن عائشة قالت له: ما أرى ربك إلا يسارع فى هواك [صحيح البخارى]  

ج159- كعادة السائل أنه لا يذكر من النصوص إلا ما يوافق هواه. فلننظر لماذا قالت له السيدة عائشة هذا القول؟ تجيبنا رضى الله عنها بقولها: (كنت أغارُ على اللاتى وهبْنَ أنفسهن لرسول الله r وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى {تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قلت: ما أرى ربك إلا يُسارع فى هواك) وقد قال النووى فى معنى (يسارع فى هواك): أى يخفف عنك, ويوسِّع عليك فى الأمور, ولهذا خيَّرك (أى فى أمر نسائه) وقال القرطبى: هذا قول أبْرَزه الدلال والغيْرة, وهو من نوع قولها: ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله (أى عند تبرئة الله لها من حادثة الإفك) وإلا- فإضافة الهوى إلى النبى r لا يُحمَل على ظاهره, لأنه لا ينطق عن الهوى, ولا يفعل بالهوى, ولو قالت (إلى مرضاتِك) لكان ألْيَق, ولكن الغيرة يُغتَفر لأجلها إطلاق مثل ذلك.

مما سبق يتضح لنا أن قولها كان من باب الغيرة, وإلا- فقد أفضنا الحديث فى شبهات أخرى عن أنه لو ألف القرآن لكتم منه أشياءً كثيرة. وقد جاء فى الكتاب المقدس ما يثبت أن بولس الرسول كان يتكلم أحياناً برأيه, بغير وحى من الله, كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم (356) ونضيف هاهنا:

وأما العذارى فليس عندى أمر من الرب فيهن ولكننى أعطى رأياً كَمَن رحمه الرب أن يكون أميناً. فأظنُّ أن هذا حَسَن لسبب الضيق الحاضر أنه حَسَن للإنسان أن يكون هكذا. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس7: 25-26) نلاحظ قوله: (فأظنُّ)

لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة (أعمال الرسل15: 28) نلاحظ قوله: (رأى الروح القدس ونحن), والله أعلم.

‏س160- تزعمون أن نبيكم كان رحيماً, فى حين أنه دعا على المريض الذى لا يستطيع أن يأكل بيمينه.

ج160- من رجع إلى القصة فى [صحيح مسلم] باب (آداب الطعام) يجد أن الرجل الذى قال له الرسول r: ((كُلْ بيمينك)) فرَدَّ عليه بقوله: (لا أستطيع) لم يكن مريضاً كما تقولون, ولكنه لم يمتثل لأمر الرسول r تكبُّراً, فكان جزاؤه أن دعا عليه الرسول r قائلاً: ((لا استطعتَ)) فما رفعها إلى فِيه, أى أنه لم يستطع رفع يده اليمنى بعد ذلك إلى فمه. ولو كانت مريضة من الأصل, ولا يستطيع رفعها, فما فائدة دعاء الرسول إذن؟ ولقد جاء فى كتابكم المقدس الذى يقول: (الله محبة) أن معبودكم دعا على شجرة التين (التى لا ذنب لها) لأنه لم يجد بها ثمراً: وفى الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع. فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط. فقال لها لا يكن منكِ ثمر بعد إلى الأبد. فيبست التينة فى الحال. (متى21: 18-19), والله أعلم.

س161- إن نبيكم أصاب من خيبر حماراً, وسماه يعفور, وكان يتكلم معه, ويرسله لينادى أصحابه.

ج161- إليكم نص هذه القصة المؤلَّفة المفتراه على رسولنا r:

عن أبى منظور قال: لما فتح الله على نبيه r خيبراً, أصاب من سهمه أربعة أزواج من البغال, وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواق ذهباً وفضة، وحماراً أسود, ومِكْتلاً. قال: فكلم النبى r الحمار، فكلمه الحمار، فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جَدِّى ستين حماراً كلهم لم يركبهم إلا نبى، لم يبق من نسل جدى غيرى، ولا من الأنبياء غيرك، وكنت أتوقع أن تركبنى، قد كنت قبلك لرجل يهودى، وكنتُ أعثرُ به عمداَ، وكان يجيع بطنى, ويضرب ظهرى، فقال النبى r: “سميتك يعفور، يا يعفور” قال: لبيك، قال: “تشتهى الإناث” قال: لا, فكان النبى r يركبه لحاجته, فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل, فيأتى الباب فيقرعه برأسه, فإذا خرج إليه صاحب الدار, أومأ إليه أن أجِب رسول الله r فلما قُبِضَ النبى r جاء إلى بئر كان لأبى التيهان, فتردَّى فيها, فصارت قبره, جزعاً منه على الرسول r. راجع (تاريخ ابن كثير 6: 150) و(أسد الغابة ج 4 ص707) و(لسان الميزان، باب من اسمه محمد، محمد بن مزيد) و(السيرة الحلبية، غزوة خيبر(

وإليكم أقوال العلماء – رحمهم الله – فى هذه الرواية:

أولاً: أورد الامام ابن كثير فى تاريخه (6 : 150) هذه القصة, وأشار إلى أنها ضعيفة, وقد أنكرها غير واحد من الحفاظ الكبار.

ثانياً: نصَّ ابن الأثير فى (أسد الغابة ج 4 ص707)  على أن القصة ضعيفة, وليست بصحيحة, وقال فى نقله عن أبى موسى عقب ذكر القصة: هذا حديث منكر جداً إسناداً ومتناً, لا أُحِلُّ لأحد أن يرويه عنى إلا مع كلامى عليه.

ثالثاً: أورد الحافظ ابن حجر العسقلانى, فى كتاب (لسان الميزان) باب (من اسمه محمد بن مزيد) هذه القصة كمثال للكذب الذى يرويه محمد بن مزيد، وأورد كلام الحافظ ابن حبان, وهذا نصه: هذا خبر لا أصل, له وإسناده ليس بشىء. وقال ابن الجوزى: لعن الله واضعه.

رابعاً: قال عنه الإمام السيوطى فى كتاب (اللآلئ المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة, الجزء الأول، كتاب المناقب): إنه (موضوع) ثم ذكر كلام ابن حِبّان, وهذا نصه: لا أصل له, وإسناده ليس بشىء, ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد.

إذن فالحديث موضوع على رسول الله r, وهناك آلاف الأحاديث الموضوعة عليه, فهل نتتبّعها حديثاً حديثاً حتى نرد عن رسولنا الشبهات؟ فينبغى للمسلم ألا يُصدِّق ما صاح به كل ناعق, وعليه أن يستوثق من الأخبار, قبل أن تَجْنَح به الأفكار, لتهوى به فى النار.

وقد جاء فى الكتاب المقدس أن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ركب على أتان (أنثى الحمار) وجحش ابن أتان, فى آن واحد, ونحن لا ندرى كيف فعل ذلك؟ وجاء فيه أيضاً أن الحمار نطق فمنع حماقة نبى, وأن الأتان تتكلم:

قولوا لابنة صهيون هُوَذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. فذهب التلميذان وفَعَلا كما أمرهما يسوع. وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما. (متى21: 5-7)

ولكنه حصل على توبيخ تعدِّيه إذ مَنَعَ حماقةَ النبىِّ حِمارٌ أعجمُ ناطقاً بصوت إنسان. (رسالة بطرس الثانية2: 16)

ثم اجتاز ملاك الرب أيضاً ووقف فى مكان ضيّق حيث ليس سبيل للنكوب يميناً أو شمالاً. فلما أبصرت الأتان ملاك الرب ربضت تحت بلعام. فحمى غضب بلعام وضرب الأتان بالقضيب. ففتح الرب فم الأتان فقالت لبلعام. ماذا صنعت بك حتى ضربتنى الآن ثلاث دفعات. فقال بلعام للأتان لأنك ازدريت بى. لو كان فى يدى سيف لكنت الآن قد قتلتك. فقالت الأتان لبلعام ألست أنا أتانك التى ركبت عليها منذ وجودك إلى هذا اليوم. هل تعوّدت أن أفعل بك هكذا. فقال لا (عدد22: 26-30), والله أعلم.

س162- لقد قتل (زيد بن ثابت) امرأةً عجوزاً قتلاً عنيفاً, لأنها كانت تعادى نبيكم, وهى (أم قرفة) فشدَّ رجليها بين بعيرين, ثم زجرهما فذهبا فقطعاها، ولم ينكر عليه نبيكم, فهل هذه هى الرحمة التى تصفونه بها؟

ج162- لقد جاءت الرواية فى (طبقات ابن سعد) وعنه ابن الجوزى فى كتابه (المنتظم) ومدار الرواية على محمد بن عمر الواقدى, وهو شخص متهم بالكذب لدى علماء الحديث. والقصة أوردها ابن كثير فى (البداية والنهاية) مختصرة, ولم يعلق عليها بشىء, وذكرها ابن هشام فى (السيرة) وكلاهما عن محمد بن اسحق الذى لم يذكر سند الرواية، فالحاصل أن الرواية لم تصح, فلا يجوز الاحتجاج بها.

والواقدى هو محمد بن عمر بن واقد الواقدى الأسلمى أبو عبد الله المدنى قاضى بغداد مولى عبد الله بن بُرَيْدة الأسلمى.

قال البخارى: الواقدي مَدِينِىّ سكن بغداد متروك الحديث, تركه أحمد وابن نمير وابن المبارك وإسماعيل بن زكريا (تهذيب الكمال مجلد 26 ص 185-186) وقال أحمد: هو كذاب. وقال يحيى: ضعيف, وفى موضع آخر: ليس بشىء. وقال أبو داود: أخبرنى من سمع من على بن المدينى يقول: روى الواقدى ثلاثين ألف حديث غريب. وقال أبو بكر ابن خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: لا يكتب.. حديث الواقدى ليس بشىء. وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم: سألت عنه على بن المدينى فقال: متروك الحديث. قال النسائى فى (الضعفاء والمتروكين): المعروفون بالكذب على رسول الله أربعة, وذكر منهم الواقدى بالمدينة, ومقاتل بخراسان, ومحمد بن سعيد بالشام.

يتضح مما سبق أن هذه الرواية موضوعة. وقد ذكرنا البشاعة فى القتل والتنكيل والتمثيل بالجثث فى الكتاب المقدس, فليرجع إليها القارئ, وخصوصاً فى الرد على الشبهات رقم (81) و(112) و(128) وغير ذلك من الشبهات, والله أعلم.

س163- جاء فى (الطبقات الكبرى) لابن سعد, فى الجزء الأول, أن عبد الله ابن عبد المطلب تزوج آمنة بنت وهب أم نبيكم, وفى الوقت نفسه تزوج عبد المطلب من ابنة عمها هالة بنت وهيب, فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة عم نبيكم. ثم قال فى (الجزء الثالث) باب (البدريين: طبقات البدريين من المهاجرين) إن حمزة كان مُعَلَّمَا يوم بدر بريشة نعامة… إلى أن قال: وقُتِلَ رحمه الله يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة, وهو يومئذ ابن تسع وخمسين سنة, كان أسَنَّ من رسول الله r بأربع سنين. إن هذا يعنى أن أم نبيكم ولدته من رجل آخر بعد أربع سنوات من زواجها بعبد الله.

ج163- أولاً: لقد قال النبى r: ((خرجت من لَدُنْ آدم من نكاح غير سِفاح)) [صحيح الجامع:3223]‌

ثانياً: إن هذا كتاب تاريخ, ونحن لا نأخذ ديننا من كتب تاريخية, بل من القرأن والسنَّة الصحيحة, وما يوافقهما.

ثالثاً: الروايتان قالهما محمد بن عمر بن واقد الواقدى الأسلمى, وقد ذكرنا من هو هذا الرجل الكذاب فى الرد على الشبهة السابقة.

وعلى هذا فالروايتان بهما ضعف, لأن الراوى متروك الحديث, ومُتَّهم فى صدقه وروايته.

لكن هناك طُرُقاً أخرى تؤكد الروايه الثانية, وهى أن سيدنا حمزة t كان أسَنَّ من الرسول r بعامين أو 4 سنوات, وهى روايات صحيحة, وأن زواج عبد المطلب كان قبل زواج ابنه عبد الله والد الرسول r بأعوام كثيرة, وإن كان ميلاد سيدنا حمزة تم قبل ميلاد الرسول r بعامين أو بأربع سنوات. فليس شرطاً أن تكون أم سيدنا حمزة قد ولدته مباشرة بعد زواجها. وذكر البكائى عن ابن إسحاق قال: كان حمزة أسَنَّ من رسول الله r بسنتين, كما ورد فى كتاب (الاستيعاب فى تمييز الأصحاب) وكون ثويبة قد أرضعته كما أرضعت الرسول r فهذا لا يعنى أن الرضاعة كانت فى زمن واحد, ولكن المهم أنهما رضعا من ثدى واحد.

ونحن نتساءل: لو كان هذا الادِّعاء صحيحاً – على سبيل الافتراض – هل كان أعداؤه من المشركين وغيرهم سيسكتون على هذا الأمر ولا يعيِّرونه به؟ إن العرب كانوا مشهورين بمعرفة الأنساب, فلو كان فى نَسَبه أى شىء يشينه r لعيَّروا به أهله منذ صِغَره, ولَمَا انتظروا حتى يعيرونه به فى كِبَره.

ثم إن الكتاب المقدس جعل المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – من نسل زنى مرتين فى (متى1: 1-17) إذ جعله من نسل فارص بن ثامار, وثامار هذه هى التى زنت مع حماها يهوذا (بزعمهم) فأنجبت له فارص وزارح, مع أن يهوذا من الأسباط أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (على نبينا وعليهم الصلاة والسلام) ثم جعله ولد زنى من ناحية أخرى, إذ جعله من نسل سيدنا سليمان – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – الذين زعموا أنه وُلِدَ من زنى والده سيدنا داود مع بثشبع امرأة أوريا الحِثِّى, وقد ذكرنا ملخص هذه القصة المزعومة على سيدنا داود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فى الرد على الشبهة رقم (109) أما ما ورد بشأن ولادة فارص من الزنى, فهو كما يلى: فأُخبِرَت ثامار وقيل لها هُوَذا حموكِ صاعد إلى تِمنة ليجز غنمه. فخلعت عنها ثياب ترمّلها وتغطّت ببرقع وتلفَّفت وجلست فى مدخل عينايم التى على طريق تِمنة… فنظرها يهوذا وحسبها زانية… فمالَ إليها على الطريق وقال هاتى أدخل عليكِ. لأنه لم يعلم أنها كنَّته… ولما كان نحو ثلاثة أشهر أُخبِرَ يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنَّتك. وها هى حُبلى أيضاً من الزنا… وفى وقت ولادتها إذا فى بطنها توأمان… فدُعِىَ اسمه فارص وبعد ذلك خرج أخوه… فَدُعِىَ اسمه زارح (تكوين38: 13-30) (كنَّته) أى زوجة ابنه.

كما أن الكتاب المقدس جعله فى نصوص أخرى من نسل 4 زانيات (على حَدّ تحريفكم) وهُنَّ ثامار وبثشبع وراعوث وراحاب.

ونريد أن نسألكم.. ألستم تؤمنون مثلنا أن المسيح (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) ليس له أب من البشر؟ إذن فلماذا نسبتموه ليوسف النجار فى أول صفحة من الإنجيل, وهو إنجيل متى؟ أليس هذا يوافق ما قاله عنه اليهود؟ ألم يكن الأجدر بكم أن تذكروا نسب أمه, بدلاً من ذكر نسب يوسف النجار؟, والله أعلم.

س164- هل من الرحمة أن يطلِّق نبيكم (سودة بنت زمعة) بعدما كبرت بها السن؟

ج164- إن الرسول r لم يطلقها, ولم يصرح لها برغبته فى ذلك, ولكنها شعرت بما يدور فى خَلَدِه, لأنه كان قد كبر فى السن, ويحتاج من زوجته أن تخدمه, وتقوم على شئونه, والسيدة سودة – رضى الله عنها – كانت أسَنّ منه, وكانت امرأة عجوزاً لا تستطيع القيام بخدمته, فلو ترك ليلتها لَظَلَمَها, فماذا يفعل؟ لقد كان الحل فى هذه المشكلة باقتراح حكيم منها, إذ عرضت عليه أن يجعل ليلتها للسيدة عائشة – رضى الله عنها – لعلمها بحبه لها, فوافق r على ذلك, ولم يطلقها, والله أعلم.

س165- يقول نبيكم: ((جُعِلَ رزقى تحت ظِل رُمحى, وجُعِلَ الذِلَّةُ والصَّغارُ على من خالفَ أمرى)) [صحيح البخارى] ألا يعنى هذا أن نبيكم كان محبّاً للقتل, مُبتغياً للرزق من المغانم عن طريقه؟

ج165- لقد أطلنا الكلام من قبل فى دفع هذه الفِرْية عن رسولنا r فى الشبهة رقم (81) أما هذا الحديث فهو تشريف له r إذ قضى معظم أيام رسالته فى الجهاد فى سبيل الله جل وعلا, وإعلاء كلمته, ورفع راية الإسلام, ونشره فى ربوع المعمورة, وقد أكرمه الله سبحانه وتعالى بأن أباح له الغنائم التى لم يُبِحْها لأحد قبله, قال r: ((أعطيتُ خمساً لم يُعطهنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلى: نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر, وجُعِلَت لىَ الأرض مسجداً وطهوراً, فأيُّما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليُصَلِّ, وأُحِلَّت لىَ الغنائم, ولم تَحِلّ لأحدٍ قبلى, وأعطيتُ الشفاعة, وكان النبى يُبعَث إلى قومه خاصة, وبُعثتُ إلى الناس عامَّة)) [صحيح الجامع:1056]‌ ورغم أن الله سبحانه وتعالى جعل له خُمْسَ الغنائم, إلا أنه كان ينفقها فى سبيل الله, ويحيا حياة الفقراء, وكان بوسعه أن يعيش عيشة الأغنياء, ولكنه آثر الآخرة على الدنيا, وآثر الباقى على الفانى, حتى إنه مات ودِرْعه مرهونة عند رجل يهودى على ثلاثين صاعاً من تمر, وكان ينام على الحصير حتى أثَّر فى جنبه r, وكانت تمر عليه وعلى نسائه – رضى الله عنهن – ثلاثة أهلِّة فى شهرين, دون أن يوقد فى بيوته نار, وكان يربط حجرين على بطنه من الجوع, وغير ذلك من مظاهر حياة الزهد والتقشف التى يعلمها مَن دَرَس سيرته r, فلم يكن محباً لجمع المال عن طريق القتال كما ادَّعى السائل الذى جاء فى كتابه المقدس كثير من قصص النهب والسرقة والقتل التى ذكرنا بعضها فى الإجابة عن شبهات أخرى, ونذكر منها هنا ما يلى:   

وأخذوا كل الغنيمة وكل النَّهْب من الناس والبهائم وأتوا إلى موسى وألعازار الكاهن وإلى جماعة بنى إسرائيل بالسَّبْى والنهب والغنيمة (عدد31: 11-12)

وصعد داود ورجاله وغزوا الجشوريين والجرزيين والعمالقة لأن هؤلاء من قديم سكان الأرض من عند شور إلى أرض مصر. وضرب داود الأرض ولم يستبقِ رجلاً ولا امرأة وأخذ غنماً وبقراً وحميراً وجمالاً وثياباً ورجع وجاء إلى أخيش. (صموئيل الأول27: 8-9)

وكلم الرب موسى قائلاً. أحصِ النهبَ المسْبِىّ من الناس والبهائم أنت وألعازار الكاهن ورؤوس آباء الجماعة. ونصِّف النهب بين الذين باشروا القتال الخارجين إلى الحرب وبين كل الجماعة… وكان النهب فضلة الغنيمة التى اغتنمها رجال الجند من الغنم ست مئة وخمسة وسبعين ألفاً. ومن البقر اثنين وسبعين ألفاً. ومن الحمير واحداً وستين ألفاً. ومن نفوس الناس من النساء اللواتى لم يعرفن مضاجعة ذكر جميع النفوس اثنين وثلاثين ألفاً. (عدد31: 25-35)

ثم أتى بنو يعقوب على القتلى ونهبوا المدينة. لأنهم نجسوا أختهم. غنمهم وبقرهم وحميرهم وكل ما فى المدينة وما فى الحقل أخذوه. وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونساءهم وكل ما فى البيوت (تكوين34: 27-29)

فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة (صموئيل الأول23: 5)

إن ما ذكرناه آنفاً فهو فى (العهد القديم) أى التوراة, ثم يأتى (العهد الجديد) وهو (الإنجيل) ليُقِرّ ما فعله أنبياء العهد القديم من القتل, والنهب, وسائر مظاهر العنف, فيقول بولس: وماذا أقول أيضاً لأنه يُعْوِزنى الوقت إن أخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا بِرّاً نالوا مواعيد سدُّوا أفواه أُسُود أطفأوا قوة النار نَجَوْا من حَدِّ السيف تقوَّوا من ضعف صاروا أشدّاء فى الحرب هزموا جيوش غُرباء. (الرسالة إلى العبرانيين11: 32-34) ففى هذا تأييد من بولس لما فعله أنبياء العهد القديم من القتل والنهب بزعمهم, والله أعلم.

س166- يقول نبيكم: ((أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ إن هذه تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش, فتخر ساجدة, فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى ارجعى من حيث جئتِ, فترجع فتصبح طالعة من مطلعها, ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش, فتخر ساجدة, فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى ارجعى من حيث جئت, فترجع فتصبح طالعة من مطلعها, ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئاً, حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش, فيقال لها: ارتفعى أصبحى طالعة من مغربكِ, فتصبح طالعة من مغربها, أتدرون متى ذاكم؟ حين  {لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً})) [صحيح الجامع:84]‌ ما هذا يا مسلمون؟ أهذا يتفق مع العلم الذى تدَّعون أن دينكم يؤيده؟

ج166- إن هذا الحديث لا يخالف العلم كما تقولون, فهل تكلم عن شىء مغاير لتكوين الشمس, أو خواصها, أو حركتها… إلخ؟ لقد قال: إنها تجرى, وهذا ما أثبته العلم, أما كَونها تسجد تحت العرش, ويُقال لها: ((ارجعى من حيث جئتِ)) فهذا أمر غيبى, نؤمن به, ولكن لا ندرى كيفية حدوثه, فهل يوجد منكم – أو من غيركم – من يدَّعى أنه يعرف مكان العرش حتى ينكر هذا الحديث؟ ومعلوم أن الشمس لها فى كل لحظة مشرق ومغرب على أرجاء المعمورة, ومعنى ذلك أنها فى حالة سجود دائم لله سبحانه وتعالى, وهذا ما أقره القرآن الكريم فى قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]

ولقد جاء فى كتابكم المقدس ما هو أغرب من ذلك بكثير, وخصوصاً فى (رؤيا يوحنا اللاهوتى) ومن هذه الغرائب: وظهرت آية عظيمة فى السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثنى عشر كوكباً وهى حُبلَى تصرخ متمخِّضة ومتوجِّعة لتَلِد. وظهرت آية أخرى فى السماء. هُوَذا تنِّين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان. وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض. والتنِّين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت. فولدت ابناً ذكراً عنيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد. واختطفت ولدها إلى الله وإلى عرشه. والمرأة هربت إلى البرية حيث لهما موضع مُعَدّ من الله لكى يعولوها هناك ألفاً ومئتين وستين يوماً وحدثت حرب فى السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك فى السماء. فطرح التنِّين العظيم الحيَّة القديمة الْمَدعُوّ إبليس والشيطان الذى يضل العالم كله طُرِحَ إلى الأرض وطُرِحَت معه ملائكته. وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً فى السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طُرِحَ المشتكى على إخوتنا الذى كان يشتكى عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً. وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت. من أجل هذا افرحى أيتها السموات والساكنون فيها. ويل لساكنى الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً ولما رأى التنِّين أنه طُرِحَ إلى الأرض اضطهد المرأة التى ولدت الأبن الذكر. فأُعطِيَت المرأة جناحى النسر العظيم لكى تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تُعالُ زماناً وزمانين ونصف زمان من وجه الحيَّة. فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماء كنهر لتجعلها تحمَل بالنهر. فأعانت الأرض المرأة وفتحت الأرض فمها وابتلعت النهر الذى ألقاه التنِّين من فمه. فغضب التنِّين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقى نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح (رؤيا يوحنا: الإصحاح12) مع العلم بأن (الخروف) عندهم يعنى (الرب) كما ذكرنا ذلك فى (صفات الرب فى الكتاب المقدس) فى الرد على الشبهة رقم (19), والله أعلم.

س167- يقول القرآن: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى{6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ} [الأعلى:6-7] وقد روى البخارى عن عائشة أنها قالت: سمع النبى قارئاً يقرأ من الليل فى المسجد فقال: ((يرحمه الله.. لقد أذكرنى كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا)) وفى رواية ((أُنسيتها)) إن معنى هذا أنه يُسقِط ما يشاء من القرآن أو ينساه, فكيف تقولون: إنه بلغ القرآن كاملاً؟

ج167- لقد قال العلماء: إن وقوع النسيان منه r فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ (مثل الأمور العادية والحياتية) فهذا جائز مطلقاً, لِما جُبِلَ عليه من الطبيعة البشرية, أما النسيان منه فيما هو مأمور فيه بالبلاغ, فهذا جائز, ولكن بشرطين.. الشرط الأول: أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً. والشرط الثانى: ألا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تَذَكُّره إما بنفسه وإما بغيره. وقالوا أيضاً: إن نسيانه r لشىء من القرآن يكون على قسمين.. أحدهما: نسيانه الذى يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية, وعليه يدل قوله r فى حديث السهو: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسَوْن)) [متفق عليه] وهذا القسم سريع الزوال، لظاهر قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] والثانى: أن يرفعه الله عن قلبه لنسخ تلاوته، وهذا القسم مُشار إليه فى قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] أما قوله تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} فهو وعد كريم بعدم نسيان ما يقرؤه من القرآن، إذ أن (لا) فى الآية نافية، أى أن الله أخبر نبيه r بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه. والاستثناء فى الآية بعدها مُعلَّق على مشيئة الله, فإنه إذا أراد أن ينسيه لم يعجزه ذلك، ولكنه لم يشأ, بدليل قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:17] فالقصد هو نفى النسيان أصلاً, وجاء بالاستثناء ليبين أن هذا الأمر (وهو عدم الإنساء) ليس خارجاً عن إرادته, فإذا أراده لم يمنعه مانع, فكل شىء بيده سبحانه وتعالى. وقيل إن الحكمة فى هذا الاستثناء, أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبى r القرآن هو محض فضل الله وإحسانه، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه، وفى ذلك إشعار للنبى r أنه دائماً مشمول ومُحاط بنعمة الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن نبيهم لم يخرج عن دائرة العبودية، فلا يفتنون به كما فُتِنَ النصارى بالمسيح عليه السلام.

وللرد على أن نسيان الرسول r للآية التى ذكَّره بها أحد أصحابه y يطعن فى تمام تبليغه للقرآن, نقول وبالله التوفيق:

أولاً: إن الآيات التى أُنسيها النبى r ثم ذكرها, كانت مكتوبة بين يديه, ولم تنزل آية عليه, إلا قام كتبة الوحى بكتابتها, وكانت محفوظة فى صدور أصحابه y الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر, وليس فى الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مما كتبه كتاب الوحى, ولا ما يدل على أن أصحاب النبى r كانوا نسوها جميعاً حتى يُخشى عليها من الضياع.

ثانياً: إن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التى سمعها الرسول r من أحد أصحابه كانت قد مُحِيَت من ذهنه الشريف جملة, بل غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه ثم ذكرها, وحضرت فى ذهنه بقراءة صاحبه, وليس غيبة الشىء عن الذهن كمحوه منه, فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره, أما النسيان التام فهو مستحيل على النبى r.

ثالثاً: إن قوله: ((أسقطتها)) مفسَّرة بقوله فى الرواية الأخرى: ((أُنْسِيتُها)) فدل على أنه أسقطها نسياناً لا عمداً, فلا محل لما أورده السائل من أنه قد يكون أسقط عمداً بعض آيات القرآن. قال النووى: (قوله: ((كنتُ أُنْسِيتُها)) دليل على جواز النسيان عليه فيما قد بلَّغه إلى الأمة) وقد ذهب البعض إلى أن ما نسيه النبى r كان مما نسخه الله تعالى, ولم يعلم الصحابى بنسخه, ثم وقع العلم عند الصحابى بذلك. وقد قلنا فى أكثر من موضع: لو أن النبى r كتم شيئاً من القرآن, أو أسقطه عمداً – كما تقولون – لكتم آيات كثيرة, مثل بعض آيات سور (عبس) وغيرها.

رابعاً: كان سيدنا جبريل u يراجع الرسول r بالقرآن كل عام فى رمضان لِكَيلا ينساه, وفى آخر حياته الشريفة راجعه إياه كاملاً مرتين.

خامساً: كثرة ترديد الآيات, وتلاوتها فى المناسبات, والخطب, والصلوات, ساعدت على حفظ القرآن جيداً, والعمل به, والله أعلم.

س168- تزعمون أن نبيكم كانت له قوة أربعين نبياً, وأنه كسر الصخرة التى لم يقدر عليها أصحابه حين حفروا الخندق, وأنه أصاب أعين المشركين بحفنة من التراب فى غزوة بدر, وأنه كذا وأنه كذا, ما كل هذه المبالغات؟

ج168- إن هذه ليست مبالغات, ولكنها من المعجزات التى أيد الله بها نبيه ورسوله r ولا حرج على فضل الله, وقد كانت له معجزات أخرى كثيرة, ذكرنا بعضاً منها فى الإجابة عن الشبهة رقم (258) وقد جاء فى كتابكم المقدس ما هو أبعد مما ذكرتموه بكثير, ومنه ما يلى:

ثم قال الرب لموسى وهَرُون خُذا مِلء أيديكما من رماد الأتون. وليُذرِّه موسى نحو السماء أمام عينى فرعون. ليصير غباراً على كل أرض مصر. فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببُثُور فى كل أرض مصر. فأخذا رماد الأتون ووقفا أمام فرعون وذرّاه موسى نحو السماء. فصار دمامل بُثُور طالعة فى الناس وفى البهائم. ولم يستطع العرّافون أن يقفوا أمام موسى من أجل الدمامل. لأن الدمامل كانت فى العرّافين وفى كل المصريين. (خروج9: 8-11)

هذه أسماء الأبطال الذين لداود. يوشيب بشبث التحكمونى رئيس الثلاثة. هو هَزَّ رُمحه على ثمان مئة قتلهم دفعة واحدة. (صموئيل الثانى23: 8) هل يستطيع أحد – مهما أوتىَ من قوة – أن يقتل ثمان مائة رجل برُمحهِ دفعة واحدة؟

وهذا هو عدد الأبطال الذين لداود. يشبعام بن حكمونى رئيس الثوالث. هو هَزَّ رمحه على ثلاث مئة قتلهم دفعة واحدة. (أخبار الأيام الأول11: 11)

وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينيين سِت مئة رجل بمِنساس البقر وهو أيضاً خلَّص إسرائيل (قضاة3: 31) ما هذا؟ ست مائة رجل يُقتلون بمنساس البقر (أى ذيله)؟

شمشون يضرب 1000 رجل بلحى حمار طرى, ويشق الأسد بيديه نصفين, ويربط ذيول 300 ثعلب ببعضها:

ووجد لِحَى حمار طرياً فمَدَّ يده وأخذه وضرب به ألف رجل. فقال شمشون بلحى حمار كومة كومتين. بلحى حمار قتلتُ ألف رجل. (قضاة15: 15-16) (لحى حمار) أى (فَك حمار).

فنزل شمشون وأبوه وأمه إلى تمنة وأتوا إلى كروم تمنة. وإذا بشبل أسد يزمجر للقائه. فحلَّ عليه روح الرب فشقَّه كشق الجدى وليس فى يده شىء ولم يخبر أباه وأمه بما فعل… مالَ لكى يرى رِمَّة الأسد وإذا دَبْرٌ من النحل فى جوف الأسد مع عسل. فاشتار منه على كفيه وكان يمشى ويأكل وذهب إلى أبيه وأمه وأعطاهما فأَكَلا ولم يخبرهما أنه من جوف الأسد اشتار العسل (قضاة14: 5-9) نلاحظ من هذا النَّص أن الأسد لم يتعفن بعدما شقَّه شمشون بيديه, وأن النحل اتخذت جوفه بيتاً لصنع العسل.

وذهب شمشون وأمسك ثلاث مِئة ابن آوى وأخذ مشاعل وجعل ذَنَبَا إلى ذَنَب ووضع مَشعلاً بين كل ذَنَبَيْن فى الوسط. ثم أضرم المشاعل ناراً وأطلقها بين زروع الفلسطينيين فأحرق الأكداس والزرع وكروم الزيتون (قضاة15: 4-5) (ابن آوى) هو الثعلب, والله أعلم.

س169- أنتم تقولون إن نبيكم جاء ذكره فى التوراة والإنجيل, وها هو الكتاب المقدس بين أيدينا, وليس فيه أى صفة من صفات نبيكم, لا تصريحاً ولا تلميحاً!

ج169- أنتم تقولون إن البشارة بالمسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – جاءت فى العهد القديم (التوراة) عشرات – بل مئات – المرات, فهل تستطيعون أن تأتونا ببشارة واحدة ذكرت اسمه صريحاً؟ إن البشارات التى تتحدثون عنها, لم يأتِ فيها ذكر (المسيح) أو (يسوع) ولكنكم تؤكدون أنها تعنِيه بقرائن أخرى, فكذلك نحن نؤكد أن الكتاب المقدس الذى بين أيديكم الآن ذكر سيدنا محمداً r ولكن ليس باسمه صريحاً, بل تلميحاً, أما قبل تحريفه, فقد ذُكِرَ فيه اسمه صريحاً, كما قال سيدنا عيسى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] وها هى بعض النصوص التى بشَّرت به r فى الكتاب الذى بين أيديكم (بالإضافة لما ذكرناه فى الرد على الشبهة رقم 121):

أُقيمُ لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعلُ كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذى لا يسمع لكلامى الذى يتكلم به باسمى أنا أطالبُه. (تثنية18: 18-19) إن هذه بشارة بالرسول r وليست بالمسيح عليه السلام كما تقولون, لأنها قالت عن هذا النبى: (مثلك) أى مثل سيدنا موسى, ولو أن وجه الشبه بين موسى وعيسى أنهما نبيّان يهوديّان, لكانت تنطبق على أنبياء كثيرين ممن جاءوا بعد موسى, مثل: سليمان, وإشعياء, ودانيال, وحزقيال, وهوشع… إلى آخرهم, ولكن سيدنا محمداً هو الذى مثل سيدنا موسى, وليس المسيح.. بدليل:

إن المسيح لا يشبه موسى بمقتضى عقيدتكم, لأنكم تزعمون أن المسيح هو الإله المتجَسِّد على هيئة البشر, ولكنكم لا تقولون إن موسى كان إلهاً. 

أنتم تعتقدون أن المسيح ضحَّى بنفسه من أجل خطايا البشر, ولا تعتقدون ذلك فى موسى.

كان لموسى أب وأم كما كان لمحمد r أما المسيح فلم يكن له أب.

محمد r وموسى تزوَّجا وأنجبا, أما المسيح فظل عَزَباً طوال حياته قبل رفعه.

محمد وموسى – عليهما الصلاة والسلام – هاجرا بشعبيهما بسبب ما لقِياه وقومهما من أذى الكفار واضطهادهم, ولم يهاجر المسيح عليه السلام بأتباعه. 

محمد r وموسى كانا نبيَّيْن مثلما كانا زعيمَيْن, أى أنهما كانا يحكمان شعبيهما, ولهما سلطان عليهما, بحيث يوقعان العقوبة على المخطئ, كما جاء عن موسى فى الكتاب المقدس أمره بإعدام عَبَدَة العجل (خروج32: 26-29) أما المسيح فكان نبياً فقط, ولم يحكم شعبه, بل كان يأمره بطاعة ولىّ أمره: حينئذ ذهب الفريسييون وتشاوروا لكى يصطادوه بكلمة… فقُل لنا ماذا تظن. أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا… فقال لهم أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله. (متى22: 15-21) وصرَّح بأن مملكته ليست على الأرض: أجاب يسوع مملكتى ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خُدّامى يجاهدون لكى لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتى من هنا. (يوحنا18: 36)

محمد r وموسى أتيا بشريعة جديدة وأحكام جديدة لشعبيهما, أما المسيح فلم يأتِ بشريعة جديدة ولا بأحكام جديدة, بل كان يؤكد لهم أنه لم يأتِ لينقض الناموس (أى التوراة) بل ليكمِّله.

محمد r وموسى ماتا موتة طبيعية مثل جميع البشر, أما المسيح فقد رفعه الله إليه حياً, وأنتم تعتقدون أنه صُلِبَ, ولا تعتقدون ذلك فى موسى.

محمد r وموسى يرقدان فى قبريهما فى الأرض, أما المسيح فأنتم تقولون إنه: منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. (لوقا22: 69)

أنتم تعتقدون أن المسيح مكث فى قبره ثلاثة أيام ثم رُفِعَ, ولكن موسى لم يُفعَل به ذلك.

وهناك أمور أخرى – وهى الأهم – تثبت أن هذه البشارة خاصة بسيدنا محمد r غير كونه مثل موسى, فلم تَقُل البشارة (نبياً من أنفسهم) حتى تظنوا أن هذا النبى من بنى إسرائيل (أى من بنى يعقوب بن إسحاق – على نبينا وعليهما الصلاة والسلام – لأن إسرائيل هو يعقوب) ولكنها قالت: (من وسط إخوتهم) وهم العرب أبناء إسماعيل, على نبينا وعليه الصلاة والسلام. والكتاب المقدس نفسه يثبت أن أبناء إسماعيل إخوة لأبناء إسحاق: فولدت هاجر لأبرام ابناً. ودعا أبرام اسم ابنه الذى ولدته هاجر إسماعيل. (تكوين16: 15) ( أبرام معناه إبراهيم ) وأمام جميع إخوته يسكن. (تكوين16: 12) وهذه سِنو حياة إسماعيل. مئة وسبع وثلاثون سنة. وأسلم روحه ومات وانضم إلى قومه. وسكنوا من حويلة إلى شور التى أمام مصر حينما تجىء نحو أشور. أمام جميع إخوته نزل (تكوين25: 17-18)

وقد قالت البشارة: (وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به) وهذا ينطبق على سيدنا محمد r لأنه عندما جاءه جبريل u فى غار حراء وقال له مرتين: {اقْرَأْ} ورد عليه r فى كل منهما بقوله: (( ما أنا بقارئ )) فقال له فى الثالثة : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} عَلِمَ الرسول r أن أمر جبريل له بالقراءة هو أن يردد هذا القول خلفه, لا أن يقرأ من كتاب, وهذا ما دلَّت عليه بشارة الكتاب المقدس (وأجعل كلامى فى فمه) أى أنه ينطق بكلام الله.

ثم إن الكتاب المقدس نفسه ينفى مجىء نبى من بنى إسرائيل مثل موسى, فيقول: ولم يَقُمْ بَعْدُ نبى فى إسرائيل مثل موسى الذى عرفه الرب وجهاً لوجه (تثنية34: 10)

وهناك بشارات أخرى بالرسول r فى الكتاب المقدس, ومنها: أو يُدفَع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويُقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة (إشعياء29: 12) وهذا النص واضح الدلالة على أنه سيدنا محمد r.

جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم. (تثنية33: 2) (جاء الرب) أى جاء مَلاك الرب بالوحى, وهذا يعنى نبوَّة سيدنا موسى, ثم نبوة سيدنا عيسى, ثم نبوة سيدنا محمد – صلوات الله وسلامه عليهم – حسب ترتيبهم الزمنى, لأن (سيناء) هى مهبط الوحى على سيدنا موسى, و(سعير) مهبط الوحى على سيدنا عيسى, و(فاران) مهبط الوحى على سيدنا محمد r. والدليل على أن (فاران) هى (مكة المكرمة) أن الكتاب المقدس ذكر أن سيدنا إسماعيل سكن فيها: وكان الله مع الغلام فكبر. وسكن فى البرية وكان ينمو رامى قوس. وسكن فى بريَّة فاران. وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر (تكوين21: 20-21) ولكنكم تغالطون أنفسكم وتقولون إن (فاران) هى (إيلات) مع أن (إيلات) لم يُبعَث فيها نبى قط. ونلاحظ أن النَّص قال: (تلألأ من جبال فاران) وقد أنزل الوحى على سيدنا محمد r وهو فى غار حِراء على جبل النور, وكلمة (تلألأ) أقوى من (جاء) و(أشرق) أى أن نور رسالة سيدنا محمد r أقوى من سابقتيها, وهناك دليل آخر فى هذا النَّص (أى: تثنية33: 1-2) ولكنه فى الترجمة الإنجليزية للكتاب المقدس, حيث تقول البشارة:

The LORD came from Sinai, and rose up from Seir unto them; he shined forth from mount Paran, and he came with ten thousands of saints

أى أن الذى تلألأ من جبال فاران أتى ومعه عشرة آلاف قديس, وهى إشارة لدخول الرسول r إلى جبال فاران (أى جبال مكة) عام الفتح, ومعه عشرة آلاف من أصحابه الكِرام y ولكنكم أخفيتم هذا النَّص من الترجمة العربية, حتى لا يكون واضح الدلالة على نبوة سيدنا محمد r وبعد هذا تزعمون أنه لا يمكن التلاعب بالكتاب المقدس!

الله جاء من تِيمان والقدوس من جبل فاران. سِلاه. جلاله غطى السماوات والأرض امتلات من تسبيحه. وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. قُدّامه ذهب الوَبَأ وعند رجليه خرجت الحُمَّى. (حبقوق3: 3-5) وقد ذكرنا أن فاران هى مكة, وأظن أنه لا يتمارى اثنان فى أن سيدنا محمد r وأُمَّته هم أكثر أهل الأرض تسبيحاً لله جل وعلا, ومعلوم أن الرسول r عندما هاجر إلى المدينة المنورة هو وأصحابه y كان بها وباء أصاب بعضهم بالحُمَّى الشديدة, فدعا رسول الله r ربه عز وجل أن ينقل الوباء إلى خارج المدينة, فاستجاب الله سبحانه وتعالى لدعائه.

عن أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – قالت: قَدِمنا المدينة وهى وَبِيئَة, فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال, فلما رأى رسول الله r شكوى أصحابه قال: (( اللهم حَبِّب إلينا المدينة كما حبَّبت مكة أو أشد , وصَحِّحها , وبارك لنا فى صاعِها ومُدِّها , وحَوِّل حُمّاها إلى الجُحْفَة )) [صحيح مسلم] وقال رسول الله r: (( رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمَهَيْعَة – وهى الجُحفة – فأوَّلْتُ أن وباء المدينة نُقِل إليها )) [صحيح البخارى]

وَحْىٌ من جهة بلاد العرب. فى الوَعْر فى بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين. هاتوا ماء لمُلاقاة العطشان يا سكان أرض تَيْماء وافُوا الهارب بخُبْزِه. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب. فإنه هكذا قال لى السيد فى مدة سنة كَسَنَة الأجير يَفنَى كل مجد قيدار وبقية عدد قِسِىّ أبطال بنى قيدار تَقِل لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم (إشعياء21: 13-17)

دعونا نسألكم: أىّ وَحْى هذا الذى جاء من جِهَة بلاد العرب إن لم يكن الوحى الذى أُنزِل على الرسول r؟ وهل هناك أى نبى من أنبياء بنى إسرائيل خرج من بلاد العرب؟

ربما يلتبس الأمر على البعض ويظن أن خروج أنبياء بنى إسرائيل – صلوات الله وسلامه عليهم – من أرض فلسطين يُعَد خروجاً من بلاد العرب, ولكن الحقيقة غير ذلك, فإن فلسطين وما جاورها من الدّوَل كانت – وما زالت – تُسمَّى ببلاد الشام, أما بلاد العرب فهى تُطلَق على بلاد الجزيرة العربية.

 وهذا النَّص واضح الدلالة على البشارة بالرسول r وهجرته إلى المدينة المنورة هروباً من اضطهاد مكة وتعذيبها له ولأصحابه y, وذلك لأن ( تَيْماء ) هى أرض تقع شمال المدينة المنورة, والددانيون هم أبناء سيدنا إبراهيم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – بدليل ما جاء فى الكتاب المقدس نفسه:

وعاد إبراهيم فأخذ زوجة اسمها قَطُورَة. فولدت له زِمْران ويَقْشان ومَدَان ومِدْيان ويِشْباق وشُوحاً. وولد يَقْشان شَبَا ودَدَان. (تكوين25: 1-3)

أما بنى قيدار فهم أجداد العرب, من نسل سيدنا إسماعيل – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – بدليل من الكتاب المقدس أيضاً, ألا وهو:

وهذه أسماء بنى إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم. نبايوت بِكْر إسماعيل وقيدار وأدبئيل ومبسام (تكوين25: 13)

ومجد قيدار الذى ذُكِرَ فى النَّص هو مجد قريش, لأن قريش كانت بمثابة العاصمة للجزيرة العربية, وكانت لها مكانتها العظيمة – التى لا يمارى فيها اثنان – بين قبائل العرب , وذلك – كما هو معلوم – لوجود بيت الله الحرام والكعبة المشرَّفة فيها, وقد جاء فى النَّص: (فى مدة سنة كَسَنَة الأجير يَفنَى كل مجد قيدار) وهذا ما حدث بالفعل, فقد هزم الله قريشاً فى موقعة بدر بعد عام من الهجرة, وفقدت مكانتها وهيبتها بين القبائل العربية, وقُتِلَ فيها العشرات من وُجَهاء القوم وأفضل فرسانهم, وذلك معنى: (وبقية عدد قِسِىّ أبطال بنى قيدار تَقِل)

هُوَذا عبدى الذى أعْضُدُه مُختارى الذى سُرَّت به نفسى. وضعتُ روحى عليه فيُخرِج الحق للأمم. لا يصيح ولا يَرفع ولا يُسمِع فى الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصِف وفتِيلَة خامدة لا يُطفِئ. إلى الأمان يُخرِج الحق. لا يَكِلّ ولا ينكسر حتى يضع الحق فى الأرض وتنتظر الجزائر شريعته (إشعياء42: 1-4) أنتم تقولون إن هذه البشارة خاصة بالمسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ولكنكم تغالطون أنفسكم, لأنكم لا تعترفون بأن السيد المسيح عبد, بل تزعمون أنه الله أو ابن الله, كما أن البشارة تتحدث عن مجىء من يختاره الله ليُخرِج الحق للأمم, وينتظر العالم شريعته, والمسيح لم يُرسَل إلى جميع الأمم, بدليل قوله: لم أُرسَل إلا إلى خِراف بيت إسرائيل الضالَّة. (متى15: 24) أما الرسول r فهو الذى أُرسِل لجميع الأمم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وشريعته هى التى ستسود العالم بعِزّ عزيز أو بذُلّ ذليل, عِزّاً يُعِزُّ اللهُ به الإسلام وأهله, وذُلاً يُذِلُّ اللهُ به الشرك وأهله.

غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحه من أقصى الأرض. أيها المنحدرون فى البحر وملؤه والجزائر وسكانها. لترفع البَرِيَّة ومُدُنها صوتها الديار التى سكنها قيدار. لتترنم سُكّان سالِع. من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليُعطوا الرب مجداً ويُخبروا بتسبيحه فى الجزائر. (إشعياء42: 10-12) وقد ذكرنا أن أهل قيدار هم أهل مكة, وفى مكة تُرفَع الأصوات بالتكبير والتهليل والتحميد, وخصوصاً فى الحج والعمرة والأذان والأعياد, أما من يظنون أن هذه البشارة خاصة بالمسيح عليه السلام, فنسألهم ونقول لهم: هل أتى السيد المسيح بتسبيحات جديدة, أم أن عبادته وشريعته كانت على نَهْج رسالة سيدنا موسى, على نبينا وعليهما الصلاة والسلام؟ ولو كان جاء بتسبيحات جديدة.. فهل رفع أهل قيدار أصواتهم بها؟

غنُّوا للهِ رنِّموا لاسْمِه. أعِدِّوا طريقاً للراكب فى القِفار باسمه ياهْ واهتفوا أمامه. أبو اليتامى وقاضى الأرامل اللهُ فى مَسْكَن قُدْسِه. (مزمور68: 4-5) (باسمه ياهْ) أى باسم الله, لأن كلمة (ياهْ) تعنى فى بعض نُسَخ الكتاب المقدس (الله) والرسول r أبو اليتامى, سواء أولاده الذين كانوا من السيدة خديجة – رضى الله عنها – أو من تكفَّل برعايتهم بعد موت آبائهم, مثل أولاد زوجته أم سَلَمَة – رضى الله عنها – وأولاد سيدنا جعفر بن أبى طالب t بعد استشهاد أبيهم فى غزوة مؤتة, كما أنه r كانت كل زوجاته – رضى الله عنهن – أرامل, ما عدا السيدة عائشة, فهو قاضيهن, أى الذى ينصِفهن, ويقضى فى أمرهن بالحق, وقد جعل الله بيته داخل مسجده (اللهُ فى مَسْكَن قُدْسِه)

والرسول r – بالإضافة لكفالته لليتامى – فقد أوصى بهم فى أحاديث كثيرة, منها قوله: (( أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا )) وأشار بالسَّبابة والوُسْطَى (أى أُصبعيه السبابة والوسطى) وفرَّج بينما شيئاً [صحيح البخارى] وأوصى أيضاً بالأرامل, فقال : (( الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله, أو كالذى يصوم النهار ويقوم الليل )) [صحيح البخارى]

ونحن نعلم أن اليتيم هو الذى فقد أباه, ولكن عندما يقال: (أبو اليتامى) ينصرف الذهن إلى رجل ماتت زوجته, وتركت له أولاداً, أو تكفَّل بيتامى آخرين, والأمران تحققا للرسول r هذا بالإضافة لما فى النَّص من تلميح لهجرته r (أعِدِّوا طريقاً للراكب فى القِفار)

قال رسول الله r: (( إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى, كمثل رجل بنى بيتاً, فأحسنه وأجمله, إلا موضع لَبِنَة من زاوية, فجعل الناس يطوفون به, ويعجبون له, ويقولون هلا وُضِعَت هذه اللَبِنَة, فأنا اللَبِنَة, وأنا خاتم النبيين )) [صحيح البخارى] وقد جاء فى الكتاب المقدس على لسان سيدنا داود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ما يوافق هذا الكلام:

الحجر الذى رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب فى أعيننا (مزمور118: 22-23) إن هذا معناه أن جميع أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – تشير إليهم الحجارة الكثيرة فى بناء بيت الرب, أما الحجر الذى هو رأس الزاوية, والذى يمسك البناء كله, فهو – وإن كان حجراً واحداً – إلا أنه هو الأهم والأعظم أثراً فى إقامة هذا البناء وتماسكه, وهو يشير بذلك إلى سيدنا محمد r باعتباره خاتم النبيين, وبرسالته يتم البناء ويكتمل. ولقد ظن النصارى أن هذه البشارة خاصة بالمسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فى حين أن المسيح نفسه قال: 

اسمعوا مثلاً آخر. كان إنسان رب بيت غرس كَرْماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى بُرجاً وسَلَّمه إلى كرّامين وسافر. ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرّامين ليأخذ أثماره. فأخذ الكرّامون عبيده وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً. ثم أرسل أيضاً عبيداً آخرين أكثر من الأولين. ففعلوا بهم كذلك. فأخيراً أرسل إليهم ابنه قائلاً يهابون ابنى. وأما الكرّامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث. هلمُّوا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكَرْم وقتلوه. فمتى جاء صاحب الكَرْم ماذا يفعل بأولئك الكرّامين. قالوا له. أولئك الأردياء يُهلكهم هلاكاً رَدِيّاً ويُسَلِّم الكَرْم إلى كرّامين آخرين يعطونه الأثمار فى أوقاتها. قال لهم يسوع أمَا قرأتم قط فى الكتب. الحجر الذى رفضه البنّاؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب فى أعيننا. لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنزَعُ منكم ويُعطَى لأُمَّة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه (متى21: 33-44) فى هذ النَّص يضرب المسيح عليه السلام مثلاً – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} – للأنبياء الذين أرسلهم الله جل وعلا لهداية خلقه, فجلدهم المكذبون بهم, وقتلوهم, ورجموهم, ثم أرسل الله إليهم المسيح, فقتلوه هو أيضاً بزعمهم (ابن الله فى الكتاب المقدس معناها المؤمن بالله, كما ورد فى الرد على الشبهة رقم 18) ثم أخبرهم المسيح أن (الملكوت) أى (النبوة) ستُنزَع منهم (أى من بنى إسرائيل) وتُعطَى لأُمَّة أخرى تقوم بحقها أفضل ممن سبقها, وأشار إلى الحجر الذى صار رأس الزاوية, والذى جاء ذكره فى بشارة سيدنا داود – وهو محمد r – والذى لا يستقيم البناء بغير وجوده, وأن (من سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه) وهذه إشارة لجهاده r فى سبيل الله, وإلى قوة الإسلام, وأن من يعاديه سوف يسحقه الله. وقد حدث هذا عندما استطاع المسلمون الأوائل – رغم قِلَّتهم – الانتصار (بإذن الله) على أعظم قوتين فى ذلك الحين, وهما الفرس والروم.

إن تنبُّؤ المسيح بقوة النبى r وأمته, يوافق ما جاء فى بشارة سيدنا موسى التى ذكرناها (ويكون أن الإنسان الذى لا يسمع لكلامى الذى يتكلم به باسمى أنا أطالبه) أى أن الله سبحانه وتعالى سينتقم ممن لا يطيع هذا النبى المبارك r. 

لقد تبَيَّن لنا من كلام المسيح – عليه السلام – أن عبارة (ملكوت الله) تعنى (النبوة) حتى لا يقول مجادل: إنها تعنى يوم القيامة. إذ كيف يقول عن يوم القيامة (يُنزَع منكم) ؟ ومن ثَم فإن النصوص التالية تؤكد هذا المعنى, أى أن النبوة ستصير لنبى آخر بعد المسيح عليه السلام, ألا وهو رسولنا r: جاء يسوع إلى الجليل يَكْرِز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (مرقس1: 14-15) (يَكْرِز) معناها (يُبَشِّر)

فقال لهم متى صليتم فقولوا أبانا الذى فى السمَوات. ليتقدس اسمك. ليأتِ ملكوتك. (لوقا11: 2)

فصلوا أنتم هكذا. أبانا الذى فى السمَوات. ليتقدس اسمك. ليأتِ ملكوتك. (متى6: 9-10)

وقد جاءت بشارات أخرى بالرسول r فى الكتاب المقدس باسم (المُعَزِّى) أو (روح الحق) أو (الروح القدس) أو(الكامل) ومنها ما يلى:

الذى لا يحبنى لا يحفظ كلامى. والكلام الذى تسمعونه ليس لى بل للآب الذى أرسلنى. بهذا كلمتكم وأنا عندكم. وأما المُعَزِّى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم (يوحنا14: 24-26) و(المُعَزِّى) معناه (المُواسِى) أى الذى يواسى أتباعه, ويُصبِّرهم على ما يلاقونه من الأذى. والرسول r هو الذى علمنا كل شىء, حتى قال أحد اليهود لعمر بن الخطاب t: لقد علمكم نبيكم كل شىء حتى الخِراءة (أى حتى التطهر من البراز) أما تذكيره r بما قاله المسيح – عليه السلام – فقد جاء فى آيات كثيرة معلومة.

ومتى جاء المُعَزِّى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معى من الابتداء (يوحنا15: 26-27) والرسول r يشهد بنبوة المسيح عليه السلام, ويشهد للحواريين أتباعه بأنهم آمنوا به ونصروه.

لكنى أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعَزِّى. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم… وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يُمَجِّدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. (يوحنا16: 7-14) هذا النَّص يوضح أن (المُعَزِّى) أفضل من المسيح, لأنه قال: (خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعَزِّى) ويوضح أيضاً أن (المعَزِّى) يرشدنا إلى جميع الحق, وهذا لا يحتاج لبيان من سيرته عليه الصلاة والسلام, ويوضح أيضاً أنه يخبرنا بما سيأتى, ولا شك أن الآيات والأحاديث أخبرتنا بغيبيات كثيرة, لا مجال لذكرها لكثرتها, وأخيراً يوضح النص أن (المُعَزِّى) يمجِّد المسيح, والرسول r مجَّد جميع الأنبياء والمرسلين – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – ورغم هذا الوضوح فى مدلول النصوص, إلا أنكم تزعمون أن (المُعَزِّى) هو روح القُدُس, وهذا القول مردود عليكم, لأن روح القدس كان ملازماً للسيد المسيح عليه السلام, أما المعزى فتقول النصوص إنه سيأتى بعده, وروح القدس بالطبع ليس أفضل من المسيح, ولكن النصوص قالت إن المعزى أفضل منه, كما أن روح القدس لا يتكلم كما يتكلم المعزى, بل هو – كما فى عقيدتكم – روح المسيح التى يحيا بها.

لأننا نعلم بعض العلم ونتنبَّأ بعض التنبُّوء. ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يُبْطَلُ ما هو بعضٌ. (الرسالة الأولى إلى كورنثوس13: 9-10) فمن هو الكامل الذى شملت رسالته كل الرسالات قبله إن لم يكن الرسول r؟ ومن الذى تكون رسالته كاملة لجميع الأمم؟ ومن الذى لم تترك رسالته صغيرة ولا كبيرة إلا وتكلمت عنها؟ إن هذا النص معناه أن علم من قبله وتنبؤاتهم لم تكن كاملة, حتى يأتى r فتكون رسالته الكاملة ناسخة لما قبلها, وهو معنى (يُبْطَلُ ما هو بعضٌ).

وهناك دلائل أخرى فى الكتاب المقدس تشير إلى الرسول r وإلى مكة المكرمة, والمدينة المنورة, وإلى انتصاراته على أعدائه, وغير ذلك, فليرجع إليها من شاء فى مصادرها, ومنها كتاب (محاضرات فى مقارنة الأديان) للأستاذ إبراهيم خليل أحمد, وكتاب (مناظرة بين الإسلام والنصرانية) وهو عبارة عن مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين, الإسلامية والنصرانية, وكتاب (إظهار الحق) لرحمة الله بن خليل الرحمن الهندى, والله أعلم.

س170- إن محمداً يعترف أنه يجلد ويسب ويلعن, كما جاء فى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله r يقول: ((اللهم إنما محمد بشر, يغضب كما يغضب البشر, وإنى قد اتخذت عندك عهداً لن تُخْلِفَنِيه, فأيُّما مؤمن آذيتُه, أو سببتُه, أو جلدتُه, فاجعلها له كفارة وقُربَة تقربه بها إليك يوم القيامة)) 

ج170- إن هذا الكلام جاء من رسول الله r على قِمَّة الورع والتواضع, فإنه لم يجلد أو يسب أو يلعن أحداً, ولكنه سأل ربه إن وقع هذا الأمر منه, وهذا على سبيل التواضع, والانكسار, والخشوع لله تعالى, كما فهم ذلك علماء اللغة, وأنه يخشى الزَّلَّة وإن دَقَّت. ومُجْمَل الحديث طلب المغفرة له ولأمته فى أعظم صور الورع والخشية, وفى الحديث كمال شفقته على أمته وجميل خُلُقه, وكرم ذاته, حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم.

وقد ذكرنا بعض ما جاء فى الكتاب المقدس من السبّ والشتم, وذلك فى الرد على الشبهة رقم (51) وجاء فيه أيضاً عن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ما نصّه: وكان فِصْح اليهود قريباً فصعد يسوع إلى أورشليم. ووجد فى الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً والصيارف جلوساً. فصنع سَوْطاً من حِبال وطرد الجميع من الهيكل. الغنم والبقر وَكَبَّ دراهم الصيارف وقلب موائدهم. (يوحنا2: 13-15) أين هذا من رحمة رسولنا r بالأعرابى الذى بالَ فى المسجد وأراد الناس أن يضربوه, فقال لهم: ((دعوه, وأهريقوا على بوله سَجْلاً من ماء, أو ذَنوباً من ماء, فإنما بُعِثتم مُيَسِّرين, ولم تُبعثوا مُعَسِّرين)) [صحيح البخارى], والله أعلم.       

س171- إن محمداً أمر بإحراق هبّار بن الأسود ثأراً لابنته زينب, لأنه تعرض لها أثناء الهجرة, ألا كان القتل أهون من الحرق؟

ج171- يقول ابن عبد البر: تُوُفِّيَتْ زينب بنت الرسول r فى حياة أبيها, متأثرة بالوَقْعَة التى سقطتها من على الجمل وهى حامل, حينما عَمَدَ هبّار بن الأسود إلى نَخْس جَمَلها بالرمح, فظلت تنزف حتى أسقطت جنينها. والحقيقة التى أخفاها السائل أن الرسول r بعدما أمر بإحراق هبّار, عَدَلَ إلى الأمر بقتله, وقال: ((إنما يُعَذِّب بالنار ربُّ النار)) [صحيح الجامع:1412] وفى الحقيقة أنه لم يحدث هذا ولا ذاك, لأن هبّاراً أسلم وحَسُنَ إسلامه, فعفا عنه الرسول r مع أنه تسبب فى قتل ابنته وجنينها. ولا أظن أن أحداً من العَوَام – فضلاً عن الملوك والحُكّام – يعفو عن رجل قتل ابنته, وجنينها فى بطنها. والمعروف عند العرب أنه من الكبائر التى لا تُغتفر, تعرُّض الرجل للمرأة بسلاح أو بغيره, فَعَفْو الرسول r عنه يدل على عظيم رأفته ورحمته, كما عفا عن وحشى بن حرب الذى قتل عمه حمزة t مع تمكّنه من الفتك به, واكتفى بأن جعله يُغيّب عنه وجهه (أى لا يجلس أمام الرسول r مباشرة).

وقد جاء فى الكتاب المقدس حرق المدُن بأكملها, كما ذكرنا ذلك فى أماكن أخرى, وجاء فيه أيضاً أن يشوع النبى أحرق رجلاً, وبنيه وبناته, وكل ما يملك, لأنه أخذ من الغنيمة غُلولاً, وقد أحرقه (بزعمهم) بعدما كَلَّمَهُ بطريقة تشعره بالأمان: فقال يشوع لعخان يا ابنى أعطِ الآن مجداً للرب إله إسرائيل واعترف له وأخبرنى الآن ماذا عَمِلْتَ. لا تُخْفِ عنى. فأجاب عخان يشوع وقال حقاً إنى قد أخطاتُ إلى الرب إله إسرائيل وصنعتُ كذا وكذا… فأخذ يشوع عخان بن زارح والفضة والرداء ولسان الذهب وبنيه وبناته وبقره وحميره وغنمه وخيمته وكل ما له وجميع إسرائيل معه وصعدوا بهم إلى وادى عخور. فقال يشوع كيف كدَّرتنا. يكدِّرك الرب فى هذا اليوم. فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة وأحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة وأقاموا فوقه رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم. فرجع الرب عن حمو غضبه. ولذلك دُعِىَ اسم ذلك المكان وادى عخور إلى هذا اليوم (يشوع7: 19-26), والله أعلم.

س172- إن نبيكم يأمر بنقل رأس الأسود العنسى بعدما قُطِعَت من اليمن إلى المدينة ليتشفَّى فيه.

ج172- إن الأسود العنسى أسلم ثم ارتد, وهو من أول المرتدين الذين خرجوا على دولة الإسلام, وقاتل قبائل اليمن المسلمين, ونهب أموالهم, واستباح دماءهم, وانتهك أعراضهم, وقتل حاكم اليمن المسلم (شهر بن باذان) واغتصب امرأته, وادَّعى النبوة, وأرغم الكثيرين على اتِّباعِه, فتعاون على قتله البطل المسلم (فيروز الديلمى) بمساعدة زوجة شهر بن باذان, وزاز ابنة عم فيروز الديلمى, وفيروز ابن أخت النجاشى ملك الحبشة, وقد نجحت هذه الأسرة العريقة, التى جمعت بين الْمُلْك والدِّين, مع المخلصين من المسلمين, على قتل الأسود العنسى, أما الادِّعاء بأن الرسول r أمر بنقل رأس العنسى من اليمن إلى المدينة, فهو محض افتراء, وخبر شاذ, ردَّه الحافظ ابن عبد البر فى (الاستيعاب) وكذلك الحافظ ابن حجر فى (الإصابة) ومنشأ الرد أن فى الإسناد ضمرة بن ربيعة الكذاب, الذى رفضته الثقات.

وقد جاء فى الكتاب المقدس أن المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – قال (بزعمهم): أما أعدائى أولئك الذين لم يريدوا أن أَمْلِكَ عليهم فَأْتُوا بهم إلى هنا واذبحوهم قُدّامى (لوقا19: 27) إن هذا إن دَلَّ على شىء, فإنما يدُلُّ على أنه أراد أن يتشفَّى برؤيتهم وهم يُذبَحون, وأنه مُحِبٌّ للدماء, وإلا- فما الفرق أن يذبحوهم أمامه أو بعيداً عنه؟ ونحن نبرِّئ سيدنا عيسى وجميع الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – من هذه البشاعة, والله أعلم.

س173- إن محمداً يزعم أن موسى أحكم وأرحم بأمته من ربه, وأنه يعلم قدراتهم أكثر منه, فها هو يقول فى حديث المعراج (كما ورد فى الصحيحين): ((ففرض الله عز وجل على أمتى خمسين صلاة, فرجعتُ بذلك حتى مررتُ على موسى, فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة, قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق, فراجعتُ فوَضَعَ شطرها, فرجعتُ إلى موسى قلت: وضعَ شطرها, فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق, فراجعتُ فوضع شطرها, فرجعتُ إليه فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك, فراجعته فقال: هى خمس وهى خمسون, لا يُبدَّل القول لَدَىَّ, فرجعتُ إلى موسى فقال: راجع ربك, فقلتُ: استحييت من ربى))      

ج173- يزعم الناقد عدم معرفة سيدنا محمد r بصفات الله جل وعلا, وهو أعلم خلق الله بالله, وأتقاهم له, كما قال r: ((إنَّ أتقاكم وأعْلمَكم بالله أنا)) [صحيح البخارى] وحديث المعراج ليس فيه أى دلالة أو إشارة على أن الأنبياء أكثر معرفة بالناس من الله, حاشاه سبحانه أن يظن به أحد ذلك, وغاية ما هنالك أن الله سبحانه فرض الصلاة على النحو الأول خمسين صلاة فى اليوم والليلة, فلما مر نبينا r على سيدنا موسى, سأله عن فريضة الله عليه فأخبره, فنصحه بأن يسأل الله التخفيف, والسؤال هنا من الأدنى للأعلى, من باب الدعاء والتذلل, لا من باب الأمر والإلزام, فإن هذا لم يَقُل به أحد, ولا يجرؤ على قوله أحد, والدليل على ذلك قول نبينا r: ((سألتُ ربى حتى استحييتُ منه, ولكن أرضَىَ وأُسَلِّم)) [صحيح الجامع:2866] والسؤال بهذه الكيفية ليس منهيّاً عنه, ولكنه من جنس العبادة المأمور بها, كمن ينزل به بلاء فيسأل الله التخفيف, بدليل قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ولم يَرِد أن النبى r تطاول فى السؤال, أو تجاوز فى الحد المأذون فيه, ولم يكن منه إلا الطلب, والدعاء لله جل وعلا, حتى خفف الله عن أمَّته.

وقد جاء فى الكتاب المقدس أن سيدنا إبراهيم حاور ربه, وجعله يخفف العقوبة عن قوم سيدنا لوط – على نبينا وعليهما الصلاة والسلام – لعدة مرات, وأن سيدنا موسى (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) اتهم ربه (بزعمهم) بالإساءة إلى شعبه, والأعجب من ذلك أنه – على حد قولهم – أَمَرَه بالندم والرجوع عن غضبه:

وأمّا إبراهيم فكان لم يزل قائماً أمام الرب فتقدم إبراهيم وقال أفَتُهلِك البارّ مع الأثيم. عسى أن يكون خمسون بارّاً فى المدينة. أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارّاً الذين فيه. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تميت البارّ مع الأثيم فيكون البارّ كالأثيم. حاشا لك. أدَيّان كل الأرض لا يصنع عدلاً. فقال الرب إن وجدتُ فى سَدُوم خمسين بارّاً فى المدينة فإنى أصفحُ عن المكان كله من أجلهم. فأجاب إبراهيم وقال إنى قد شرعتُ أكلِّم المولى وأنا تراب ورماد. ربما نقص الخمسون بارّاً خمسة. أتُهْلِكَ كل المدينة بالخمسة. فقال لا أُهْلِكُ أن وجدتُ هناك خمسة وأربعين. فعاد يكلمه أيضاً وقال عسى أن يوجد هناك أربعون. فقال لا أفعلُ من أجل الأربعين. فقال لا يسخط المولى فأتكلم. عسى أن يوجد هناك ثلاثون. فقال لا أفعلُ إن وجدتُ هناك ثلاثين. فقال إنى قد شرعتُ أكلِّم المولى. عسى أن يوجد هناك عشرون. فقال لا أُهْلِكُ من أجل العشرين. فقال لا يسخط المولى فأتكلَّمُ هذه المرة فقط. عسى أن يوجد هناك عشرة. فقال لا أُهْلِكُ من أجل العشرة. وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم ورجع إبراهيم إلى مكانه (تكوين18: 22-33)

فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيد لماذا أسأتَ إلى هذا الشعب. لماذا أرسلتنى. فإنه منذ دَخلتُ إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب. وأنت لم تخلِّص شعبك (خروج5: 22-23)

فقال موسى للرب لماذا أسأتَ إلى عبدك ولماذا لم أجدُ نعمة فى عينيك حتى أنك وضعتَ ثقل جميع هذا الشعب علىَّ. (عدد11: 11)

لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرَجَهَم بخبث ليقتلهم فى الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض. ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك… فندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه (خروج32: 12-14), والله أعلم.

س174- إن نبيكم لا يتقى الله, بدليل قول قرآنكم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1]

ج174- إن الرسول r هو سيد المتقين, وسيد الأولين والآخرين, ولكن معنى الآية: حافظ واستمر على التقوى وصابر عليها, وهذا كما جاء فى قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112] فهل كان الرسول r غير مستقيم؟ أم أنه أمر بالثبات على الاستقامة, والدوام عليها؟ وكقوله تعالى للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [النساء:136] وقد ذكرنا التعليق عليها فى الرد على الشبهة رقم (320) وبالله التوفيق, والله أعلم.       

س175- إن محمداً يلجأ – كحُكّام العرب الدكتاتوريين – إلى التصفية الجسدية, فقد أرسل مجموعة من القتلة المحترفين, لاغتيال سلام بن أبى الْحُقَيْق اليهودى, وكعب بن الأشرف اليهودى, الذى كان شاعراً وفارساً وسيداً فى قومه.

ج175- إن الرسول r لم يأمر بقتل سَلام, إلا لأنه كان العقل المدبر فى تأليب المشركين واليهود على قتال المسلمين, وهو القائل لمشركى مكة – عُبّاد الأصنام – حينما سألوه أهُمْ أهْدَى أم محمد: (أنتم أهدى من محمد سبيلاً) مع علمه بأنهم على الباطل, وأن سيدنا محمداً r على الحق, ولذلك نزل فيه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} [النساء:51] أما كعب بن الأشرف, فقد نَحَى مَنْحَىً لم يتخذه أحد قبله, وهو أنه – من خِسَّته وذميم أخلاقه – هجا نساء النبى r ونساء الصحابة y بأقبح الألفاظ, أضف إلى ذلك أنه كان رأس حَرْبَة فى قتل وإيذاء المسلمين, وكان شريكاً فى تأليب المشركين على المسلمين فى غزوة أحد مع سلام بن أبى الحقيق, فكان القتل لهما جزاءً وفاقاً.

إن الذين يعيبون على رسولنا r أنه أمر بقتل (سلام بن الحقيق) و(كعب بن الأشرف) جاء فى كتابهم المقدس أن الذى يشتم أبويه يُقتَل, واقرأوا إن شئتم:

ومن شتم أباه أو أمه يُقتَل قتلاً. (خروج21: 17) فهل يوجد فى الإسلام مثل هذا؟ وهل الأبَوان أشد حُرْمَة من رسول الله r ونسائه, رضى الله عنهن وأرضاهن؟, والله أعلم.  

س176- إن الدليل على أن محمداً فرض الإسلام على القبائل العربية بالإكراه, أنه بعد موته ارتد كثير منهم, وتحرروا من الاستعباد الذى فرضه عليهم.

ج176- إن سبب ارتداد بعض القبائل العربية عن الإسلام لم يكن لأنهم أُجْبِرُوا على الإسلام, أو الاستعباد, ولكن ما حدث أن بعض شيوخ القبائل (مثل مسيلمة الكذاب, والأسود العنسى, وسجاح, وغيرهم) ادَّعَوْا النبوة, وأجبروا أقوامهم على ترك الإسلام, واتِّباعهم تحت وطأة الحديد والنار, ولقد كانت أقوامهم أعلم الناس بأنهم كذابون, فهم أصحاب سِيَر سيئة طيلة أعمارهم, ولا يملكون منهجاً من السماء, وقد أحلوا كل الفواحش التى حرَّمها الإسلام, وقاموا بالسلب والنهب, وتهديد القبائل المجاورة لهم, فلم يُعرَف عنهم إلا كل شر, واستغلوا وجود جيش الإسلام بقيادة أسامة t على تخوم الروم, وموت النبى r, فظنوا أنه لا مُؤدِّب لهم, وحسبوها فوضى, فهبَّ الخليفة الراشد أبو بكر الصديق t لتأديبهم, واستأصل شأفتهم, فأمَّن بذلك قبائل العرب من شرهم, وهزمهم شر هزيمة, والله أعلم.

س177- إن محمداً الرحيم يخالف الأعراف الحربية ويقتل الأسرى, واقرأوا السيرة لتعلموا أنه قتل عُقبة بن أبى مُعَيْط, وهو أسير لا يَحِلّ قتله.

ج177- إن عُقبة كان مشركاً شأن أهل مكة, ولكنه كان أشد الناس إيذاءً للإسلام والمسلمين, حتى إن الرسول r لم يَسْلَم من إيذائه, فقد ألقى عليه سَلَىَ جَزور وهو يصلى (أى أحشاءها) كما جاء ذلك فى صحيح البخارى, وجاء فيه أيضاً أنه خنق الرسول r خنقاً شديداً وهو يصلى فى حِجْر الكعبة, فدفعه عنه أبو بكر t وهو يقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] وكان حليف اليهود فى نقل الشبهات على رسول الله r, وكان من كبار المحرِّضين على قتال المسلمين فى غزوة بدر, ووصل به إجرامه أن بصق ذات يوم على وجه الرسول r. أما سبب قتله وهو أسير, هو أن رسول الله r كان قد أهدر دمه قبل غزوة بدر, لشنائعه على المسلمين المستضعفين فى مكة, فلما حضرت الغزوة, كان فى أوائل صفوف المشركين, وهو مهدور الدم سواء قبل المعركة أو بعدها, فلا حُرمة إذن لدمه, والله أعلم.

س178- إن محمداً لا يتورع عن قتل النساء, كما جاء فى السيرة أنه اغتال عصماء بنت مروان الخطمية, واغتال فتاتَىْ ابن خطل, وهما فرتنى وقريبة.

ج178- إن هذه المرأة المسَمّاة (عصماء) كانت تعيب الإسلام, وتؤذى النبى r وتحرِّض عليه, وتؤذى من أسلم, حتى ولو كان من قبيلتها, وكانت تطرح المحايض فى مسجد بنى خطمة, فلما استفحل شرها, قتلها رجل مسلم من قومها, وهو عُمَيْر بن عدىّ الخطمى t ولم يعارضه أحد من قبيلتها, لسوء خلقها, وقسوتها على كل من أسلم, وقال الرسول r لعُمير حين سأله هل عليه شىء فى قتلها: ((لا ينتطح فيها عَنزان)) [سيرة ابن هشام وغيرها] أى أنه بلغ من شرها أنه لا يختلف فى وجوب قتلها أحد, ومع هذا فإن الحديث منكر, أما عن فتاتَى ابن خطل.. فهاتان كانتا تُغَنِّيان بهجاء رسول الله r, ولقد قُتِلَت إحداهما, وهربت الأخرى, ثم طُلِبَ لها الأمان, فأمَّنها رسول الله r وأسلمت.

والذين يلومون على الرسول r السماح بقتل هؤلاء النسوة, مع ما فَعَلْنَه من عداوة للإسلام والمسلمين – وعلى رأسهم رسول الله r – جاء فى كتابهم المقدس الأمر بقتل من لا يمتثل لأمر الكاهن أو القاضى, ولا أقول لأمر نبيهم, بل لأمر كاهنهم أو قاضيهم, حتى لو كان ذنبه لا يستحق عقوبة القتل أصلاً, فها هو كتابهم يقول:

إذا عسر عليك أمر فى القضاء بين دم ودم أو بين دعوى ودعوى أو بين ضربة وضربة من أمور الخصومات فى أبوابك فقم واصعد إلى المكان الذى يختاره الرب إلهك. واذهب إلى الكهنة اللاويين وإلى القاضى الذى يكون فى تلك الأيام واسأل فيخبروك بأمر القضاء… والرجل الذى يعمل بطغيان فلا يسمع للكاهن الواقف هناك ليخدم الرب إلهك أو للقاضى يُقتل ذلك الرجل فتنزع الشر من إسرائيل. (تثنية17: 8-12), والله أعلم.

س179- إن محمداً يمنع سكان أهل مكة الأصليين من الحج, بحجة أن المشركين نجس.

ج179- إن سيدنا محمداً r لم يمنع أهل مكة من الحج, إلا المشركين منهم, وذلك لعدة اعتبارات إيمانية وأخلاقية, فأما الإيمانية فلأنهم عُبّاد أصنام, يشركون بالله ما لم ينزل به سلطاناًًً, وهذا بيت الله الحرام, وقد أمر الله نبيه بما أمر به إبراهيم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – أن يطهر بيته من هذه الأوثان, فلا مكان إذن للمشركين فيه. أما الناحية الأخلاقية فهى أنهم كانوا يطوفون بالبيت عُراة, رجالاً ونساءً. أما قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] فهى نجاسة معنوية متعلقة بقلوبهم لا بأبدانهم, لأنهم عبدوا مع الله آلهة أخرى, وليست نجاسة حِسِّيَة. ثم إن غالب أهل مكة قد أسلموا فى الفتح, إلا بضع أفراد يُعَدَّون على أصابع اليد الواحدة, فأين ما زعمه الناقد؟

إن الذين يتهمون الرسول r بالدكتاتورية فى طرده للمشركين من الجزيرة العربية, جاء فى كتابهم المقدس إبادة الشعوب المشركة بكاملها, بما فيها من بهائم لا ذنب لها, بل وحرق كل أمتعتها, فيقول: 

إن سمعت عن إحدى مدنك التى يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولاً قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك وطوَّحُوا سكان مدينتهم قائلين نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها وفحصتَ وفتَّشتَ وسألتَ جيداً وإذا الأمر صحيح وأكيد قد عُمِلَ ذلك الرجس فى وسطك فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تَلاً إلى الأبد لا تُبنىَ بعد. (تثنية13: 12-16), والله أعلم.

س180- إن محمداً لم يكتفِ بالزواج من تسعة نسوة, فبعد الطواف عليهن يذهب إلى امرأة أجنبية لا تحل له – وهى أم سُلَيْم – ويقيِّل عندها, فتأخذ من عرقه وشعره وتضعه فى قارورة, كل هذا وزوجها خارج البيت. ويذهب لامرأة أخرى أجنبية عنه, وهى أم حَرام بنت مِلحان, زوجة عُبادة بن الصامت, بحجَّة مضحكة, وهى أن تُفَلِّى له رأسه, فى غيبة زوجها أيضاً, فأين كان يضع محمد رأسه حين كانت تفلِّيه هذه المرأة فى غياب زوجها؟

ج180- إن الذى لا تعرفه أيها المتهجِّم على رسول الله r أن أم سُلَيْم – رضى الله عنها – خالة الرسول r من الرضاعة, كما قال ذلك ابن الجوزى, وَوَرَدَ عنه فى فتح البارى, والمنهاج شرح مسلم, فقد كانت أم سليم أخت آمنة بنت وَهْب أم الرسول r من الرضاعة. أما السيدة أم حَرام بنت مِلحان – رضى الله عنها – فهى أخت أم سُلَيْم, وخالة أنس بن مالك t أى أنها هى أيضاً خالة الرسول r من الرضاعة, كما قال ذلك ابن وهب, فأين المرأة الأجنبية التى تتحدث عنها أيها الْمُدَّعِى؟ وأى عجب فى أن تفلِّى المرأة ابن اختها من الرضاعة, أو أن يُقيَّل عندها, أو أن تأخذ من عرقه, أو أن يدخل عليها فى غيبة زوجها, خصوصاً وأن أنس بن مالك t كان معه r؟

وقد أوردنا فى الرد على الشبهة رقم (418) أن الكتاب المقدس جاء فيه أن امرأة زانية قبَّلت قَدَمَى المسيح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ومسحتهما بشعرها, فغفر لها, والله أعلم.

س181- إن نبيكم يأمركم بالسَّب والشتم, فيقول: ((إذا رأيتم الرجل يتعزَّى بعزاء الجاهلية, فَأَعِضُّوه بِهَن أبيه ولا تكنوا)) [صحيح الجامع:567]‌ إن معنى هذا أن تقولوا لمن يتعزى بعزاء الجاهلية: عُض ذكر أبيك, لأن ((بِهَن أبيه)) تعنى (بذَكَر أبيه).

ج181- لقد كان رسول الله r أشد حياءً من العذراء فى خِدْرِها [صحيح الجامع:4799] وهو الذى نهى عن السب والشتم فى أحاديث كثيرة معلومة, لدرجة أنه نهى عن سَبِّ الشيطان, فقال: ((لا تسبُّوا الشيطان, وتعوَّذوا بالله من شرِّه)) ‌[صحيح الجامع:7318]‌ ولو أفضنا فى الكلام عن خلقه العظيم r ما وَسِعَنا المقال. ولكن لماذا أمرنا الرسول r بسَبِّ من تعزَّى بعزاء الجاهلية؟ وما هو عزاء الجاهلية الذى استحق فاعله هذا العقاب؟ لقد قال العلماء: إن عزاء الجاهلية هو أن يتفوَّه الإنسان إذا أصيب بمصيبة بأقوال لا ترضى الله جل وعلا, كأن يقول: لماذا يا رب فعلتَ بى كذا وكذا, أو كالذى ينعى حظَّه, ويقول: وامصيبتاه, واحسرتاه, واخيبتاه… إلى غير ذلك من ألفاظ التسخّط على قدر الله. وقالوا أيضاً: إن معناها التفاخر بالآباء, والأحساب, والأنساب… إلخ, كأن يتفاخر المرء بأبيه, أو عائلته, فيقول مثلاً: أبى كان غنياً, كان وزيراً, كان مديراً… إلخ, وعائلتى كانت كبيرة, وتعمل كذا وكذا, لمجرد التفاخر والتعالى على خَلْق الله. وحين يتشاجر مع غيره يستنفر قومه لقتال خَصْمه, بِغَضّ النظر عن السبب فى الخصومة, وبغضّ النظر عن تحكيم شرع الله بينهما, ومَن الظالم, ومَن المظلوم, ولكنها حَمِيَّة جاهلية, لمجرد القرابة, أو النَّسَب, أو المنفعة. وهذا – للأسف – منتشر بين كثير من المسلمين, لدرجة أن منهم من يظلم الناس ويقهرهم, اعتماداً على منصب أبيه, أو أحد أقاربه, أو سُمْعَة عائلته, أو قوة أصدقائه ومَعارِفِه. ولهذا جاء هذا التحذير الشديد من الرسول r لمثل هؤلاء, ليكون رادعاً لهم عن مثل هذه الأقوال, التى لا يستحقون عليها الشتم فقط, بل ويستحقون عليها العذاب فى جهنم, قال r: ((من دعا بدعوة الجاهلية فهو من جثاء جهنم, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, فادعوا بدعوة الله التى سمّاكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله))‌ [صحيح الجامع:1724]‌ وقال: ((ومن ادَّعى دعوى الجاهلية فهو من جِثِىّ جهنم)) قيل: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ قال: ((وإن صام وصلى، تداعوا بدعوى الله الذى سمّاكم بها المؤمنين المسلمين عباد الله)) [صحيح ابن حِبّان]

والحديث الذى ورد فى هذه الشبهة ليس فيه تصريح بكلمة (الفَرْج) أو (الذَّكَر) وإن كان المعنى واحداً, ولكن الذين يشنِّعون على الرسول r بهذا الحديث, جاءوا بألفاظ صريحة بدلاً من ألفاظ الحديث, ليلفتوا الأنظار إلى ما يقصدونه من الطعن على رسول الله r ولم يذكروا مساوئ التعزِّى بعزاء الجاهلية, والتى ذكرنا بعضاً منها, ولم يذكروا أن هذه العبارة كانت شائعة على ألسنة العرب, ولم يبتدعها الرسول r من نفسه, ولم يسمح بها إلا فى هذا الموضع. فالمسلم عفيف اللسان, ولكن حين يسمع من يعترض على قدر الله, أو ينتسب إلى غير الإسلام, فله أن يَسُبّ من فعل هذا سَبّاً صريحاً, ليزجره عن قوله. فعزتنا بالإسلام وحده, ولا عِزَّة لنا بغيره, كما قال سيدنا عمر t: (كنا أذلَّة فأعزَّنا الله بالإسلام, فإن ابتغينا العزَّة فى غيره أذلَّنا الله) ولكن ينبغى أن يكون هذا السَّبّ فى أضيق الحدود, لأن الرسول r نهى عن الفحش والتفحُّش, فقال: ((ما كان الفُحْش فى شىء قط إلا شانه, ولا كان الحياء فى شىء قط إلا زانَه)) ‌[صحيح الجامع:5655]‌ وقال: ((ليس المؤمن بالطعّان, ولا اللعّان, ولا الفاحش, ولا البَذِى)) [صحيح الجامع:5381]‌ لدرجة أنه عندما دخل عليه اليهود وقالوا له: (السّام عليك يا محمد) و(السّام) هو الموت, لم يَرُدّ عليهم إلا بقوله: ((وعليكم)) وحين ردَّت عليهم السيدة عائشة – رضى الله عنها – قال لها: ((مَهْ يا عائشة! فإن الله لا يحب الفحش والتفحش)) ‌[صحيح مسلم] وقال لها فى رواية أخرى, فى صحيح مسلم أيضاً: ((يا عائشة لا تكونى فاحشة))

وقد قال العلماء: إن المقصود من الحديث هو الزجر الشديد عن هذه الأقوال, لأن من سمع هذا التحذير فلن يَجْرُأ على قولها, لأنه يعلم مَغبَّتها, وحينئذ لن يكون هناك سَبّ ولا شتم, وذلك كالذى يعلم أنه لو سرق لَقُطِعَت يده, فلن يُقْدِمَ على السرقة, ولن تُقْطَع يده.

وقد أوردتُّ نَصّاً من الكتاب المقدس فى الرد على الشبهة رقم (152) وقد جاءت فى هذا النَّص عبارة يعلم الله أننى استحييتُ من تفسيرها, ولكنى أجدنى الآن مضطراً لتفسيرها, ووالله لولا الدفاع عن الشبهة التى نحن بصددها ما فسّرتها, ألا وهى فى الجزء التالى من النَّص:

وعَشِقَتْ معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومَنِيّهم كَمَنِىّ الخيل. (حزقيال23: 20) هل تدرون ما معنى (لحمهم كلحم الحمير)؟ معناها أن الأعضاء التناسلية للرجال الذين زنت معهم (أهوليبة) كالأعضاء التناسلية للحمير, بدليل أن العبارة التى بعدها وصفت مَنِيّهم بمَنِىّ الخيل. وإذا قال مُجادِل منهم: إنها لا تعنى الأعضاء التناسلية, فأقول له: وماذا تعنى كلمة (لحمهم) قبل ذكر منيّهم؟ هل تعنى لحم أجسادهم؟ وهل تشبيه لحم الإنسان بلحم الحمير من الثناء أو المدح فى شىء؟, والله أعلم.   

س182- تزعمون أن نبيكم ينهى عن الْمُثْلَة وتشويه الجثث, بينما هو يفعل ذلك فى أبشع الصور, كما جاء فى صحيح البخارى أنه سَمَلَ أعين بعض اللصوص (أى فقأها) وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, وحرمهم من الماء, حتى ماتوا من العطش, ولم يرحمهم.

ج182- إن الناقد المترَحِّم على هؤلاء القتلة اللصوص المرتدِّين, الذين ارتكبوا حَدّاً من أكبر حدود الإسلام, ألا وهو حَدّ الحِرابة, فى أبشع صُوَرِه, غدر وخيانة, وقتل وسرقة (فضلاً عن الردَّة) استدل بحديث (البخارى) ولم يستدل بما جاء فى صحيح مسلم. يقول أنس بن مالك t: إنما سَمَلَ النبى r أعين أولئك لأنهم سَمَلُوا أعين الرُّعاة. وجاء ذلك أيضاً فى سنن الترمذى, وسنن النسائى, والسنن الكبرى للبيهقى, والمعجم الكبير والأوسط للطبرانى, وسنن الدار قطنى.

والقصة باختصار هى أن نَفَرَاً من عُرَيْنَة وعُكْل (أسماء قبائل) جاءوا إلى الرسول r فى المدينة, وأعلنوا إسلامهم, ولم يناسبهم جَوّ المدينة فمرضوا, وأصابهم الاستسقاء, فاشتكوا إلى الرسول r فبعثهم ليشربوا من ألبان إبل الصدقة وأبوالها, فَصَحُّوا (أى بَرِئُوا) ثم ارتدوا عن الإسلام, وسَمَلوا أعين الرعاة (أو الراعى) وقتلوهم, واستاقوا الإبل (أى سرقوها) وهربوا, أبَعْد ذلك تستكثرون عليهم ما فعله الرسول r بهم؟ إنها معاملة بالمثل, وتطبيق حَدّ من حدود الله, قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] وقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] إذن فالرسول r لم يظلمهم, ولم يعتدِ عليهم, بل هم الذين ارتدُّوا, وقتلوا الرُّعاة, ومَثَّلوا بهم, بعدما أطعموهم وعالجوهم, وسرقوا إبل الصدقة, فكان جزاؤهم من جنس فعلهم. والذى لا يعلمه الناقد الحاقد – أو يعلمه ويخفيه – أن الرسول r قد طبَّق عليهم قانون السماء, لأنه لا يملك إلا ذلك, فقد قال r: ((تعافوا الحدود فيما بينكم, فما بلغنى من حد فقد وجب)) [سنن أبى داود والنسائى, صحيح الجامع:2954] أى أن الحدّ إذا وصل إلى الحاكم وجب عليه تنفيذه. ولو أنه r صفح عنهم – فرضاً – لكان فى هذا عبث, وتضييع لحقوق العباد, وإسقاط لهيبة الدولة الإسلامية, وحاشاه أن يفعل ذلك, وهو الذى قالت عنه السيدة عائشة رضى الله عنها: (وما انتقم رسول الله r لنفسه, إلا أن تُنْتَهَك حُرْمَة الله) [متفق عليه] فكان انتقامه منهم لانتهاكهم حُرُمات الله, وحتى لا يَجْرُأ أحد بعدهم على مثل فعلهم. وقد جاءت فى الكتاب المقدس عقوبات شديدة وعنيفة, ذكرنا أمثلة منها فى الرد على افتراءات أخرى, ونذكر منها ها هنا:

وأخرج الشعب الذى فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وأمَرَّهم فى أَتُون الآجر وهكذا صنع بجميع مدن بنى عمون. ثم رجع داود وجميع الشعب الى أورشليم (صموئيل الثانى12: 31) كلمة (أتُون) معناها فُرْن.

وإذا كان على إنسان خطيَّة حقها الموت فقُتِلَ وعلقته على خشبة فلا تَبِتْ جثته على الخشبة بل تدفنه فى ذلك اليوم. لأن المعلَّق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التى يعطيك الرب إلهك نصيباً (تثنية21: 22-23), والله أعلم.

س183- يقول نبيكم: ((لولا حواء لم تَخُن أنثى زوجَها الدَّهْر)) [صحيح مسلم] كيف خانت حواء زوجها, ولم يكن هناك رجل غيره؟

ج183- إن الخيانة فى هذا الحديث الشريف ليست خيانة فِرَاش, أى أنها لم تكن بفعل الفاحشة, ولكنها بمعنى عدم الإخلاص لزوجها فى النصيحة, لأنها اجتهدت عليه مع إبليس ليأكل من الشجرة, فقد أغواها إبليس بالأكل من الشجرة فأكلت, ثم أقنعت زوجها فأكل هو أيضاً. والدليل على أن الخيانة لا يُقصَد بها خيانة العِرْض فقط, هو قول الله تعالى عن زوجة سيدنا نوح وسيدنا لوط, على نبينا وعليهما الصلاة والسلام: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10] فخيانتهما لم تكن خيانة بالمعنى المقصود فى السؤال, ولكنها كانت خيانة عقائدية. ومعلوم أن مَن أخْلَصَ فى نُصْحِهِ, وأظهر الحق, فهو أمين, وعكسه خائن, قال رسول الله r: ((المستشار مؤتَمَن)) [سنن أبى داود والترمذى, صحيح الجامع:6700] أى أن المستشار لابد أن يكون أميناً فى إظهار الحق لمن استشاره, وأن يتقى الله فى نصحه, وأن يكتم سِرَّه الذى ائتمنه عليه. فمثلاً: لو أراد أحد أن يسكن فى منزل تعرفه, وسألك عنه, فلابد أن توضح له مزاياه وعيوبه, ولا تخفى عنه شيئاَ لِهَوَىً فى نفسك, أو ظناً منك أنك ستقع فى معصية لو أخبرته بسوء خُلُق جيرانه, أو عدم صلاحية ذلك المسكن له… إلى غير ذلك. وكذلك لو استشارك فى الزواج من امرأة تعرفها, فلابد أن توضح له ما تعلمه من أحوالها, وأحوال أهلها, بغير توسّع فى هتك الأستار, وإشاعة الأسرار, وبغير غرض آخر فى نفسك من وراء هذا النُّصْح. وكل من لم يتقِ الله فى نصحه, أو أفشى سِرّ من ائتمنه, أو لم يخلص فى شركته مع غيره, فهو خائن, قال رسول الله r: ((إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه, فإذا خانه خرجتُ من بينهما)) [سنن أبى داود, السنن الكبرى للبيهقى, سنن الدار قطنى]

فمعنى خيانة حواء أنها قَبِلَت ما زينه الشيطان لها, ثم زينته لزوجها, وقد ورثت بناتها خيانتها جيلاً بعد جيل, فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو القول, إلا ما رَحِمَ ربى, ولا أقصد أنها تفعل الفاحشة, ولكنها خيانة من قبيل خيانة أمها. ولكن لا ينبغى للنساء أن يَتَرَخَّصْنَ بما فعلت أُمُّهُنَّ, فيتمادَيْنَ فى خيانة أزواجهن, ولكن ينبغى لهن أن يتقين الله بقدر استطاعتهن, لأن كل إنسان مسئول عن نفسه وعن رعيَّته يوم القيامة, وينبغى للرجال أن يصبروا على زوجاتهم, لما وَرِثْنَه من أُمُّهِنَّ.

ووراثة بعض الطباع والأخلاق مُشاهَدة فى واقعنا, مثلها كمثل وراثة الصفات الخِلْقية تماماً, قال رسول الله r: ((فجحد آدم فجحدت ذريته, ونسى آدم فنسيت ذريته, وخطِئ آدم فخطئت ذريته)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:5208] وقد جاء فى الكتاب المقدس أن حواء لما غَوَتْ بأكلها من الشجرة, عاقبها الله, وعاقب بناتها بالآلام فى الحمل والولادة, فيقول:

وآدم لم يَغوِ لكن المرأة أغويت فحصلت فى التعدِّى. (رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 14)

وقال للمرأة تكثيراً أُكَثِّرُ أتعابَ حَبَلِك. بالوجع تلدين أولاداً. (تكوين3: 16), والله أعلم.

س184- إن محمداً عرض على اليهود الإسلام بعد دخوله المدينة, فلما رفضوا, أقام لهم المجازر الوحشية, فقُتِلَ من قُتِلَ, وَفَرَّ مَن فَرَّ إلى الشام, ليتحقق له مُلك الحجاز, بدليل قوله: ((لا يَبْقَيَّن دينان بأرض العرب)) [موطأ مالك, صحيح الجامع:4617]

ج184- إن من يقرأ تاريخ اليهود على مر العصور, لا يشك لحظة أنهم أهل غدر وخيانة, ونقض للعهود والمواثيق, وهم الذين سَبُّوا ربهم, وقتلوا أنبياءهم, فحدِّث عن جرائمهم ولا حرج. وكان يهود المدينة وما حولها على شاكلتهم, وهم: بنو قينقاع, وبنو النضير, وبنو قريظة, ويهود خيبر. وحين دخل الرسول r المدينة سالَمَهم, وصالَحَهم, وعقد معهم عدَّة اتفاقيات, تسمى بالمصطلح الحديث (حُسْن الجوار) أو (الدفاع المشترك) ولكن هيهات هيهات, فسرعان ما نقضت يهود بنو قينقاع عهد رسول الله r وحرقوا أسواق المسلمين, فصبر عليهم الرسول r ولم يعاقبهم, ثم لجأوا إلى حيلة دنيئة, فقام أحدهم بكشف عورة امرأة مسلمة فى سوق اليهود, وتضاحكوا عليها, فاستغاثت بالمسلمين, فانتصر لها أحدهم, وقتل اليهودى الخسيس, فاجتمع اليهود وقتلوا ذلك المسلم, فانْبَرَى لهم الرسول r وأجلاهم من المدينة, ولم يقتل منهم أحداً كما يقول المدَّعى.

أما يهود بنو النضير, فقد تآمروا على الرسول r وهو ضيف عليهم, ضاربين حُسْن الضيافة, والنُّبْل, والمروءة – التى تعارف عليها العرب – عُرْض الحائط, وقام أحدهم بمحاولة إلقاء الرَّحَى عليه من فوق جدار كان يجلس تحته, فأعْلَمَهُ ربُّه سبحانه وتعالى بمكرهم, فقام من فَوْرِهِ, وسيَّر إليهم جيشاً, فتحصنوا منه فى الحصون, فحاصرهم وأجلاهم عن آخرهم, ولم يقتل منهم أحداً كما يقول الناقد.

أما يهود بنى قريظة, فكانت خيانتهم أشد على الإسلام والمسلمين, وكانت بحق هى الخيانة العظمى, حيث إن موقعهم كان شمال المدينة المنورة, ولَمّا كان المشركون قد تحزَّبوا ضد الرسول r والصحابة y عام غزوة الخندق, وحشدوا لقتالهم أكبر جيش عرفته الحجاز, قوامه عشرة آلاف مقاتل, حاصروا المدينة, وكان الرسول r قد حفر خندقاً بينه وبينهم, بالمشورة المباركة من سيدنا سلمان الفارسى t فلم يبقَ لهذا الجيش العرمرم مدخل إلى المدينة إلا من ناحية اليهود, الذين كان الرسول r قد استأمنهم ألا يعينوا عليه أحداً, حسب الاتفاقات الْمُبْرَمَة بينهم, وألا يُؤْتَى من قِبَلِهِم, وإلا ستكون الكارثة المروِّعة على الإسلام وأهله. وكان الرسول r قد جعل النساء والأطفال فى حصن ناحيَة هؤلاء اليهود, فخانوه, وحاولوا التعرض لهم, وأرسلوا جاسوساً يستطلع حصنهم, فقتلته السيدة صفية – رضى الله عنها – عَمَّة الرسول r فتراجعوا عن مهاجمتهم, ظناً منهم أن معهم رجالاً مسلمين يحرسونهم. وكانت الخيانة الأعظم من ذلك, أنهم سمحوا لجيوش المشركين أن يجتاحوا ديار المسلمين فى المدينة من ناحيتهم, وكانت هذه الخيانة أسوأ خيانة تعرض لها الرسول r وكادت تعصف بالإسلام والمسلمين, لولا أن الله سَلَّم, فأوقع بينهم, وهزم المشركين, وفرق شملهم, وأرسل عليهم الريح التى اقتلعت خيامهم, وقلبت قدورهم ومتاعهم, فرجعوا خائبين, ونجَّى الله المؤمنين بغير قتال. وكان من الطبيعى أن يتفرغ الرسول r لهؤلاء اليهود الذين خانوا عهده, وتحالفوا مع المشركين ضده, فقتل مُقاتِلَتَهم, وسَبَىَ نساءهم وأطفالهم, وكان هذا أقل ما يجب فِعلُه إزاءهم.

أما يهود خيبر, فقد قتلوا عبد الله بن سهل, أخا بنى حارثة, فكسروا عنقه, ودفنوه فى بئر, وهو فى رحلته إلى خيبر ليشترى تمراً, فطلب منهم الرسول r دِيَتَه, فأنكروا قتله, فدفع الرسول r الدِّيَة لأهله, وصبر عليهم. وقد كانت خيبر وَكْراً للدَّس والتآمر, ومركز الاستفزازات العسكرية, ومعدِن التحرشات وإثارة الحروب, وهى مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع, على بُعْد ستين ميلاً شمال المدينة, وكانت على أهُبَّة الاستعداد لقتال المسلمين, وكانت هى الجديرة بالتفات المسلمين إليها, لأن أهل خيبر هم الذين حزَّبوا الأحزاب لقتال المسلمين, وحرضوا بنى فريظة على الغدر والخيانة, وكانوا يحرِّضون المنافقين داخل المدينة, وغطفان وأعراب البادية خارج المدينة, ووضعوا خطة لاغتيال الرسول r مما اضطر المسلمين إلى الفتك برأس هؤلاء المتآمرين, مثل سلام بن أبى الْحُقَيْق, وأسير بن زارِم. لكن الذى أخَّر المسلمين عن قتال يهود خيبر, أن هناك قوة كبرى متمثلة فى قريش, كانت هى الألدّ والأخطر من اليهود, فلما انتهت هذه المجابهة بصلح الحديبية, صَفا الجو لمحاسبة أولئك اليهود المجرمين. وقد كان ليهود خيبر أصفياء فى المدينة من المنافقين, وعلى رأسهم رأس المنافقين عبد الله بن أُبَىّ بن سلول, الذى أرسل إليهم أن محمداً قصدكم, وتوجَّه إليكم, فخذوا حذركم ولا تخافوا, فإنكم أكثر عدداً وعُدَّة منه, وقوم محمد شِرْذمة قليلون, وعُزَّل لا سلاح معهم إلا القليل. واستعدى كِنانة ابن أبى الحقَيق وهوذا بن قيس غطفان, ورعل, وزكوان, وعصية, ليعينوهم على المسلمين, مقابل أن يعطوهم نصف خيبر, فنصر الله المسلمين عليهم, وفاوضهم الرسول r على حقن دماء مقاتلتهم فى الحصون, وأن يترك لهم الذرية, شريطة أن يخرجوا من خيبر, ويتركوا كل شىء إلا ملابسهم, وقال لهم: ((بَرِئَت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتمونى شيئاً)) [دلائل النبوة للبيهقى] فكتموا وخانوا, فأجلاهم الرسول r من المدينة, بعدما قتل ابْنَىّ أبى الحقيق, وكِنانة بن الربيع, لأنهم نقضوا العهد, وأخفوا مالاً كثيراً لِحُيَىّ ابن أخطب وكَنْز يهود بنى النضير.

يتضح جلياً مما سبق أن الرسول r لم يُقِم المذابح المروعة كما قال هذا الحاقد. ونقول له وأمثاله: إن المتتبع للتاريخ, والذى عنده منهج علمى استقرائى مستقيم, يشهد أن الوحشية, وشريعة الغاب, وحمامات الدم, لم تكن يوماً من الأيام من سجايا الإسلام والمسلمين, سواء كانت جيوشاً فاتحة, أو وُفُوداً مُعَلِّمَة, وهذا بشهادة أهل العلم المنصفين, ولكنها كانت فى اليهود, والمغول, والتتار, والحروب الصليبية, ومحاكم التفتيش. ولا زالت نراها فى أفغانستان, وكشمير, والشيشان, والبوسنة, وكوسوفا, وفلسطين, والعراق.. وأخيراً الصومال. كل هذا يشهد على إجرام غير المسلمين, الذين قال الله فيهم: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة:217] ونُحِيل القارئ إلى الرجوع للإجابة على بعض الشبهات المماثلة, ليقرأ ما جاء فى الكتاب المقدس من العنف والوحشية, والله المستعان, والله أعلم.

س185- يقول نبيكم: ((فى الحبَّة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام)) [متفق عليه] إذن نغلق المستشفيات والصيدليات, ونجعلها مراكز لبيع الحبة السوداء, حتى نسمع كلام نبيكم.

ج185- لقد بشركم معبودكم بأن من آمن منكم يستطيع أن ينقل شجرة الجمّيزة من مكانها ويطرحها فى البحر, وأن يشفى المرضى, وإذا شرب السُّمّ لا يضره, وغير ذلك من المعجزات, ولم نرَ أى واحد منكم فعل مثل ما قال, ألا يوجد فى بقاع الأرض كلها مؤمن واحد؟ فأين إذن القساوسة, والمطارنة, والرهبان… إلخ؟ والآن نجيب على شبهتكم, ثم نتبعها إن شاء الله بذكر ما ورد فى الكتاب المقدس بهذا الشأن:

لقد أثبت العلم أن للحَبَّة السوداء (حَبَّة البركة) فوائد جَمَّة, وأعظمها تقوية جهاز المناعة, الذى يساعد فى مقاومة جميع الأمراض. وما خطورة مرض الإيدز إلا أنه يصيب ذلك الجهاز المناعى, فيصبح الإنسان عُرْضة للإصابة بأضعف الميكروبات, ولا يستجيب لأقوى المضادات.

وقد جاء فى كتاب (دفع الشُّبَه عن السنة والرسول) لفضيلة الأستاذ الدكتور (عبد المهدى عبد القادر) أن البحوث العلمية أثبتت أن الحبة السوداء بها من العناصر ما يلى:

الفوسفات والحديد والفوسفور, والكربوهيدرات, والزيوت الطيّارة. كما أنها تحتوى على مضادات حيوية, تقضى على الميكروبات والفيروسات والجراثيم. وبها الكاروتين, وهو مادة مضادة لمسببات السرطان. وبها هرمونات تقوى التناسل فى الرجال والنساء. وبها عناصر تفتح السدد, فتدر البول والحيض, وتدر لبن الأم والصفراء. وبها إنزيمات هضمية, ومضادة للحموضة. وبها مواد منبِّهة ومهدِّئة فى الوقت نفسه. وقد أثبتت البحوث أنها تحتوى على مادة (النيجيللون) وأمكن فصلها, واستُخدِمَت كعلاج سريع للربو الشُّعَبى, ونزلات البرد المزمنة, وعلاج السُّعال الديكى عند الصغار خاصة, والكبار عامة. كما أنها تحتوى على مادة (الثيموهيدروكنيون) وأمكن فصلها, واستعمالها ضد بكتيريا التعفن المعوى.

وقد تداوت الأمة بهذا الدواء المبارك مئات السنين, قبل اكتشاف هذه العناصر المهمة فيها, واستخلاص الأدوية الفعّالة منها. والحبة السوداء ليس لها أضرار جانبية كبقية الأدوية, التى لا يكاد دواء يخلو منها, كما أن الجسم حين يأخذ كفايته منها, يُخرِج الزيادة, بغير أدنى ضرر عليه, بعكس الأدوية المصنَّعة من مواد كيماوية مركبة, والتى لا يستطيع الجسم أن يتخلص مما زاد على كفايته منها, بل وربما أضرَّته أكثر مما نفعته.

وقول الرسول r إن ((فى الحبة السوداء شفاء من كل داء)) لا ينافى الاستعانة ببعض الأدوية معها, فلم يَقُل r إن فيها (الشفاء) ولكنه قال: (( شفاء )) أى أن بها نوعاً من الشفاء, وليس كل الشفاء, وهذا النوع من الشفاء يتمثل فى كونها تقوى جهاز المناعة كما أسلفنا. ولو أن الرسول r يقصد أن بها تمام الشفاء لجميع الأمراض, لَمَا وصف أى دواء غيرها, وهذا ما لم يحدث, ولم يدَّعيه أحد, فقد كان الناس يأتونه ويشتكون إليه من أمراض عديدة, فيصف لهم أدوية كثيرة غير الحبة السوداء, ولكن الحديث عنها خرج مَخْرَج الغالب, أى أنها شفاء لمعظم الداء. وأحياناً تُسْتَعْمَل كلمة (كُلّ) ويراد بها (معظم) كما تقول – مثلاً – عن الذى يدير أعمالك أو مصنعك: فلان هو الكل فى الكل, أو تقول: إنه عليه العِبْء كله, فى حين أنه لا يمكن أن يقوم بجميع الأعمال وحده. أو من يقول عن نفسه بعدما أكَلَ: (لقد أكلتُ الطعام كله) فهل يقصد أنه أكل كل كسرة خبز, وكل حبة أرز… إلخ, أم أنه يقصد معظم الطعام؟ أو كما نقول عمَّن انتقل من مسكنه لمسكن آخر: (لقد رحل وأخذ كل ما فى شقته) ومن البديهى أنه لم يأخذ غير متاعه, فلم يأخذ – مثلاً – الشبابيك والأبواب, وصنابير المياه والأحواض, ومفاتيح الكهرباء والأسلاك… إلخ. وفى القرآن الكريم شاهد على ذلك, فى قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] ومعلوم أن الريح التى أرسلت على عاد لم تدمر كل ما فى السموات والأرض, ولكنها دمرت كل شىء خاص بِعاد.

والآن حان وقت عرض نصوص الكتاب المقدس التى وعدناكم بها:

الحقّ الحقّ أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامى فلن يرى الموت إلى الأبد. (يوحنا8: 51)

ثم دعا تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض… اشفوا مرضى. طهروا بُرصاً. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. (متى10: 1-8)

يخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حَيّات وإن شربوا شيئاً مُميتاً لا يضرهم (مرقس16: 17-18)

فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعى وانغرسى فى البحر فتطيعكم (لوقا17: 6)

ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شىء. (لوقا10: 19), والله أعلم.

س186- يقول القرآن: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] مع أن نبيكم اسمه محمد, وليس أحمد.

ج186- إن هذه من الشبهات التافهة التى تعودنا عليها, ولكن مع تفاهتها تُلقى الضوء على أمرين هامَّيْن, أوَّلهما أن الرسول r لم يؤلِّف القرآن, لأنه لو ألَّفه لقال (ومبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه محمد) إذ أنه من المستحيل أن ينسى اسمه. وثانيهما أنه r لم يبدِّل ولا حرفاً واحداً من كتاب الله جل وعلا, وإلا- فما الفرق بين أحمد ومحمد؟ إنه حرف واحد, وهو الأَلِف فى أولهما, والميم فى ثانيهما. إن الرسول r له عِدَّة أسماء, كما قال عن نفسه: ((إن لى خمسة أسماء, أنا محمد, وأنا أحمد, وأنا الحاشِر الذى يُحشَر الناس على قدمى, وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر, وأنا العاقِب)) ‌[صحيح الجامع:2189]‌ معنى ((العاقِب)) أى لا نبى بعده. ولكن رغم أن له خمسة أسماء, كان لابد أن يقول فى الآية – لو أنه ألَّف أو بدَّل – إن اسمه محمد, لأنه كان لا يدرى هل سيَبْلُغ حديثه هذا كل الناس فيعرفوا جميع أسمائه, أم لن يصل إليهم, والله أعلم.

 

*   *   *

 

41 تعليق to “شبهات حاقدة حول الرسول صلى الله عليه وسلم”

  1. حمدى شفيق Says:

    جزاكم الله خيرا على هذه الردود على تلك الشبهات المنكرة .
    وأرجو موافاتى بالايميل لأرسل لكم نسخة جديدة معدّلة ومنقحة من كتابى: زوجات لا عشيقات التعدد الشرعى ضرورة العصر ، تم تحديث أرقام واحصاءات مذكورة فيها مع اضافة فصل كامل جديد للرد على شبهة ( ملك اليمين) ومعلومات أخرى جديدة وأقوال لمفكرين منصفين من الغرب .كما يسرنى أن أرسل لكم 5 كتب أخرى لى معظمها يرد بالتفصيل على شبهات أخرى حول حقوق وأوضاع المرأة فى الاسلام ، وشبهة الرق فى الاسلام ، وعلاقة المسلمين بغيرهم ،وكتاب عن خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ، وكتاب عن اسطورة هرمجدون ومزاعم انتهاء عمر أمة الاسلام
    تقبل الله منا ومنكم
    أخوكم حمدى شفيق كاتب اسلامى وصحفى مصرى

    • islamdefence Says:

      جزاك الله خيراً يا أخى
      ونفع بنا وبكم الإسلام والمسلمين
      الرد على شبهة الرق موجود فى الرد على الشبهة رقم 68 فى ملف (شبهات ظالمة حول الإسلام)

  2. داني Says:

    أعلم أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم لم يرتكب معصية أو فاحشة قط و الانبياء معصومون
    و لكني عاجز عن تفسير قوله تعالى
    ( {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً،لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}
    فما هي طبيعة هذا الذنب ؟
    و شكرا

  3. islamdefence Says:

    إن هذا السؤال مردود عليه يا أخى فى الشبهة رقم 50 من الشبهات المغرضة حول القرآن
    وجزاك الله كل خير على اهتمامك

  4. داني Says:

    شكرا
    أسال الله لك التوفيق و الثواب العظيم

  5. islamdefence Says:

    جزاك الله خيراً يا أخى
    أرجو أن تكون الإجابة قد أقنعتك
    وأنا تحت أمرك فى أى وقت

  6. خالد حجازي Says:

    وردت شبهة في حق النبي الكريم صلى الله عليه و سلم من قبل اعداء الله و رسوله
    تقول ان النبي ولد بعد وفاة ابيه باربع سنوات ملمحين بذلك بشيء سيء عن رسول الله
    محمد صلى الله عليه و على اله و سلم ارجوا منكم المساعدة في الرد
    و شكرا

  7. islamdefence Says:

    الرد على هذا الافتراء العظيم موجود فى الرد على الشبهة رقم 163 من الشبهات الحاقدة حول الرسول صلى الله عليه وسلم

  8. خالد حجازي Says:

    والله انك رائع و ابن اصل الف شكر الك صراحة انك مش مقصر
    الله يسعدك و يباركلك و يجزيك كل خير النبي محمد و امه و ابوه صلى الله عليهم
    غاليين عندي و اشكرك مرة اخرى الblog الرائع

    • islamdefence Says:

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      نسيت أن أقول لسيادتك: إنه لا يجوز أن تقول: (صلى الله عليهم) وتقصد بذلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) ووالده ووالدته
      ولكن تقصر الصلاة والسلام عليه وحده صلى الله عليه وسلم

    • islamdefence Says:

      أسأل الله سبحانه وتعالى أن يستجيب لدعائك ويعطيك والمسلمين مثل ما دعوت لى وزيادة
      وأنصح حضرتك أن تأخذ جميع ملفات ال(word) من مجموعة جوجل المذكورة فى مقدمة الصفحة الرئيسية, وأن تتصفح الفهرس لتختار ما تريد الرد عليه من الشبهات
      والله الموفق لما يحبه ويرضاه, لا إله غيره ولا رب سواه

  9. خالد حجازي Says:

    ماشي بس انا في صلاتي اقول اللهم صلي على محمد و على ال محمد
    اكيد ربنا سيدخل اب و ام احب خلقه الجنة تكريما لللنبي
    شو رأيك

  10. islamdefence Says:

    لا يا أخى – بارك الله فيك – إن آل محمد (صلى الله عليه وسلم) ليس المقصود بهم أبويه, ولكن المقصود بهم أهل بيته المسلمين
    أما أبوه وأمه فقد ماتا على الشرك ولا تنفعهما شفاعته صلى الله عليه وسلم
    وأمرهما موكول إلى الله عز وجل

  11. خالد حجازي Says:

    شكرا على المعلومة
    أكيد نحن لسنا أكثر رحمة و عدل
    من رب العالمين توكلنا على الله
    بارك الله فيك

  12. مصعب Says:

    وردني من احد الغربيين حديث عن الختان و هو حديث أم عطية و قال ان هذا ظلم في حق المرأة انا
    صراحة مش عارف عن الموضوع بدي مساعدة
    عشان ارد عليه

    • islamdefence Says:

      ختان الإناث يُسمَّى (الخِفاض) ويُشتَرط فيه عدم المبالغة , ولذلك قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأم عطية التى كانت تخفِض الإناث فى المدينة المنورة : “اخفضى ولا تنهكى” أى لا تقطعى جزءاً كبيراً من هذا العضو الحساس
      وهذا ليس فيه ظلم للمرأة لأنه يهذّب شهوتها ولا يمحيها
      ولابد من استشارة الطبيبة المسلمة قبل الختان لتحكم على البنت هل هى محتاجة للختان أم لا ؟

  13. محمد على دريوه Says:

    شكرا اخى الكريم على هذه الردود

  14. aya lotfy Says:

    يقولون اذا شخص كان يحب امرأه ومات ولم يتزوجها يوم البعث هل تتزوجه اذا طلبت من ربها

    • islamdefence Says:

      لا علم لى بهذا يا بنيتى
      وأنصح حضرتك ألا تنشغلى بهذا الأمر
      واشغلى نفسك بطاعة الله جل وعلا , وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
      ولتكن أشواقك إلى رؤية الله جل وعلا , فهى أعظم من نعيم الجنة
      جعلنى الله وإياكٍ والمسلمين من أهلها

  15. حسين Says:

    جزاء الله كل خيرا

  16. ملاك ملاك Says:

    جزاك الله خيرا يا ادمن , بس لو ممكن تضع خاصية البحث الشامل فى الموقع مش افضل ؟ مثلا اما ادور على شبهة اتضع نص من الشبهة يجيى على الطول

    • islamdefence Says:

      وأنت يا أخى جزاك الله خيراً وبارك فيك وفى جميع المسلمين
      للأسف يا أخى أننى لا أستطيع عمل هذه الخاصية
      ولكن حضرتك يمكنك تحميل الكتاب الإلكترونى من الرابطين الموجودين فى مقدمة المدونة
      وستجد إمكانية البحث عن كلمة إن شاء الله

  17. عمو الشيخ Says:

    بارك الله فيك وفي علمك ونفع الله بكم الاسلام والمسلمين وجزاكم الله خيرا

  18. anfal Says:

    لعنة الله على من اطلق هده الشبهات على الرسول صلى الله عليه وسلم

  19. إبراهيم Says:

    جزاك الله خيراً أخي الكريمو وفقني و المسلمين لنكون مثلك ندافع
    عن ديننا و عن نبينا عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم

  20. osman Says:

    بارك الله فيك

  21. adil Says:

    جزاكم الله عنا خير الجزاء ……………لا تعليق عن مجهودكم الجبار ………….و أخيرا و ليس آخرا أقول الحمد لله على نعمة الاسلام و سبحان الله و الحمد لله و لا إله الا الله محمد رسول الله ………….اللهم صل و سلم و زد وبارك على سيدنا محمد أشرف الخلق و آله و صحبه أجمعين و من تبعهم في الاحسان الى يوم الدين

  22. منى Says:

    كل هاذا كذب
    لاحول ولاقوة الا بالله

  23. غير معروف Says:

    لا حول ولا قوة الا بالله .

  24. غير معروف Says:

    سؤال لكل نصراني لا اقول مسيحيين لان المسيح واحد الا وهو عيسي عليه السلام لماذا تقسم الانجيل الي كذا قسم منهم يوحنا ولوقا ومتي الخ ولماذا تمنعون ظهور النسخه الاصليه التي هي في الولايات المتحده الامريكيه

  25. Ahmed Mohammad Says:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيراً على هذه الردود الرائعة
    استأذنكم لأنشرها والإقتباس منها وجزاكم الله خيرا

  26. ريتو الاربش Says:

    في بدآية الأمــر السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ,والامر الثاني اعجبني .اسلوبك في الطرح والردود. المبنية على حقائق ودلائل قرآنية . (ومن بعض كتبهم اي اقصد المشكيين) في نبينآ عليه افضل الصلاة والسلام .ــــــــ عدد ما غَِفل عنها الغَافلون وعدد ماذكَره الذآكرُون اللهم صلي وسلم عليه افضل الصلات والتسليم .
    الشكر موصول للقائمين على الموقع .وكتب الله اجركم . فهذه صحيفتكم املاؤهآ بمآشأتم ان كان خير فاخير وان كان شر فآشر

    • islamdefence Says:

      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاك الله خيرًا يا أخي على هذه الكلمات الطيبة
      وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياك وجميع المسلمين لِما يحبه ويرضاه
      ولكن لي ملاحظة بسيطة, وهي قول حضرتك: “اللهم صلي” والصحيح: “اللهم صلِّ” فقد قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103]
      أمّا حرف الياء فيُضاف عندما نقول: “صلى الله عليه وسلم” قال الله تعالى: {عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلَق:10]

  27. غير معروف Says:

    اعجبني لكن اخواني اردت ان اسال لما بلغ ارسول 53 سنة ماذا فعل

    • islamdefence Says:

      ماذا تقصد بسؤالك؟
      أتقصد زواجه من السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها؟
      إذا كنت تقصد ذلك فاقرأ الرد على الشبهة رقم 109 في نفس الملف.

أضف تعليق